مقالات مختارة

هل ينتصر التاريخ للنظم الملكية في بلاد العرب؟!

جمال سلطان
1300x600
1300x600

تعيش أغلب الدول العربية حالة من التململ والحراك السياسي العنيف أو الكبير خلال السنوات الأخيرة، ويمم وجهك شطر سوريا أو العراق أو الجزيرة العربية أو مصر أو ليبيا أو المغرب العربي، ستجد شيئا من ملامح هذا القلق -بدرجات متفاوتة- والذي يبسط ظلاله على صورة المستقبل، لأن هذا القلق الذي نعيشه يعطيك الانطباع الذي لا يمكنك دفعه عن أن المنطقة مقبلة على تغيرات عميقة ومستقبل جديد، صحيح أننا لا نعرف صورته ولا ملامحه على وجه التحديد، ولكنك لا تستطيع -بعد رصد ما جرى ويجري- إلا أن تستشعر هذا التغير وتوقن أنه مقبل لا محالة.

هذا الحراك صحبته بطبيعة الحال مراجعات شاملة لمجمل الحالة العربية -ما زالت في بدايتها- خاصة في مرحلة ما بعد الاستقلال وتأسيس الدولة القومية المستقلة الجديدة، وحيث طغت موجة النظم الجمهورية التي تطيح بنظم ملكية سابقة وتصمها بالفساد، ودائما كانت النظم الجمهورية تأتي على ظهور الدبابات والجيوش الوطنية الجديدة، ولم ينج من هذا التحول سوى دول الخليج العربي ومعها الأردن والمغرب، وبقية العالم العربي عصف بها هذا التحول التاريخي الكبير، ولا شك أن جزءا مهما من المراجعات الشاملة التي تجري على المستوى الفكري والروحي والسياسي أيضا تتعلق بتقييم هذا التحول، بعد أن أعطي مساحة زمنية تاريخية كافية تماما للحكم عليه، مساحة وصلت الآن إلى ما يقرب من سبعين عاما، من الخمسينات الماضية حتى الآن.

كثيرا ما تواجهك ظاهرة المقارنات التي يطرحها مثقفون أو مواطنون عاديون عن الحياة العامة، سياسيا واقتصاديا وثقافيا وتعليميا واجتماعيا، بين المرحلة الملكية والمرحلة الجمهورية، تسمع ذلك كثيرا في مصر، المقارنة بين مصر أيام الملك فاروق ومصر في مرحلة عبد الناصر والنظام الجمهوري المستمر من بعده، والمقارنات تصحبها عملية جدل بعضه تنظيري أيديولوجي وبعضه اجتماعي واقعي، الإيديولوجي يرى أن النظام الجمهوري عزز الاستقلال الوطني وأحدث ثورة اجتماعية وأنهى الطبقية وأجرى عملية تحديث شاملة للدولة، الواقعيون يرون أن المرحلة الملكية شهدت استقرارا أوضح للدولة وثراء اقتصاديا بدا في عافية واضحة على مؤسساتها، ونهضة اقتصادية متنامية ومستمرة وظهور مؤسسات مالية واقتصادية وطنية كبيرة، وحيوية ملحوظة في الحياة الأدبية والثقافية والفنية أفرزت أهم وأبرز نجوم البلد على مدار القرن كله في الأدب والثقافة والفن وغيرها، ودائما تظهر أمامك صورة العاصمة القاهرة في الثلاثينات أو الأربعينات وهي تفوز بالمركز الأول على مستوى العالم في جمال المدن ونظافتها، متفوقة على لندن وباريس، وكيف كان الأطباء والمهندسون من اليابان وكوريا وحتى بعض الدول الأوربية يتخرجون من الجامعات المصرية ويعودون بشهادات تخرجهم منها فخورين إلى بلادهم.

المقارنة نفسها تسمعها عن العراق، بين مرحلة الملكية ومرحلة الجمهورية وما شهدته من انقلابات دموية متلاحقة، حتى استقر الأمر لديكتاتورية حزب البعث ثم انتقلت إلى المزق الطائفية المشتتة بعد إسقاط صدام حسين، وكيف كانت بغداد في نصف القرن العشرين الأول عاصمة للأدب والشعر والفن والجمال أيضا والثراء النسبي الملحوظ والتعايش الاجتماعي والديني الذي تعززه مساحة من الحرية السياسية المعقولة، الأمر نفسه تسمعه عن ليبيا والمقارنة بين المرحلة الملكية واستقرارها والترابط الاجتماعي والانفتاح الثقافي والسياسي والتطور التدريجي الآمن للدولة والمجتمع قبل أن يأتي انقلاب القذافي ويؤسس الجمهورية ثم الجماهيرية ويعصف بكل شيء ويذهب بالدولة والمجتمع إلى الفقر والتمزق والقمع والدم والاضطراب الاجتماعي الواسع والتدني الكبير في الخدمات الصحية والتعليمية فضلا عن الثقافة والأدب وغيرهم.

في المقابل، يمكن أن ترى الدول التي حافظت على نظامها السياسي الملكي أو الأميري، خاصة دول الخليج، وكيف حدثت عملية النمو الاجتماعي والثقافي والإعلامي تدريجيا بدون هزات اجتماعية عنيفة، وكيف استمرت الدول لمسافة نصف قرن أو ما يقترب من قرن أحيانا تنتقل السلطة فيها بسلاسة وهدوء ودون دموية عنيفة، وكيف نجح ذلك في استثمار ثروة النفط في تطوير البلاد ورفاهية مواطنيها واتساع نطاق البعثات التعليمية في العواصم الكبرى حتى ظهر جيل أو أجيال من النخب عالية الثقافة والفكر والمعرفة والعلم غيروا وجه بلادهم، حتى ولو كانت الديمقراطية بمفهومها الشامل غائبة بفعل استقرار النظام الاجتماعي والرفاه.

الحوارات تتنامى مؤخرا حول هذه المقارنات، ويدخل فيها البعد الثقافي والحضاري، فهناك من يرى أن المجتمع العربي بعمقه الديني وحضور التاريخ ورمزيته وخصوصيته، يجعله أقرب إلى النظام الملكي منه إلى الجمهوري، فالمجتمعات العربية اعتادت النظر إلى "الحاكم" باعتباره ولي الأمر، الواجب الطاعة بأوامر إلهية ونبوية، وهي مسألة تترجم في صيغ مختلفة من الناحية العملية، كالنظر إليه على أنه "كبير العائلة" مثلا، وأن هذه الشعوب أو الارتباط الروحي بين الدين وسياسة الدولة يصعب فصله عن عمق المجتمع العربي، وهو ما يجعل فكرة "النظام الملكي" أو الأميري أقرب إلى طبيعة المجتمع، ويشفعون ذلك -بطبيعة الحال- بالتجربة التاريخية القريبة التي يثبتون من خلالها أن الفترة الملكية شهدت نهضة حقيقية اقتصادية وتنموية وتحديثية وأدبية وثقافية، كما أن بعض النظم الملكية أو الأميرية الحالية نجحت في إحداث التزاوج بين النظام الملكي أو الأميري وبين المأسسة الديمقراطية، وتجربة الكويت بارزة في هذا المجال، وكذلك يمكن الإشارة إلى تجربة المغرب والأردن، في حين أن الفترة الجمهورية شهدت قلقا سياسيا وانتقالا عنيفا أو غير ديمقراطي دائما للسلطة وبعثرة لجهود الدولة أضاعت فكرة تراكم الخبرة والتطور والتنمية، فضلا عن مستويات من القمع والعنف للشعوب لم يسبق أن عرفها المجتمع حتى أيام الاستعمار، ويكفي النظر إلى حجم الدمار والخراب الذي أحدثه نظام بشار الأسد مثلا في سوريا، كنموذج حي على ما يمكن أن يفعله النظام الجمهوري العسكري بشعبه إذا أصر على طلب الحرية أو التداول السلمي للسلطة.

المصريون المصرية

2
التعليقات (2)
اينشتاين
الجمعة، 09-03-2018 11:01 م
الكاتب تناول مقارنته بين الأنظمة الملكية من جهة ، والأنظمة الجمهورية من جهة ثانية من دون أي رابط كان له الأثر المباشر متناسيا بذلك مرحلة سابقة واخرى تالية ، الأولى تمثلت في حكم العثمانيين الذين وحدوا المسلمين لقرون ، أما الثانية فهي حقبة الاستعمار البغيض الذي اغتصب من الناس حريتهم وأرزاقهم وامنهم وأمانهم . الكاتب انتقل بسرعة البرق من الملكية إلى الجمهورية من دون استئذان ، لذلك لم يسأل نفسه عن دور المحتل الغاصب وحاجته إلى تغيير كثير من الأنظمة الملكية مباشرة أو بطريق غير مباشر ، كل ذلك لأن الاستعمار صار بالوكالة بعد أن سحب عساكره ، وهو السبب الذي جعله يستعيض عن بعض الأنظمة الملكية التي لم تخدمه كفاية بانظمة جماهيرية تحقق المطلوب في دائرة التبعية للغرب الليبرالي الرأسمالي. هذا هو السر الذي جعل الكاتب يسقط في الفخ حيث راح يفضل الملوك على الرؤساء وهو من دون لا يدري يعترف بأهمية دور المستعمر في الإمساك بزمام القيادة على مستوى العالم العربي .
المصري الأصيل
الجمعة، 09-03-2018 07:13 م
مع إحترامنا وتقديرنا لتركيزك وإبرازك لمثل هذه الخبرة الموجعة التي مررنا بها والمقارنة المؤلمة التي كشفت عن حضورنا العاجز الذي لايزيد عن حد ومستوى الشكوى والتوجع ،هذا النموذج الذي تعرض له الكاتب يعكس مفارقة صادمة تكشف عن حجم مصيبتنا ، فبدلا من أن نتطور إلى الأحسن كما هو شأن الأحياء عندما يتعرضون لخبرات قاسية حدث العكس . الوعى بهذه الوضعية خطوة على الطريق ، ومن الطبيعي أن يؤدي إستحضار هذه الصورة إلى زيادة كبيرة في رصيد الغضب الشعبي الكامن المشتعل على الدوام في بلادنا التي تحتضن رؤوس الإستبداد والدكتاتورية ، لابأس من إستدعاء مثل هذه المفارقات العجيبة من أجل تنشيط ذاكرتنا والضغط على وعينا لنستوعب حالة التراجع الكارثي الرهيب الذي نعاني منه على كل المستويات وبشكل خاص على مستوى أنظمة الحكم الجبري المتسلط التي تتمدد في بلادنا مثل مرض السرطان ، الذي غالبا لايتراجع حتى يقضي على المريض وينهي حياته . هذه الأنظمة المتسلطة التي نعيش في ظلها ليست أقل خطرا من تخريب و شراسة السرطان . الإشارة إلى مثل هذه النماذج الواقعية التي مررنا بها في بلادنا و التي لم يكن للشعب فيها كلمة ، لاتهدف بالطبع إلى حصر الخيارات بين نموذجين سيئين كارثيين بكل معنى الكلمة ، فشعوب المنطقة لاتريد ولاترغب أن تعيش مرتهنة لأنظمة مهما كانت طبيعتها طالما ستعمل على أن تفرض نفسها بمنطق القوة والجبر متجالهة ومتجاوزة حق الشعب في المشاركة والتعبير عن إرادته وخياراته بكل الطرق والوسائل التي تعكس الإرادة الحرة . لا سبيل أمام شعوبنا إلا التمسك والإصرار بإختيار النظام الحاكم الذي يخضع للدستور والقانون وقبل ذلك للإرادة الشعبية كما هو الحال في كل الدول التي تتمتع شعوبها بالحرية وبالقدرة على فرض إرادتها مهما كانت التحديات والتضحيات .

خبر عاجل