قضايا وآراء

انكشاف الروس في سوتشي

حسين عبد العزيز
1300x600
1300x600

كان من المفترض أن يكون "مؤتمر الحوار الوطني" السوري في سوتشي محطة سياسية هامة لموسكو من شأنها أن تضعها بقوة على المسار السياسي بعدما موضعت نفسها بقوة على المسار العسكري.


لقد خبرنا القدرة العسكرية الروسية على أرض الواقع وانتظرنا سوتشي كي نختبر قدرتها السياسية، ومع أن كثير من المراقبين لم يتوقع أن ينتهي المؤتمر بشيء يذكر، إلا أنه لم يكن لأحد حتى أكثر المتشائمين أن يتوقع تحول المؤتمر إلى فضيحة من العيار الثقيل.


لا يقتصر الأمر على استدعاء نحو 1500 شخص ليس لهم دراية بالعمل السياسي وليسوا من ذوي المواقف السياسية، بقدر ما هم عبارة عن قطيع سياسي يعكس مكونات الشعب السوري، حتى المئة شخص الأخرين الذين يمثلون قوى سياسية فكانوا من القريبين من خط النظام (منصة موسكو، تيار قمح، تيار الغد السوري).


ولا يقتصر الأمر أيضا على تعامل السلطات الروسية مع شخصيات معارضة في مطار المدينة، ولا مع الشعارات الموجودة في قاعة الاجتماع، ولا مع حضور شخصيات متهمة بارتكاب جرائم حرب، بل امتد الأمر إلى انقلاب الروس على تفاهماتهم مع المبعوث الأممي إلى سوريا ستافان دي ميستورا حول لجنة الدستور، فبعدما كان الاتفاق يقضي بتشكيل لجنة واحدة طرح الروس إنشاء ست لجان.


كل ذلك دفع دي ميستورا إلى عدم حضور الجلسة الافتتاحية التي تأخرت نحو ساعتين ونصف في مشهد مربك لا يليق بدولة بحجم روسيا، ولو أقيم هذا المؤتمر في دمشق لتم إخراجه بطريقة أفضل من ذلك.
انتهى الكرنفال الروسي بالإعلان عن تشكيل لجنة دستورية تعنى بإصلاح الدستور ومكونة من خبراء سوريين وممثلين عن المجتمع المدني إضافة إلى قبائل ونساء، بحيث تكون موزعة بين النظام والمعارضة وأطراف مستقلة.


بعبارة أخرى، شكل المؤتمر فشلا ذريعا وضربة قوية لموسكو التي لم تستطع تحقيق أي شيء سوى تشكيل لجنة دستورية، وحتى هذه اللجنة ستكون خاضعة لإشراف الأمم المتحدة وليس إلى النظام السوري كما كان يريد الروس.


لقد كشف المؤتمر زيف الادعاءات الروسية خلال الأعوام الثلاثة الماضية من أنها تسعى إلى تسوية برعاية أممية، وأنها لا تدافع عن شخص الأسد بقدر ما تدافع عن الدولة، وأنها تقبل بتغيرات سياسية تنتهي إلى نظام ديمقراطي بناء على القرار الدولي 2254 الذي يشكل المرجعية السياسية للحل في سوريا.


أخطأ الروس حين اعتقدوا أن فصائل المعارضة العسكرية التي شاركت في اتفاق استانا أصبحت ضعيفة وغير قادرة على قول "لا"، وأخطأت موسكو حين استهانت بالمعارضة السياسية، وأخطأت أخيرا حين اعتقدت أن الأتراك سيوقعون لهم على بياض.


إن أهم نتائج انعقاد مؤتمر سوتشي أنه عرى الروس وكشف محدودية قدراتهم السياسية، وأنهم غير قادرين على ممارسة الضغوط لا على دمشق ولا على إيران، وهذا أمر خطير ستكون له تداعيات سلبية كبيرة على المعارضة السورية.


لن تستطيع موسكو تمرير الانهيار السياسي إلا بتعويضه في ساحة الميدان، مع ما يعني ذلك أن المرحلة المقبلة ستشهد ضربات عسكرية حادة للمعارضة من شأنها أن تحدث توترا مع تركيا التي رفضت الانجرار وراء الروس في المؤتمر.


وليس صدفة في هذا التوقيت بالذات أن تستهدف قوات النظام السوري في سابقة هي الأولى من نوعها دورية استطلاع تركية قرب بلدة العيس في ريف حلب الجنوبي، صحيح أن المنطقة التي استهدف فيها الرتل التركي على مقربة من الطريق الدولي دمشق ـ حلب، لكن الضربات العسكرية تحمل رسائل سياسية روسية للأتراك.


كما ستتجه موسكو إلى رفع مستوى هجومها وتحركاتها السياسية ضد المعارضة، وقد ظهرت بوادر ذلك بسرعة في نيويورك مع فشل مجلس الأمن  في تبني بيان يهدف إلى دعم خطة خماسية قدمتها الأمم المتحدة لتعزيز فاعلية العمليات الإنسانية في سوريا.


على أن أهم نتائج مؤتمر سوتشي نشوء بوادر تحالف سياسي يضم منصة موسكو برئاسة قدري جميل ومنصة استانا برئاسة رندا قسيس وتيار قمح برئاسة هيثم مناع الغائب منذ سنوات عن المشهد السياسي، وتيار الغد السوري برئاسة أحمد الجربا المدعوم من السعودية ومصر، وهذا مؤشر على ظهور الاصطفافات الإقليمية في المؤتمر.

وربما من هذه البوابة ستقوم موسكو خلال الفترة المقبلة بالانقضاض على الهيئة العليا للمفاوضات، بسبب عدم قدرتها ممارسة ضغوط على دمشق، فقد كانت مدينة سوتشي على موعدين مهمين: موعد جرى فيه لقاء بين بوتين والأسد أكد فيه الأول على ضرورة تقديم تنازلات سياسية من قبل الطرفين المتفاوضين، والموعد الثاني هو مؤتمر الحوار الوطني الأخير الذي فشلت فيه موسكو في إجبار النظام على تقديم شيء يخدم حليفه والمدافع عنه، ولعل قراءة البيان الختامي لسوتشي على وكالة سانا التابعة للنظام تبين التغيير الذي أجرته دمشق عليه، ما يؤكد أن هذا البيان بصيغته هذه غير مقبول من قبل النظام السوري.

0
التعليقات (0)