قضايا وآراء

الغوطة.. حين تغيب قوة الردع

حمزة زوبع
1300x600
1300x600

لا يملك المرء الكلمات الكفيلة بالتعبير عن مدى الحزن والأسف والعجز وقلة الحيلة؛ وهو يسمع مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة، نيكي هايلي، وهي تقول بملء الفم: "السماء لم تسقط بسبب القدس"، وكأنها تقول لي ولك وللجميع: أنتم أمة الكلام والتنديد ونحن أمة الفعل والوعيد!

وأسأل نفسي: هل وصلت بنا المهانة إلى هذه الدرجة التي تراهن فيها امرأة أمريكية لا علاقة لها بالمنطقة ولا بتاريخها، ولا بالقدس ومكانتها لدى العرب والمسلمين، لكنها تعرف شيئا واحدا هو القوة؟ وحين يكون خصمك قويا ويراهن على ضعفك، وتراهن أنت على رحمته، فبالطبع ستكون الخسارة كبيرة بحجم غبائك وغبائي بالطبع.

العالم بشطريه الشرق والغرب لا يعرف إلا القوة، والقوة فقط هي الكلمة الجامعة المانعة والرادعة التي يمكن لأي طرف أن يفهم معناها ويعي حقيقتها، أما الكلمات فهي غثاء كغثاء السيل. ولقد خبر الصهاينة والأمريكان أننا معشر العرب مجرد شعراء وبائعي كلام وصناع شعارات براقة؛ كانت الأفعال تختزلها في زمن القوة، أما اليوم فلا معنى ولا وزن ولا قيمة لكلمات ليست مشفوعة أو متبوعة بالفعل والعمل.

مر الزمن الذي كانت فيه كلمة الجهاد رادعة؛ لأن من كان ينطق بها كان يدرك ماذا لديه من قوة لتحويل الكلمة إلى فعل، كما أن من كان يسمعها كان يعرف ماذا يمكن أن يصيبه إذا ما أعلن المسلمون الجهاد ضد عدوهم، خصوصا إذا ما جرؤ ذاك العدو على إهانة مشاعر المسلمين أو حاول الاقتراب من أرضهم وأعراضهم.

 

ينتظر البعض من الغرب أن يتحرك من أجل سوريا، فماذا عنا نحن؟ ماذا فعلنا من أجل الإنسانية المعذبة في سوريا منذ عقود؟

بالأمس خشعت الأصوات عندما أعلن ترامب قراره بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس في منتصف أيار/ مايو المقبل، ومن قبل سنوات تم تفكيك سوريا وتفتيتها، وقبل عقد ونصف حدث نفس الشيء مع العراق، واليوم جار على قدم وساق تدمير اليمن.

المذابح السابقة التي وقعت في عصر الأسد الأب يعاد استنساخها منذ أعوام في سوريا، من حمص إلى حلب إلى الغوطة، والعالم العربي فقد النطق، فلا العرب ساندوا الثوار كما وعدوا مع بداية الثورة، ولا هم تركوهم بل نعتوهم بالإرهاب وبأسوأ النعوت حين أوحت إليهم أمريكا بأن دعم الثوار هو دعم للإرهابيين، فبادر الجميع بغسل أيديهم من الثورة، وتركوا الحبل على الغارب للنظام ليبيد شعبه.

ينتظر البعض من الغرب أن يتحرك من أجل سوريا، فماذا عنا نحن؟ ماذا فعلنا من أجل الإنسانية المعذبة في سوريا منذ عقود؟

الحقيقة أن النظام العربي لم يتفق على شيء مثلما اتفق على إدانة الشعوب وإهانتها إن هي رفعت عصا التمرد في وجه المستبدين، وبالتالي، وفي ظل الوضع الراهن ليس ثمة أمل في تحرك عربي؛ لأن العرب أشد عداوة وكراهية للشعوب العربية من الغرب. وهذا ليس تهويلا، بل هي الحقيقة.

ما يحدث في الغوطة ليس خافيا على أحد، ولكن يراه كل أحد. وفي ظني، وبعض الظن إثم، أن هناك إمعانا في عرض هذه المشاهد حتى تألفها العيون، ويصبح من الطبيعي أن ترى هذه المشاهد فلا يرمش لك جفن، ولا تهتز في رأسك شعرة واحدة أو يقشعر بدنك وأنت تشاهد ضحايا البراميل المتفجرة التي يرسلها النظام لشعبه، فلا تستطيع فعل شيء سوى أن تضغط على زر التلفزيون بحثا عن قناة أخرى أقل دموية، وربما لا تجد.

 

في ظل الوضع الراهن ليس ثمة أمل في تحرك عربي؛ لأن العرب أشد عداوة وكراهية للشعوب العربية من الغرب

القوة التي فقدناها أو لم نسع لجلبها وبنائها هي كلمة السر، وغير ذلك من مئات المقالات وملايين الأبيات الشعرية والقصائد الحماسية لن تغني عن القوة شيئا. ما تحتاجه الغوطة مثل ما تحتاجه الأرض المحتلة في فلسطين واليمن وسائر البلاد العربية المحتلة بالمحتل العربي الصديق هو القوة، والقوة فقط.

القوة هي التي جعلت من أمريكا دولة عظمى، ولولا القوة ما احترمها أحد، ولا هابها أحد. فهي تغزو عالمنا وتحتل بلاد المسلمين وتعربد ليل نهار، ولا أحد يجرؤ على مجرد مطالبتها بالخروج، وكل ما نستطيع فعله هو أن نطالبها بتحسين ظروف معيشة الشعوب الواقعة تحت الاحتلال. 

قارن حال العرب في العراق الذي احتلته امريكا وقتلت قرابة نصف المليون وشردت عدة ملايين من شعبه ثم استولت على نفطه ولا تزال، وبين كوريا الشمالية التي تقف في وجه أمريكا رافعة عصا التحدي بسلاحها النووي، ولا يملك الرئيس الأمريكي فعل شيء سوى كتابة التغريدات الفارغة.

قارن بين العراق وبين إيران التي بنت مفاعلاتها النووية، وباتت على بعد مرمى حجر من امتلاك السلاح النووي.. كيف تتعامل معها أمريكا وأوربا مجتمعة، وكيف نجح الإيرانيون في نيل احترام العالم، بينما دولة مثل السعودية لا تعرف كيف تخرج من ورطتها في اليمن لأنها تعرف البطش ولا تملك عناصر القوة، وقارن بين تعامل أمريكا وأوربا مع إيران والسعودية، وستدرك الفرق، مع العلم أن الغرب كان يحترم السعودية يوما ما لأنها بلد الحرمين التي يحج إليها ملايين المسلمين كل عام، وبلد القبلة التي يتوجه إليها ملايين المسلمين عند كل صلاة. فلما فقدت السعودية قوتها الناعمة أو استهانت بها، اعتبر الرئيس الأمريكي ترامب أن قوة السعودية الناعمة قد انتهت، وبالتالي قالت مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة نيكي هيلي ما قالت، وذكرته في بداية هذا المقال.

فلنبك لو كان البكاء يعني التعاطف والحزن، أما إذا كنت تظن أن البكاء يعني تبرئتك وتبرئتي من ذنب ما يجري من مذابح في عالمنا، فعلى حد علمي فإن البكاء في هذه الحالة هو إثم يضاف إلى آثامنا على مر تاريخنا المعاصر.

غفر الله لي ولكم.

التعليقات (2)
طارق غازي
الأربعاء، 28-02-2018 10:54 م
في الحديث النبوي الشريف الصحيح ( لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ). و يقول الشاعر : لا تحقرن صغيرة *** إن الجبال من الحصى. من المعلوم أن الله يلوم على العجز ، أي أن لا يقول الإنسان و لا يفعل شيئاً تجاه إخوانه و أخواته الذين يتعرضون إلى القتل البشع و التدمير الفظيع و التهجير الوحشي في أعظم جريمة تعرض لها شعب مسلم في التاريخ الحديث. هنالك الكثير الكثير مما يمكن قوله و فعله بأقل جهد : كلمة حق ، لفت أنظار الناس إلى ما يدور من مكر و كيد ، دعوة إلى مقاطعة الروس و الفرس نهائياً ، دعاء مخلص لله تعالى لتفريج الكرب عن هذه الأمة ، تبصير الناس بفساد الحكام و علماء السلاطين ، إقناع الناس بحقارات الأطروحات المشبوهة لإفساد المجتمعات و التآمر عليها بالاستفادة من تجربة سوريا التي كان من أكبر من ساهم في مأساتها حزب البعث العلماني الملحد كما ساهم في مأساة العراق من قبل. و من الممكن أن تكون هنالك إبداعات من الإخوة و الأخوات أفضل مما ذكرت و أذكى . المهم مغادرة الصمت و عدم الاكتفاء بالتفرج لأن طوفان الغدر و الحقد من الأعداء لن يقتصر على سوريا.
Msbah
الأربعاء، 28-02-2018 08:13 ص
مقال. رائع