كتاب عربي 21

ليلة القبض على معارض!

عبد الرحمن يوسف
1300x600
1300x600
في ليلة القبض على المعارض الشهير شمت الموالون للنظام، وأشاد المأجورون بحكمة القرار، وزايد المنتفعون وطالبوا بأقصى العقوبات، بل بالغ بعض السفلة والانتهازيين، ولاموا المستبد على تأخر هذا الإجراء السديد... كل ذلك ليس بغريب، إنه مشهد طبيعي في أي بلد تحت حكم مستبد، فهناك فئة لا دور لها سوى التصفيق والتطبيل.

الغريب أن تجد ردود الفعل نفسها من معارضين للنظام، فلا تكاد تفرق بين معارض وموال، كيف تطابقت المواقف بين القاتل والمقتول؟! بين السجين والسجان؟!

لا تفسير سوى الغفلة والغرض وعمى البصيرة!

* * *

حين حدث الاستقطاب السياسي في مصر في عام 2011، اتضح لنا أن بيننا من يكره الإخوان أكثر مما يحب مصر، بل إن كره هؤلاء للإخوان هو أضعاف أضعاف حبهم لبلدهم، وأضعاف أضعاف كرههم للاستبداد والظلم. بدأ هذا الكره مع استفتاء التاسع عشر من آذار/ مارس، واستمر، ينمو كشجرة زقوم، يتغذى بتخطيط أجهزة تخابر لا هم لها سوى إجهاض الثورة المصرية.

رأينا أناسا تنكروا لتاريخهم الممتد لعشرات السنين من النضال ضد الاستبداد، وأصبح كل همهم إسقاط مرسي والإخوان مهما كان الثمن.

اليوم تمر مصر بشيء مشابه، فلا يصعب على أي متابع أن يرى الرغبات الانتقامية عند البعض، وهي رغبات عدمية تطيل طريق التغيير، وتخدم بقاء الاستبداد، وتمنح الفرصة لتنفيذ مزيد من أحكام الإعدام الظالمة، وتمدد بقاء عشرات الآلاف من المعتقلين والمنفيين والمطاردين في حالهم ذاك.

البعض يريد أن يرى كل من أيد الانقلاب العسكري في تموز/ يوليو 2013، وقد دفع أقسى وأقصى ثمن لذلك التأييد، بل إن البعض يرغب في أن يرى من سكت عن التأييد، وسكت عن المعارضة معلقا من عرقوبه. ولا أبالغ إذا قلت إن البعض يرغب ويتمنى أن يرى المجتمع كله يدفع أثمانا من الدم والجراد والضفادع والقمل... وهو يرغب في ذلك أكثر مما يرغب في زوال الانقلاب نفسه!

البعض يئس من إمكانية انتصار الثورة على العسكر، لذلك تراه يرغب في أن لا يكون المهزوم الوحيد، فيتمنى أن يُهزَمَ الجميع هزيمة معلنة نكراء، حتى لو كان ذلك يمثل مزيدا من انتصارات العسكر، تطيل عمرهم في السلطة، وتُصعِّبُ إزاحتهم من الحكم في الأجل القريب.

* * *

البوصلة الضائعة

حين تقرأ تعليقات الكثيرين من هؤلاء تظن أن خصمهم الأول هو "عبد المنعم ابو الفتوح"، أو "هشام جنينة"، أو "سامي عنان" أو "خالد علي"... إلخ.

لا وجود لشخص عبد الفتاح "سيسي" في انتقاداتهم، فخلال مولد انتخابات الرئاسة المزعومة لا تكاد تجد أي نشاط لهؤلاء ضد "سيسي" نفسه، بل هم متفرغون لقصف خصومه، وكأنهم جزء من إعلام المخابرات العسكرية.

لو شاهدت - مثلا - تعليقات البعض على خبر نقل الدكتور أبو الفتوح إلى المستشفى (محبوسا، في الكلابشات)، ستشعر أن كثيرا من المعلقين يتمنون موته في السجن أكثر مما يتمنون ذلك لخصمهم الحقيقي الجالس في الاتحادية.

لو شاهدت تعليقاتهم على سجن الفريق عنان، أو محاولة اغتيال المستشار هشام جنينة، أو اعتقاله بعد ذلك... ستكتتشف أن كل همهم إثبات أمرين:

الأول: لا رجال سوانا!

نحن الصامدون وسوانا مخنثون!

نحن الرجال وسوانا أشباه!

نحن الثوار وسوانا عملاء للعسكر!

نحن قصة حقيقية... وكل ما سوانا أفلام مخابراتية متفق عليها مع السلطة الانقلابية، لا فرق بين عنان وقنصوة وخالد علي وحازم حسني وهشام جنينة وأبو الفتوح!

الثاني: نحن ملائكة... أخطاؤنا سوء تقدير لا أكثر، أما الآخرون فهم شياطين... وكل أخطائهم جرائم لا تغتفر، ارتكبوها مع سبق الإصرار والترصد.

* * *

طابور الإعدامات

ما زلت أتأمل في المشهد العبثي الذي تبدو عليه المعارضة المصرية، وكلما تأملت أشعر بحسرة وحرقة... لأنه في اللحظة التي نتفرغ فيها لخصوماتنا مع بعضنا البعض... يقف مئات الشباب المصري الطاهر في طابور أسرى طويل أمام المقصلة، وساكن الاتحادية ربما يزداد قوة أو غباء (أو كليهما) بعد تجديد انتخابه المزعوم، أما نحن فيبدو أننا سنجدد تضامننا مع الشهداء، ونجدد استنكارنا لأحكام الإعدام (الجائرة)، ونجدد معارضتنا للمحاكمات العسكرية... وفي اليوم التالي سنستأنف معاركنا الصغيرة التافهة، ويبقى المنقلب في عليائه، ونبقى نحن نتصاغر ونتصاغر... بعضنا فرح أن الله قد أذل بعضا أو كثيرا من خصومه، وبعضنا لا هم له سوى بقاء خصومه خارج السلطة.

موقع الكتروني: www.arahman.net
بريد الكتروني:  [email protected]
التعليقات (3)
Dr. Walid Khier
الإثنين، 19-02-2018 05:57 م
المقال مبني على مغالطة واضحة، و محتواه كما لو كان المعتقلون مجرد معارضين من تيار آخر، بينما في واقع الأمر كلهم من نفس العصابة أو من المتعاونين معها، ونجاح أياً منهم ليس معناه إنتصاراً للثورة و إعلاء لقيم العدل و الحرية، بل هو صراع بين المجرمين علي كرسي الحكم، واقتتال داخل بين عصابة لا أعلم كيف يمكن الإصطفاف مع أفرادها. أما إذا كان المقصود دكتور أبو الفتوح، فلا أحد طبعاً يؤيد ما يتعرض له، ولكنه في نفس الوقت الجزاء العادل والنتيجة الطبيعية لدعم الديكتاتورية -سواء عند عمد أو عن غباء. وبالنسبة له لا أعلم أيضاً ما المقصود بالإصطفاف إذا كان هو أول من رفض الإصطفاف وشارك في هدم التجربة الديمقراطية، فكيف يكون الإصطفاف مع من مكن العسكر لحاجة في نفسه أو لغباء وقصر نظر؟
ام شاهين
الإثنين، 19-02-2018 01:23 ص
بهذه النظرة للشمتانين والمتشائمين لسياسة الاقصاء التي يمارسها كل الفرقاء قد مضوا علي قرار إعدامهم بأنفسهم حينما تبارك إعدام معارضا لك في الرأي وتشمت به فالدور آتيك لا محالة في طابور الاعدامات إعدام لوطن
مصري جدا
الأحد، 18-02-2018 05:32 م
المصريون يعانون آزمة عقول صنعتها المؤسسات التربوية في البيت والمدرسة والمسجد والكنيسة والاعلام كما صنعتها الاحزاب والجماعات والنوادي والنقابات ،، حين غاب التفكير العلمي وحضر غيره من التفكير الخرافي تارة والتفكير عن طريق السلطة تارة اخرى حين تترك عقلك لاي سلطة كانت دينية او مدنية او عسكرية او غيرها ،،، ما يسمى بالمربع المدني قدم مصر للعسكر الخبثاء كراهية في الاخوان الاغبياء لنعود لعصور اكثر سوادا من عصور عبد الناصر والسادات ومبارك ،،، وما يسمى بالمربع الاسلامي وفي مقدمته الاخوان ، كرد فعل ، يكره المربع المدني وبعضهم يكره الشعب بنفس النسبة الوزنية لكراهية السيسي ،، بل ويتمنى بعضهم ان يذوق الجميع وبال آمره من وجهة نظره ،،، فترى الشماته في ملفات مصيرية منها ملف اثيوبيا ونهر النيل ،، ومنها ملف الحريات للخصوم وهكذا ،،، المصريون المهتمون بالشآن العام والمناهضون للانقلاب في الغالب الاعم يقف بعضهم اقصى اليمين وبعضهم اقصى اليسار ومن اراد الوقوف في المنتصف يقصف من الجانبين ،،، لذا فدعوات وحدة الصف والاصطفاف والصفوف والتصفيف كلها كلمات وهمية تطلق في الاعلام من باب لزوم الشئ ،، كلمات لا يؤمن بها من اطلقها الا وفقا لرؤيته هو ،،، من اجل ذلك سيبقى السيسي وبعده من عليه الدور من العسكر ،، وليبقى نضال النخبة في الفراغ او العالم الافتراضي ،،، لذا وجب تغيير هذه النخبة التي تقود المربع الاسلامي والمدني واتاحة الفرص لجيل جديد يفكر بطريقة مختلفة جادة ومنتجة