كتاب عربي 21

الرد على دعاوى علمنة الإسلام

محمد عمارة
1300x600
1300x600

عندما صدر كتاب "الإسلام وأصول الحكم" للشيخ علي عبد الرازق (1305 - 1386 هـ، 1888 - 1966م) عام 1925م، داعيا إلى علمنة الإسلام وفصل الدين عن الدولة، رافعا شعار: "يا بعد ما بين السياسة والدين"، أثار واحدة من أكبر المعارك الفكرية في القرن العشرين، لا في مصر وحدها وإنما على امتداد عالم الإسلام.

وفي مواجهة هذه الدعوى، صدرت كتب كثيرة تردها، وتؤكد العلاقة العضوية بين الدين والدولة في الإسلام.

ومن أهم هذه الكتب كان كتاب "نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم" للعلامة الشيخ محمد الخضر حسين (1293 - 1377هـ، 1876 - 1958م) صاحب التاريخ العريق في الجهاد السياسي والفكري، والذي تولى مشيخة الأزهر بعد قيام ثورة يوليو 1952م.
 
وفي الرد على دعوى فصل الإسلام عن الدولة والسياسة قال الشيخ الخضر في دراسته "ضلالة فصل الدين عن السياسة":


"ثلاث حقائق كل واحدة منها شطر من الإسلام:


1- عموم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
2- واشتمال شريعته بنصوصها وأصولها على أحكام ما لا يتناهى من الوقائع.
3- وكون هذه الشريعة أحكم ما تساس بهه الأمم.

فمن أنكر واحدة من هذه الحقائق الثلاث فقد ابتغى في غير هداية الإسلام سبيلا.

إن من يدعي أن الإسلام توحيد وعبادات، ويجحد أن يكون في حقائقه ما له مدخل في القضاء والسياسة هو غير مؤمن بالقرآن ولا بمن نزل عليه القرآن.

لقد جاء الإسلام بأحكام وأصول قضائية، ووضع في فم السياسة لجاما من الحكم، ومن ينكر ذلك فقد تجاهل القرآن والسنة، ولم يحفل بسيرة الخلفاء الراشدين، الذين كانوا يزنون الحوادث بقسطاس الشريعة، ويرجعون عند الاختلاف إلى كتاب الله وسنة رسوله.

إن في القرآن الكريم أحكاما كثيرة ليست من التوحيد ولا من العبادات، كأحكام البيع والربا والرهن والدين والإشهاد وأحكام النكاح، والطلاق واللعان والولاء والظهار والحجر على الأيتام والوصايا والمواريث وأحكام القصاص والدية وقطع يد السارق وجلد الزاني وقاذف المحصنات وجزاء الساعي في الأرض فسادا، بل في القرآن آيات حربية فيها ما يرشد إلى وسائل الانتصار، وفي السنة الصحيحة أحكام مفصلة في أبواب من المعاملات والجنايات، وفي سيرة أصحاب رسول الله - وهم أعلم الناس بمقاصد الشريعة - ما يدل دلالة قاطعة على أن للدين سلطانا على السياسة، الأمر الذي يدل على أن من يدعو إلى فصل الدين عن السياسة إنما تصور دينا آخر وسماه الإسلام!..

وليس في الإسلام سلطة دينية تشبه السلطة الكاثوليكية، وإنما السلطة الدينية في الإسلام لكتاب الله وسنة رسوله "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا" (النساء 29).

إن فصل الدين عن السياسة هدم لمعظم حقائق الدين، ولا يقدم عليه المسلمون إلا بعد أن يكونوا غير مسلمين، ولو أعلن المسلمون فصل الدين عن السياسة لظلوا بغير دين.

وليست مصيبة المسلمين في تركهم السياسة مربوطة بالدين - كما يزعم البعض - وإنما في ذهولهم عن تعاليم دين لم يدع وسيلة من وسائل النجاة إلا وصفها، ولا قاعدة من قواعد العدل إلا رفعها".

هكذا كانت المواجهة الفكرية مع أول كتاب دعا إلى علمنة الإسلام.

6
التعليقات (6)
انشتاين
الخميس، 22-02-2018 02:58 م
الفكر الذي يخافه المتربصون بأمن وأمان الإنسانية هو الفكر الذي لا يهدم إلا إذا كان الهدم ضرورة من ضرورات البناء ، وأنتم تلاحظون أن عمليات الهدم داخل حدود العالم المتخلف هي سيدة الموقف ، من ، منكم لم يتابع أسلوب التضييق على الأستاذ طارق رمضان في فرنسا ، إذ بين عشية وضحاها تحول القضاء إلى ما يشبه الأداة الطيعة بقصد خنق الرأي الحر والكلمة الطيبة والحجة الدامغة ، لذلك فإن فلسفة طارق رمضان وأمثاله هي التي رهبت دوائر اللائكية التي خسرت كثيرا من المعارك أمام الفكر العلماني ، فراحت تحرك آلتها ضد الفكر الحضاري بقصد إخفاء الهزائم التي منيت بها في أكثر من ساحة . كلكم يلاحظ سكوت ، بل وغياب الجهات العربية والإسلامية ، سياسية وإعلامية ، وكأن هذا الملف يخص قادما إلى فرنسا من الفضاء . نحن على موعد مع نقلة تاريخية مهمة خلال العقد الثالث من القرن 21 ، نترقب تغيرا في موازين القوى ورؤية متوازنة على خط التفوق الحضاري بإذن الله .
انشتاين
الأربعاء، 21-02-2018 04:25 م
أحسنت أخي مواكب ، تلاحظ أن " مواكب " التي استخدمتها لم تقدم ولم تؤخر ولم تحل بيننا ونحن نحاول إشعال شمعة نتحرى من خلالها الطريق ، كذلك العلمانية فهي ليست نقيض " الإسلامية " ، كما بينت أنت مشكورا ، الفكر الإسلامي في عمومه ، الذي هو تفاعل عقل المسلم مع الهدي الأزلي الخالد مقابل ما يعترضه من تحديات على حلبة الصراع يوما بعد يوم ، وساعة بعد ساعة ، ولحظة بلحظة في ظل الاستلاب المرقمن الذي أسرنا وقيدنا على مستوى كثير من الفضاءات الحيوية ، التي لم نكن فاعلين في حدودها أصلا ، الفكر الإسلامي اصطنع معركة ضد الفكر العلماني ، وقدم على إثر ذلك خدمة كبيرة لأقطاب اللائكية التي حرصت على استرجاع ( أمجاد ) الكنيسة الغابرة التي ضاقت بالعلم والعلماء ، هلا نسيتم محاكم التفتيش ؟ هلا غابت عنكم صورة المفكرة " هباتيا ّ عالمة الرياضيات التي أعدموها ومثلوا بها بأمر من الكنيسة ؟ نعم يا مواكب ، لقد وضعت يدك على بيت الداء ، حبذا لو يتواصل الدكتور عمارة من باب إثراء المسألة ، وشكرا .
مُواكب
الأربعاء، 21-02-2018 03:23 م
تحيةً لِ انشتاين. عكس أو نقيض مُصطلح "علمانية" أُسميه "الا علمانية" لِأن كثيرين من أصحاب النوايا الطيبة يعتقدون أن المُصطلح النقيض هو "الإسلامية. أنا من الذين يعتقدون أن مُرادف علمانية في ديننا الحنيف هو : اعقل و توكل" ومُرادف الاعلمنية هو الجاهلية الأُولى بشكلها الحديث الذي يشهد عليه خراب الأوطان وعذاب ومُعاناة المسلمين عامة.
انشتاين
الأربعاء، 21-02-2018 10:20 ص
نعم يا مواكب ، لكن ماذا تعني باللاعلمانية ؟ إذا أردت بذلك أن المسلمين لا يحتاجون لمثل هذا الفكر الذي خلص أوربا من محنتها ومن ظلمتها التي لا زمتها طويلا على يد رجال الكنيسة ، وأن العلمانية صارت حتمية للغرب كحصن منيع يقيهم شرور التفكير الديني الكنسي ، فماذا يحتاج المسلمون للخروج من محنتهم ؟ اليوم تتواصل عملية التسميم ، الفكر السلفي المؤطر خليجيا هو فكر ميت وقاتل في نفس الوقت ، استعمل غطاء السلف للتستر كما استعمل الكاثوليك غطاء الدين للمرور ، العالم الإسلامي اليوم صار رهينة الأفكار الميتة والقاتلة التي هيأت الأرضية داخل حدود الشام والعراق واليمن ، لأن يضرب المسلمون بعضهم رقاب بعض ، هذا الفكر قدم الإسلام الحنيف دين التوحيد على أنه ( دين ) استبداد ، وحكم الفرد الملك الذي يجب طاعته وتقديم الفتوى على مقاصه عند الطلب ، فتحول المفتي إلى ما يشبه رجل الكنيسة ، كلكم يذكر حكم الكنيسة بالقتل مع التمثيل على عالمة الرياضيات هيباتيا ، مشكلة المسلمين في هذا الفكر والصور الشبيهة التي راحت تبحث عن صورة الملك المستبد داخل النصوص المقدسة ( قرآن وسنة ) ، تبحث عن تبرير المجازر ـ أفعال داعش ـ داخل النصوص المقدسة ( قرآن وسنة ) ، زد على ذلك تصور الكثيرين أن الحل المنشود هو الحل السياسي ، فزادت حدة الصراع على السلطة ، فتحول الصراع إلى صراع مصطنع ، رافده الأساسي هو الأنظمة الاستعمارية القديمة التي باتت تعول على الاستعمار بالوكالة . شكرا يا مواكب على مثل هذه الإثارة .
مُواكب
الأربعاء، 21-02-2018 05:20 ص
بعد قراءة تعليق "انشتاين" وجدت أن لا حاجة أن أُضيف على ما كتبه شيئاً إن لم يكن الثناء عليه: بارك الله فيه! لكننا يجب أن ندرك جميعاً أن عكس كلمة علمانية ليس وحدة الدين والدولة. عكس كلمة علمانية هي الاعلمانية، والحديث في العلمانية لا يعدو كونه سعيٌ لنتفق على نموذج الحياة التي نُريد أن نعيشها، لا هذا الخراب والدمار والإستبدد الذين أصبحوا خصائص أمة الشهادة.