قضايا وآراء

ماذا بعد رحيل الرئيس؟

مصطفى أبو السعود
1300x600
1300x600
هل حدث أن اُثيرت مسألة "ماذا بعد رحيل الرئيس؟" للنقاش أو الجدال أو أحدثت قلقاً في الدول التي يحكمها القانون، أو في الدول التي تحكمها مؤسسات؟ بالطبع "لأ".. لماذا؟ لأن الرئيس بعد انتهاء ولايته يعود كما كان، مواطناً عادياً ويمارس حياته بشكلٍ طبيعيٍ، بينما في عالمنا العربي وفي الدول التي ينام القانون تحت وسادة الرئيس، وتتنفس إذا تنفس، وتموت إذا مات، فإن هذه المسألة لها حضور واسع جداً؛ لأن الزعيم فيها ينتقل نقلة واحدة "من القصر للقبر"، وبعد الانتقال الوحيد للرئيس تبدأ رحلة البحث عن الزعيم الجديد؛ لأنه اختزل كل شيء في نفسه، وأمسك بخيوط اللعبة في يديه، لذلك ماتت فكرة العمل المؤسساتي.

في حالتنا الفلسطينية، فإن أنظار العالم تتجه لمرحلة ما بعد رحيل رئيس السلطة محمود عباس؛ لأن عباس سيغيب عن المشهد السياسي رغماً عن أنفه وعن أنف الجميع، المحب والخصم والعدو؛ لأن كل نفس ذائقة الموت. وهذا وعد رباني، ولايخلف الله وعده.

وإزاء اقتراب هذا الغياب الحتمي، بدأ الكثيرون يخوضون في نقاشات علهم يجدوا إجابة لسؤال "ماذا بعد رحيل عباس؟".. والمتأمل في طبيعة الباحثين وأهدافهم يلحظ أنهم لا يحرصون على مصلحة الشعب الفلسطيني بالدرجة الاولى، بل إن الخشية من حدوث فراغ سياسي، وما قد يترتب على ذلك الفراغ من أحداث غير محمودة يؤثر على بقاء الاستقرار السياسي والأمني الذي تنعم به دولة الكيان بالذات، يقتضي إيجاد بديل لعباس قبل رحيله، ليكون جاهزاً لإكمال مشوار عباس.

السؤال المهم: ماالذي سيحدث بعدغياب عباس؟ هذا السؤال له إجابتان:

إجابة ذات وجه قانوني، وهي المغيبة ولا يرغبها الكثيرون، رغم أنها مهمة ومعروفة للكل: حيث ينص القانون على أن يتولى رئيس المجلس التشريعي، وهو الدكتور عزيز دويك رئاسة السلطة لمدة 60 يوماً إلى حين تنظيم انتخابات، مثلما حدث بعد استشهاد الرئيس ياسر عرفات حين تولى السيد روحي فتوح رئاسة السلطة.

اجابة ذات وجه سياسي: وهي الأكثر حضوراً في بلاد لا يوجد فيها القانون إلا في الكتب وفي جيب الحاكم، وقرارها مرهون بالخارج: حيث أن من سيتولى رئاسة السلطة بعد رحيل عباس يجب أن يحظى بمباركة أمريكية وصهيونية وعربية ودولية، بينما رضى الشعب وتأثيره سيكون خارج التغطية، ولا قيمة له، ولو حصل أن جاء زعيم بغير ما تهواه أشرعة أمريكا واسرائيل، فسينزل عليه وعلى الشعب غضبهما، ومن سار في ذات المسار.

قد يظن البعض إن انتهاء مرحلة عباس قد يؤسس لمرحلة وطنية جديدة بامتياز وستختفي بعض سقطات عباس عن الساحة السياسية، وأن خليفته سينهض بالمشروع الوطني الفلسطيني الحقيقي والقائم على التمسك بالثوابت والحقوق.. هذا وهم كبير؛ لأن عباس لم يكن ينفذ اجندة شخصية، بل إنه يعمل ضمن فريق ينفذ مشروعاً صهيونياً يلتزم بالقضاء على كل ما يعكر صفو الاحتلال.

لكن يا ترى ما هي معايير الرئيس القادم الذي تريده أمريكا وإسرائيل؟ وما هي المطلوب منه؟

إن إسرائيل لا يهمها الخلفية السياسية أو الدينية أو الفكرية للزعيم الجديد. إن ما يهمها هو أن يخدم دولة اسرائيل فقط، لذا فإن اهم المواصفات الواجب توفرها في أي شخصية تتولى رئاسة السلطة يجب أن تكمل مشروع عباس الخاضع جملةً وتفصيلاً للكيان الصهيوني، لذا فإن قيادات وازنة في السلطة تسعى لاسترضاء الكيان الصهيوني من خلال تصريحات مطمئنة بأننا على عهد محمود عباس سائرون، ولسان حالهم يقول "هيت لك يا إسرائيل".
التعليقات (0)