كتاب عربي 21

القلم و"القلم" مهنة موصومة بالعار!

طارق أوشن
1300x600
1300x600

تؤكد الدراسات النفسية أن الجرائم الجنسية لا ترتكب دائما بغرض إشباع الشهوة، فالتحرش الجنسي، مثلا، كثيرا ما يرتكبه الرجال كوسيلة للانتقام من المجتمع، أو للتنفيس عن الغضب أو الإحباط أو الإحساس بالدونية لدى المتحرش، فتصير المرأة في الشارع أو في البيت هي المتنفس أمام هذا الذكر المحبط واليائس، وبعدها يصير الأمر شبيها بالإدمان الذي يعطي صاحبه وهم أنه ناشط جنسي أكثر من غيره، وفحل أكثر من الآخرين، وله مواهب خاصة في اصطياد البنات، أو بالأحرى في الاعتداء عليهن... للأسف، قلة قليلة من النساء اللواتي يرفعن اليوم الصوت ضد هذه الظلم الاجتماعي، وضد هذه الجريمة التي تدمر نفوس الكثيرات، وأحيانا تصيبهن بجروح لا تمحى آثارها من العقول والقلوب… حتى إن نساء كثيرات بدأن يطبعن مع هذه الظاهرة، ويتعايشن معها، وبعضهن يحولن الضحية إلى مجرمة، فيلقين بالمسؤولية على المرأة التي لا تحترم ضوابط معينة في اللباس، والمرأة التي تغري الرجال بفتنتها! وهذا ما يسمى: إدانة الضحية لنفسها عندما تصبح عاجزة عن رد حقها وضمان اعتبارها، فتلوم نفسها على جرم لم ترتكبه....  كيف نكون أكثر تدينا وأكثر انحرافا في الوقت ذاته؟

هذه مقتطفات من مقال كتبه ناشر جريدة "أخبار اليوم" قبل سنتين في مثل هذا اليوم بالضبط (8 مارس) بمناسبة اليوم العالمي للمرأة. اليوم 8 مارس 2018، يجد توفيق بو عشرين نفسه واقفا أمام القضاء مشتبها به بتهم تبدأ بالتحرش الجنسي، موضوع مقاله المشار إليه، وتنتهي بالاتجار بالبشر مرفوقة بأشرطة جنسية مصورة، كدليل إثبات، كما جاء في بيان النيابة العامة التي حولته للمحاكمة دون حاجة لتعميق التحقيق.

شكل اعتقال المشتبه به توفيق بو عشرين منذ أيام مادة دسمة تناقلتها الجرائد والمواقع الالكترونية والقنوات التلفزيونية وبقية وسائل التواصل بما مثلته من صدمة جعلت نقابة الصحفيين والجمعيات الحقوقية والنسائية والمنظمات السياسية وزملاء المهنة في تيه حقيقي أفقدهم القدرة على التموقع في هذا الجانب أو ذاك، ليس فقط بالنظر إلى الاتهامات الثقيلة التي يواجهها المشتبه به، بل أيضا للوضع الاعتباري للرجل الذي يضعه البعض في موقع "القداسة" وآخرون في موقع "القدوة" وفئة أخرى في موقع "الاستهداف".

ليست هذه المرة الأولى التي ينشغل فيها الرأي العام المغربي بقضية مماثلة فقبل خمس وعشرين سنة (سنة 1993) قضى القضاة والمحامون شهر رمضان وهم يشاهدون أفلاما جنسية، شكلت شواهد الإثبات في قضية الكوميسير مصطفى ثابت صورها الأخير لضحاياه، مستغلا عمله بالاستعلامات العامة (المخابرات)، وهي القضية التي انتهت بالحكم عليه بالإعدام مع الإسراع بتنفيذه في قضية لا يعاقب عليها القانون المغربي بالمثل. أُعدِم الحاج ثابت وبقيت مناطق ظل كبيرة وتساؤلات كبرى تحوم حول القضية ومساراتها.

في السنوات الأخيرة، توالت قضايا التحرش والاستغلال الجنسي والاغتصاب، "أبطالها" شخصيات عامة، على صفحات الجرائد دون أن تجد لها طريقا إلى ردهات المحاكم أو إلى تطبيق الأحكام. لأجل ذلك، أثارت قضية بوعشرين والمشتكيات به أو المصرحات كل هذا اللغط بالشكل الذي يوحي أن النية قائمة لإخراج القضية من مسارها القضائي إلى خارج قاعة الجلسات. تحدث كثيرون عن شخصية المشتبه به وافتتاحياته، وأسرف آخرون في التذكير بطريقة الاعتقال "الهوليوودية"، وشكك آخرون في قانونية الأشرطة، التي تحدثت عنها النيابة العامة، ثم تحدثوا عن "التضييق" الذي يتعرض له المشتبه به في زنزانته منذ اليوم الأول للاعتقال ثم تأخر النيابة العامة في تكييف القضية وسرد الاتهامات، واختيار توقيت المحاكمة المصادف لليوم العالمي للمرأة، وطريقة تعاطي الإعلام مع بيانات رسمية صادرة عن النيابة العامة دونا عن بقية وسائل الاتصال، بل وصل الأمر للتشكيك في قانون الاتجار بالبشر الذي صادق عليه البرلمان واعتباره موجها لتلميع صورة البلد في الخارج...الخ.


ولعل في تسرع "متعهدي الحملات التضامنية مع ضحايا النظام" وبعض أطراف الدفاع عن المشتبه به في إطلاق الأحكام المسبقة منذ الساعات الأولى للاعتقال لدرجة تصريح المحامي محمد زيان " اعتقلوه ويبحثون له عن تهمة"، خصوصا مع الغموض الذي اكتنف بيان النيابة العامة الأول، أوقع الجميع في أزمة هروب إلى الأمام أساسها التصريحات والتصريحات المضادة، والتدوينات وعكسها والبيانات وضدها بشكل ساهم، عن وعي أو بدونه، في تهريب النقاش عن صلب القضية الأهم. لكن الأكيد أن سياسة الأرض المحروقة التي تهدد بهدم المعبد على من فيه، أو محاولات تسييس القضية، وجزء منها بالتأكيد كذلك، لدرجة استحضار ملك البلاد على لسان أحد أعضاء هيئة الدفاع، لن تزيد القضية إلا تعقيدا بما يجعها فعلا "قضية القرن"، كما وعد توفيق بوعشرين وأحد محاميه، وكرة ثلج ستتدحرج لا محالة لتجر معها كثيرين، ومهنة الصحافة بالمغرب معهم، لواد سحيق.

فيلم (كلام الليل-1999) للمخرجة إيناس الدغيدي.

على سرير إحدى غرف بيت الدعارة الذي تديره كوكيتا، الصحفي الكبير كمال وبجواره الصحفية الشابة صوفي عاريين. يشعل كمال سيجارتين ويمد إحداهما لصوفي ثم يبدأ الحوار.
كمال: عاوزة تبوظي المتعة ده كلها بالزواج. حرام عليكي يا صوفي.
صوفي: ايه ايلي يمنع المتعة ده واحنا متجوزين؟
كمال: لأ.. طبعا تفرق كتير أوي.
صوفي: كمال.. انت أول ما عرفتيني قلت لي حنتجوز.
كمال: كذاب يا حياتي.. عمرك ما شفتي واحد كذاب.
صوفي: مش عيب يا حبيبي تبقى صحفي كبير أوي ومشهور أوي وكذاب.
كمال: (يضحك) الظاهر معرفتيش أصول المهنة كويس.
صوفي: قصدي يعني لو وحدة غيري كانت عملت لك فضيحة.
كمال: هو الحب فضيحة يا حياتي..
صوفي: مش بس الحب يا كيمو.. الحب وأشياء أخرى. ايه رأيك؟ عنوان مقال يجنن.
كمال: قصدك ايه يا عيني.
صوفي: قصدي يعني لو وحدة غيري كانت فتنت عن شركة الاستيراد والتصدير اللي انت عاملها باسم كوكيتا.
كمال: وايه كمان يا صوفي؟
صوفي: وعمارات الغلابة اللي عايزين تهدوها على دماغهم علشان تلعب جولف انت وصحابك يا حياتي. يعني ده لو وحدة غيري وفتانه.
كمال: مش حتلحق يا حياتي.. ده لو وحدة غيرك فكرت تعمل كده مش بس تترفض من الجورنال.. لأ، دي صوابعها تتقطع علشان متمسكش قلم تاني طول عمرها. وبعدين ترجع على بلدهم تاني تدور لها على شغلانه في تنظيم الأسرة، في الشؤون الاجتماعية.. ايلي تلاقيه بقا.
صوفي: حبيبي يا كيمو!

الصحفي وكاتب الرأي، كغيره من البشر، غير منزه عن الخطأ، واستغلال السلطة والنفوذ فعل بشري. وقضية توفيق بوعشرين تكاد تختلط فيها السياسة والصحافة والاتجار بالبشر كما المواقف في ظل توجه دولي يجعل التحرش الجنسي، فما بالكم بالاغتصاب، أولوية حسب رسالة الأمين العام للأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة.  والخوف كله من الإفراط في سياسة الكيل بمكاييل تهدد ميزان العدالة بالاختلال.

هل يتم التلاعب بالمرأة وقضاياها في صراعات أخرى؟ نعم، والدليل اختيار 8 مارس وعدا للمحاكمة، والسعي الحثيث من هيئة الدفاع لضم محاميات نساء لفريق الدفاع.

هل كان توفيق بوعشرين مزعجا ومستهدفا؟ نعم.

هل عليه أن يدفع الثمن في حالة التأكد من التهم الموجهة إليه؟ نعم، فالصحفي ليس فوق القانون.

هل ارتكب الأفعال المنسوبة إليه؟ البينات الرسمية وتصريحات الضحايا تؤكد والمشتبه به ينفي، والفيصل قاعة المحكمة وما سيصدر عنها.

0
التعليقات (0)