حول العالم

ماذا تعلّم هذا الطبيب من أطفال ذوي أمراض ميؤوس من شفائها؟

طفل
طفل
نشرت صحيفة "الغادريان" البريطانية مقال رأي لطبيب الأطفال، الدكتور ألاستير ماك ألبين، تحدث فيه عن تجربته مع الأطفال المصابين بأمراض مستعصية لا يمكن شفاؤها، ونقل أمنيات هؤلاء الأطفال وتأثيرها عليه وعلى نظرته للحياة.

وقال الطبيب، في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، الذي يعمل طبيب رعاية تلطيفية للأطفال، إنه قد خاض تجربة صادمة ومثيرة مع هؤلاء الأطفال المرضى، الذين ينتظرون الموت ليخطف أرواحهم. وأكد الطبيب أنه اكتشف أن هؤلاء الأطفال يحملون مشاعر وأحاسيس تفوق ما يعتقده الكبار عنهم.

وحيال هذه التجربة، قال ألاستير إن عمله يفوق مجرد تلبية الحاجات الطبية لهؤلاء الأطفال، ليهتم بحاجاتهم النفسية والروحية أيضا. ففي السنة الماضية، وكجزء من شهادته في الرعاية التلطيفية للأطفال، طلب منه تقييم مواقف المرضى الصغار تجاه الحياة، فتوجه بدوره إلى هؤلاء الأطفال، ليسألهم عما يمنحهم المتعة والمعنى. فكانت إجاباتهم مثيرة وإيجابية.

وذكر الطبيب أن هؤلاء الأطفال دفعوه نحو إعادة تقييم علاقاته العائلية ومع الأصدقاء، حتى أنه أصبح الآن يمضي وقتا أكثر مع الأشخاص الذين يحبهم. كما أصبح يصرح بحبه لهم، ويفصح عن مشاعره تجاههم، فضلا عن أنه يحاول أن يجعل من تقديم الكرم والعطف أولوية في حياته.

وأشار الطبيب إلى أنه نشر بعض تلك الردود على توتير، محاولا كسر تلك الصورة السلبية عن هؤلاء المرضى. فقد صرح ألاستير بأن هؤلاء الأطفال لم يظهروا أي تعلق بالأمور المادية، بل على العكس، فقد اهتموا بما يراه البالغون في جوهره مهما، لكنهم ينسونه في صخب الحياة وضجيجها.

كما أورد الطبيب أن ما لفت نظره معنى السعادة لدى الأطفال، وهي تلك اللحظات البسيطة التي لا تحتاج إنفاق مبلغ كبير من المال، أو بذل جهد لتحقيقها، لكنها في المقابل تمنح أهمية التواصل بين البشر معنى كبيرا. كما أثاره كثرة ما يمكن أن نسميه "أشياء صغيرة"، لكنها قد تبدو مهمة جدا مع قرب نهاية الأجل.

ثم تحدث الطبيب عن بعض تلك الأشياء التي تعلمها من الأطفال، فقال إن تمضية الطفل وقتا أكثر مع من يحب أو مع حيواناته الأليفة لا يقدر بثمن، وإن تميز ذلك الوقت بكثرة الدردشة والضحك واللعب أو بمجرد الصمت. وقد اكتشف أليستر أن أكثر شيء يأسف له هؤلاء الأطفال مع اقتراب نهايتهم هو عدم تمضيتهم المزيد من الوقت مع الوالدين والأخ الأكبر.

كما ذكر الطبيب أن هؤلاء الأطفال مع إقبالهم على الموت، باتوا يستمتعون بالأشياء نفسها التي يستمتع بها الأطفال العاديون، مثل الألاعيب السخيفة، والمداعبات المضحكة. وأكد أليستر أن الضحك مهم لعدة أسباب، لعل أبرزها تخفيف الآلام.

وأفاد طبيب الأطفال بأنه اكتشف أهمية قراءة القصص الرائعة من قبل الأشخاص الذين يحبهم الطفل، إذ إن رواية القصص المليئة بالأوهام الحية على الطفل، باستخدام الدمى الأساسية، يمنحه القدرة على خلق حقائق بديلة بعيدا عن بيئة المستشفى المعقمة في الغالب. كما أن تلك القصص تمثل عادة مصدر إلهام له لمواصلة القتال، حتى لو انتهت "المعركة" بالهزيمة.

إلى جانب ذلك، تمنح القصة الأطفال الصغار القدرة على بناء رواية ذات معنى يساعد في تفسير تلك الأمراض الغامضة التي أصابتهم وواجهوها بكل شجاعة. وحيال هذه المسألة، يعتقد الكثيرون أن قدرتنا على ابتكار القصص ومشاركتها هو ما يجعل منا بشرا، وهؤلاء الأطفال أثبتوا هذه الفكرة. فتلك القصص تلهمهم، وتأسرهم، وتنقلهم من عالم إلى آخر.

وأكد الطبيب ألاستير أن هؤلاء الأطفال يتذكرون بوضوح المتع البسيطة التي لا تكلف إلا القليل من المال وبعض الجهد لصناعتها، فإن تلك اللحظات، وإن بدت قليلة زمنيا، فهي لا تقدر بثمن عند التفكير فيها.

وذكر الطبيب أن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن أربع سنوات يقلقون حيال ما سيحدث لآبائهم بعد موتهم. وحتى لو تصالح هؤلاء البراعم مع مصيرهم، إلا أنهم يرغبون في حماية آبائهم وأمهاتهم من الحزن الشديد بعد الفراق. ويعدّ هذا الدور العكسي شائعا بشكل مثير جدا، وينبئ بأن هؤلاء الأطفال منسجمون مع أجسامهم أكثر مما يعتقده الناس عنهم.

وكشف الطبيب أن هؤلاء الأطفال لا ينسون أبدا أبسط المعاملات اللطيفة، بل ويعتزون بها وهم في آخر أيامهم في عالمنا. وإن كانت تلك المعاملات لا تتجاوز مشاركة شطيرة من قبل رفيق في الصف أو ابتسامة ممرضة، فهي تحدث أثرا عميقا لدى الطفل، كما أنهم يحبون الأشخاص الطيبين، ويتذكرون تصرفاتهم، حتى لحظات الفراق. وقد أفصح الطبيب أن آخر كلمات سمعها من إحدى المريضات كانت "شكرا لأنك أمسكت يدي عندما كنت خائفة".

وفي الختام، أشار الطبيب إلى أن هذه التصريحات قد لا تكون أمرا جديدا أو مزلزلا، لكنها عندما تصدر من أطفال يواجهون الموت بكل شجاعة فهذا يمنحها مستوى أعمق، ما دفع الكثيرين إلى إعادة تقييم ما هو مهم في حياتهم في ظل ما بقي من وقت محدود.

0
التعليقات (0)

خبر عاجل