مقالات مختارة

غياب المنافسة قتل جاذبية الانتخابات الرئاسية

جمال سلطان
1300x600
1300x600

أصبحنا على مسافة أسبوعين تقريبا من موعد التصويت في الانتخابات الرئاسية التي تدشن مرحلة جديدة من حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي على الأرجح، فهو ـ تقريبا ـ بلا منافس في الحلبة التي تم اعتمادها من قبل الهيئة الوطنية للانتخابات، ووجود المهندس موسى مصطفى يعتبر على نطاق واسع مسألة شكلية، وقد تم الدفع به في آخر عشر دقائق قبل غلق باب الترشح، وبالتالي فمسألة دخول السيسي فترة حكم ثانية أصبح أمرا مقطوعا به، وإنما الكلام هو في التفاصيل والصورة التي تخرج بها الانتخابات في يوميها، وكذلك الأسئلة المتعلقة بالسياسات التي يمكن أن يتخذها السيسي في فترته الرئاسية الثانية، وهل ستكون متطابقة مع ما حدث في الفترة الأولى من "تحزيم" الحياة السياسية وتجفيف منابعها وبسط السيطرة الأمنية على المؤسسات والأحزاب والجمعيات والإعلام والنشاطات كافة، أم سيكون هناك تفكير في انفراجة تخفف الاحتقان الذي يشهده المجتمع وتفتح أفقا جديدا لقيادة الدولة ومشكلاتها المعقدة.


بدأت الشوارع تزدحم باللافتات، بكثافة واضحة ومتزايدة، وبطبيعة الحال اللافتات هي لمرشح واحد، وهو الرئيس، لأن هذه اللافتات غالبا تكون من أصحاب المصالح المرتبطة بالجهاز الإداري والأمني في الدولة، ويفضلون أن يعطوا صورة إيجابية لهم أمام تلك الأجهزة لتفادي غضبها أو سخطها بما يعرض مصالحهم الاقتصادية للخطر، وهؤلاء رجال أعمال وشركات ومؤسسات تجارية وصناعية وتوكيلات ومحال صغيرة أحيانا، وهو ميراث مصري عريق وطويل يمتد عشرات السنين في التجربة الانتخابية المصرية، وليس وليد هذه اللحظة ولا ابن فترة حكم السيسي، وحتى في المراحل السابقة أيام كان الدستور يقرر اختيار الرئيس بالاستفتاء وليس بالانتخاب، كانت نفس اللافتات توضع، رغم أنه لا يوجد منافس، ولكنها "ثقافة" اجتماعية واقتصادية "ودولتية" دارجة ومحفوظة.


عمليا لا يوجد تحد للسيسي في مجال المنافسة، بعد أن خرج من السباق كل من فكر فيه من أصحاب الثقل السياسي المحتمل، لسبب أو لآخر، ولكن من الواضح أن حالة التوتر هي السائدة -رغم ذلك- تجاه هذا الحدث القريب، وهو توتر لا يمكن فهمه في ضوء المعادلة الانتخابية القائمة، فالمسألة محسومة، ولذلك يذهب البعض إلى "التخمين" عن الأسباب التي أدت إلى هذا التوتر، وأغلب التقديرات تذهب إلى أن نسبة المشاركة في الانتخابات هي التحدي الأهم والذي يسبب كل هذا التوتر، لأن إعلان النتائج بنسبة مشاركة ضعيفة أو هامشية ستكون أشبه بإعلان هزيمة سياسية، حتى لو فاز، أو كما يقولون: فوز بطعم الهزيمة، خاصة وأن جدل الشرعية لم ينقطع طوال السنوات الماضية، وبذلت الدولة جهدا كبيرا ومضنيا ومكلفا لها وللوطن، من أجل فرض القبول الدولي بتلك الشرعية الجديدة، وبالتالي فأي هزة أخرى في تلك الشرعية ستكون بالغة الأثر على أداء الدولة وعلى قوة مقام رئيسها دوليا على الأقل، ومن ثم فالسيسي في حاجة ماسة إلى الفوز بنسبة تصويت عالية، ولذلك كان الحديث الدائم الآن عن المشاركة وأهمية المشاركة، والغضب الشديد وبالغ العنف تجاه أي دعوة للمقاطعة أو الإشارة إليها، على غير ما جرت به العادة سابقا.


والحقيقة أن ما زاد من عبء الحشد وصعوبته هذه المرة هو أن الانتخابات نفسها لم تعد جذابة، مثلها مثل أي مباراة في كرة القدم بين فريق في الدوري الممتاز مثلا وفريق في الدرجة الثالثة، فعادة يتم النظر إليها على أنها تدريب، ولا يحرص الكثيرون على مشاهدتها لأنها تفتقر إلى الإثارة والمتعة والمفاجأة والتحدي، بخلاف المباريات التي تكون بين ندين أو قوتين متقاربتين، وهكذا الانتخابات، وهو ما يلقي بأعباء إضافية على فريق السيسي من أجل حشد الناس أمام الصناديق، وهي مهمة صعبة للغاية في مجتمع يصل حجم الأصوات الانتخابية فيه إلى ما يقرب من خمسين مليون صوت، بخمسين مليون مواطن.


تكثيف اللوحات الإعلانية والدعائية بصورة ملحوظة هو أحد وسائل كسر هذا الحاجز، ولكن مثل هذه اللافتات يصعب أن تكون باعثا على حرص ثلاثين مليون مواطن مثلا أن يقفوا بالساعات أمام طوابير الانتخابات للإدلاء بأصواتهم في مشهد محسومة نتيجته سلفا، كما أن أغلب تلك اللافتات أشبه بإبراء ذمة من أصحابها أمام الجهات المسئولة، لدرجة أني لاحظت أن بعضهم يكتب اسمه على اللوحة بحجم أكبر من اسم الرئيس نفسه، لأن قصده هو لفت الانتباه إلى نفسه أكثر من الرئيس.


بكل تأكيد، ليست هذه هي الأجواء الانتخابية التي تعبر عن مجتمع عاش ثورة كبيرة في يناير 2011 وعاش في زخمها السياسي والشعبي الهائل ثلاث سنوات تقريبا، كما أن المقارنة بين الانتخابات الحالية وانتخابات 2012 مثلا، التي شهدت معركة ضروسا بين مرسي وشفيق وأبو الفتوح وحمدين صباحي، تغنيك عن شروح كثيرة، وهو ملمح جزئي من مجمل أزمة المشهد السياسي في البلد خلال السنوات الأخيرة، إنها أزمة واسعة ومتشعبة ومترابطة، وفي ظل الظروف والتوازنات الحالية للقوى يصعب تصور حل عقدها وجبر كسورها في المدى المنظور.

 

المصريون المصرية

0
التعليقات (0)