مقالات مختارة

مؤتمر الكويت وخرافة إعادة إعمار العراق

يحيى الكبيسي
1300x600
1300x600

لا بد من الإدراك، بداية، بأنه ليس ثمة شكل واحد يمكن اعتماده في حالات إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الصراع، وأن لكل حالة خصوصيتها وسياقها الموضوعي، ولكن بالتأكيد ثمة مقاربات منهجية تتعلق بتحديد الأولويات ووضع الاستراتيجيات الخاصة بإعادة الإعمار.

وتبعا لما يقرر بعض الباحثين في هذا المجال، فإن دروسا رئيسية يمكن استخلاصها في هذا المجال؛ من بينها أنه يجب أولا قبل تقديم المساعدات الدولية أن يتوفر إطار سياسي لإعادة الإعمار يرتبط ارتباطا وثيقا بإيجاد حل مقبول وطنيا ودوليا لهذا الصراع الذي أوجب عملية إعادة الإعمار، وان الحكومات في بلدان النزاع تحتاج، ثانيا، إلى الدعم في إطار توفير ميزانية شاملة علنية وشفافة، ذلك أن الشفافية والمساءلة هما جوهر هذه العملية. ثالثا أن برامج إعادة الإعمار يجب أن يتم تطويرها مع الجهات المانحة، ويجب أن تتطابق هذه البرامج مع حاجات البلد الحقيقية، وأخيرا يجب على الفاعلين الدوليين أن ينسقوا جهودهم من خلال وضع الأموال في صندوق يدار من خلال شراكة بين الحكومة الوطنية ومنظمات المجتمع المدني، ويمكن ممثلي هذه الدول أن يكونوا أداة للحد من التشظي والازدواجية في العمل. 

وقد استخدم البنك الدولي عام 1995 مصطلح «إعادة إعمار ما بعد الصراع»، ليؤكد أن هذا المصطلح لا يشير فقط إلى إعادة بناء البنية التحتية ولا إلى إعادة بناء الإطار الاجتماعي والاقتصادي الذي كان قائما قبل بداية الأزمة، ولكنه يشير إلى بناء الظروف المواتية لإقامة مجتمع فاعل في وقت السلم.

ويرى البنك الدولي أن إعادة الإعمار تسعى عمليا للوصول إلى هدفين: تسهيل الانتقال إلى السلام المستدام بعد توقف الأعمال القتالية، ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية. من منطلق أن الانتعاش الاقتصادي يعتمد على نجاح هذا الانتقال إلى السلام المستدام من جهة، وعلى إعادة بناء الاقتصاد المحلي واستعادة إمكانية الوصول إلى الموارد الخارجية.

وبذلك فإن عملية إعادة الإعمار ليست عملية فنية معزولة، بل هي ترتبط تماما بطبيعة الصراع الذي يسبق إعادة الإعمار ومدياته من جهة، وبطبيعة الوضع السياسي القائم في مرحلة ما بعد الصراع من جهة ثانية. وبالتالي، فان مسألة إعادة بناء البنية التحتية، والحد الأدنى من الخدمات الاجتماعية، لا ينفصل مطلقا عن الإصلاح الهيكلي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وامنيا، كما لا ينفصل عن قضايا جوهرية مثل العدالة والمصالحة، والحكم الرشيد والمشاركة. 

أما المصطلح الأمريكي الذي يستخدم عادة مرادفا لهذا المصطلح فهو: بناء الأمة. ولكن البعض يعترض على المصطلح الأخير بانه قد يعطي رسالة خاطئة بان الفاعلين الدوليين هم أنفسهم سيتولون مهمة بناء الأمة أو بناء الدولة كفاعل خارجي! لهذا وجدنا الأمريكيين يعتمدون أحيانا مصطلح إعادة الإعمار بعد الاحتلال بديلا عن مصطلحهم الإشكالي! ولكننا نجد أيضا استخداما لمصطلح «بناء الأمة» كما في كتاب «دور الأمم المتحدة في بناء الأمة من الكونغو إلى العراق» الصادر عام 2005 عن مؤسسة راند الذي انتهى إلى أن التقييم الأساسي لتجربة الولايات المتحدة في العراق هو «أنها لم تستوعب على نحو كاف الدروس من تجربتها الوفيرة في بناء الأمة»! 

يبدو واضحا بعد هذه التقدمة أن هذه المفاهيم كانت بعيدة عن برنامج إعادة الإعمار في العراق بعد 2003، وثمة اتفاق شبه كامل بين الباحثين الذين درسوا هذه الحالة أن فرصة إعادة الإعمار في العراق قد تم إضاعتها! ويشير أنتوني كوردسمان في تقييمه لجهود إعادة الإعمار الأمريكية في العراق أنها كانت: «طموحة بإفراط، ومفككة، وضعيفة التخطيط»! خاصة في ظل الافتقاد إلى الرؤية والعشوائية التي حكمت تحولات استراتيجية إعادة الإعمار الأمريكية في العراق، بل وصل الأمر إلى منح القادة العسكريين الميدانيين الصلاحية المطلقة في تقديم المنح في نوع من الارتجال التام! إن واحدة من مشكلات إعادة الإعمار في العراق أنه لم يكن هناك تحديد صارم لمفهوم إعادة الإعمار، مما تسبب في تحولات راديكالية من منظور إلى آخر، وأسهم في زيادة حدة هذه العشوائية! 


وتكشف تقارير المفتش الخاص بإعادة الإعمار في العراق عن تشخيص واضح لهذا الفشل شبه التام لتلك الجهود.

ومراجعة سريعة لحجم الأموال التي صرفت على إعادة الإعمار في العراق بين عامي 2003 و2010 تكشف عن كل ما تقدم. فقد تم إهدار أكثر من 167 مليار دولار جاءت من ثلاثة مصادر أساسية هي كالآتي: أولا الميزانية الاستثمارية العراقية، ومنحة صندوق تنمية العراق، التي أشرفت عليها سلطة التحالف المؤقتة والبالغة 91.43 مليار (12.7 مليار دولار عبر تمويل عراقي في عهد سلطة الائتلاف، و79.36 دولار عبر الموازنات الاستثمارية السنوية). ثانيا اعتمادات الولايات المتحدة الأمريكية والتي بلغت 53.79 مليار دولار، وثالثا التعهدات الدولية للمساعدة والقروض من مصادر غير الولايات المتحدة الأمريكية: 17.79 مليار دولار (6.4 مليار دولار على شكل منح، و11.75 على شكل قروض). فضلا عن ذلك، المنظمات المتعددة الجنسية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قد أعدت برامج مساعدة تنموية بمبلغ 1.84 مليار دولار في جهود إعمار العراق. كل هذه المبالغ الضخمة انتهت إلى ما أسماه المفتش الخاص بإعادة إعمار العراق إلى أكبر عملية فساد في التاريخ! 

أما مؤتمر الكويت لإعادة الإعمار الذي يعقد هذه الأيام فقد استمر في عدم تحديده لمفهوم إعادة الإعمار، فقد غاب عن المؤتمر أي معطى من معطيات إعادة الإعمار، تحديدا السياق السياسي المتضمن في هذا المصطلح، وتحول الأمر إلى مشاريع تنمية اقتصادية مجردة، كما يكشف عن ذلك الجدول الخاص بالمشاريع الاستثمارية التي طرحت في هذا المؤتمر، ولعل كلمة الدكتور حيدر العبادي في المؤتمر التي ركزت على «التنمية» خير دليل على هذه الإشكالية! كما بدا واضحا أن مخرجات المؤتمر كانت بعيدة تماما عن تطلعات الحكومة العراقية، فقد كانت المنح والاستثمارات بعيدة بمسافة ضوئية عن الآمال المعقودة حول المؤتمر، فيما كانت القروض هي الحاضرة بشكل حقيقي! وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار مقدار الدين الخارجي العراقي الذي يقدر ما بين 100 و120 مليار دولار، فان إضافة ديون ببضعة عشرات المليارات ستثقل الاقتصاد العراقي بشكل كبير، وإذا ما استمرت أسعار النفط وفق معدلاتها الحالية، فان العراق سيكون عاجزا عن الإيفاء بفوائد هذه الديون! مع وجود خطر تجاوز الدين الخارجي العام للمعيار الدولي الخاص بمعدل 60? من الناتج المحلي الإجمالي للدولة.

لم يكن مؤتمر الكويت مخصصا لإعادة الإعمار وفق ما استقر عليه هذا المصطلح كما قدمنا، كما انه لم يكن مخصصا مطلقا لإعادة بناء المدن التي دمرتها حرب السنوات الأربعة مع تنظيم الدولة/ داعش (2014 ـ 2017)، فما حصلت عليه هذه المدن كان في إطار توزيع مناطقي/ ديمغرافي شمل العراق ككل باستثناء إقليم كردستان! كان مؤتمر الكويت مجرد إعادة لفكرة قانون «إعمار البنى التحتية والقطاعات الخدمية « التي طرحها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في العام 2009 ورفضها البرلمان حينها! بل أن كثيرا من المشاريع التي طرحت في الكويت كانت ضمن المشاريع التي تضمنها ملحق ذلك القانون! والخلاف الوحيد أن مبدأ الدفع الآجل تحول إلى الاستثمار! ولكن مخرجات المؤتمر، خاصة تحوله إلى مؤتمر دائنين، جعلنا عمليا ندور في فلك الدفع بالآجل مع تغيير المسميات!

القدس العربي

1
التعليقات (1)
طارق غازي
الجمعة، 16-02-2018 10:37 ص
فى عام 1991 أعلن جيمس بيكر، وزير خارجية أمريكا آنذاك، قائلا :سنهدم العراق ونعيده للعصر الحجري ! لم نرى بعد ذلك ، سوى تطبيق هذا الإعلان خلال 27 عام . داعش الصحراء صناعة أمريكية تماماً مثل داعش المنطقة الخضراء في بغداد. أجهل كم تبلغ ثروة العبادي ، و لكن ما اختلسه نوري المالكي "بياع الخواتم و المسابح و الكلاسين في سوريا سابقاً" كان 120 مليار دولار أمريكي تحت سمع و بصر ماما أمريكا. الحديث عن إعمار العراق و بناء الأمة هناك هو بيع أوهام ، و لا تتحقق من خلال الإعمار و البناء أية مصلحة أمريكية في نظرهم. ما يهمهم بقاء السيطرة و التحكم ، و هذا موجود بالفعل. لن يتعافى العراق في قادم الأيام إلا إذا اتحدت أطياف شعبه على مقاومة الاحتلال الأجنبي و أذناب هذا المحتل سواء كانوا علمانيين أو أصحاب عمائم سوداء أو زعماء مليشيات . بعدها يمكن الحديث عن النهوض.