سياسة عربية

مهندس عملية السلام مروان المعشر يفقد الأمل بحل الدولتين

مروان المعشر متحدثا لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني
مروان المعشر متحدثا لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني

أبدى أهم مهندس لعملية السلام العربية مع اسرائيل إحباطه من الإجراءات الإسرائيلية، وقال إنه يعتقد بأن حل الدولتين مات ولم يعد قابلاً للتطبيق، كما أكد أن "صفقة القرن" لا يمكن أن تنجح لأنها "لن تجد ولو فلسطينيا واحدا يقبل بها". 


وقال الدكتور مروان المعشر الذي كان ناطقاً للوفد الأردني الفلسطيني المشترك الى مفاوضات السلام مع اسرائيل خلال تسعينيات القرن الماضي: "سيقول بعض الناس إن حل الدولتين لم يعش يوماً، ولكن من المؤكد اليوم أنه بات في عداد الأموات".

 

وكان المعشر أيضاً وزيراً لخارجية الأردن عندما تم إطلاق مبادرة السلام العربية في العام 2002، كما أنه أول سفير للأردن في اسرائيل وكان سفيراً للأردن في واشنطن أيضاً، وهو أحد أبرز السياسيين الأردنيين المعروفين. 

 

وقال المعشر في مقابلة مع موقع "ميدل إيست آي" البريطاني: "سيقول بعض الناس إن حل الدولتين لم يعش يوماً، ولكن من المؤكد اليوم أنه بات في عداد الأموات. لا يمكن لأي قدر من التفاوض اليوم أن يصل بنا إلى حل الدولتين لأن أحد الأطراف لا يرغب فيه، وهو الطرف الإسرائيلي. ناهيك عن أن الوسيط في تلك المحادثات بات الآن منحازاً تماماً لصالح الإسرائيليين. ولا يمكنك في مثل هذه الظروف الاستمرار في التعلق بنموذج قديم". 

 

وقال الدبلوماسي المخضرم إن الأردن يشعر اليوم بأنه بات عرضة لأجندة تمليها إسرائيل وتسعى واشنطن إلى فرضها. 

 

وقال المعشر: "بدون حل الدولتين، وفي وجود مثل هذه الحكومة الإسرائيلية، فإن أحد السيناريوهات المحتملة جداً هو أن الحكومة الإسرائيلية ستعمل من أجل إنجاز حل سيكون على حساب الأردن.

 

أمامهم واحد من خيارين، إما أن يمنحوا الفلسطينيين حقوقاً ضمن حل الدولتين أو يحيلوا المشكلة على جهة أخرى لتتولاها. وهم اليوم لا يعبأون إطلاقاً بمصلحة الأردن. ولذلك نشعر بأننا مهددون، ويسبب لنا ذلك قلقاً بالغاً، وهذا ما يفسر دعم الأردن المستمر والقوي لحل الدولتين لأنه في صالح الأردن وليس فقط في صالح الفلسطينيين. أما اليوم، فقد تبخر كل ذلك". 

 

ويقول موقع "ميدل إيست آي" إنه ما من شك في أن تصريح المعشر حول موت حل الدولتين غاية في الأهمية، حيث أن إقامة دولة فلسطينية إلى جوار إسرائيل ما يزال السياسة الرسمية التي تتبناها السلطة الفلسطينية والرباعية الدولية (التي تتكون من الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا) وما يزال السياسة التي يتبناها الاتحاد الأوروبي وتتبناها الأحزاب السياسية الرئيسية في بريطانيا. 

 

وتجدر الإشارة إلى أن المعشر واحد من الدبلوماسيين العرب القلائل الذين استثمروا بقوة في حل الدولتين، ومعروف أنه لعب دوراً مركزياً في تطوير مبادرة السلام العربية وفي رسم خارطة طريق الشرق الأوسط. 

 

ويضيف الموقع البريطاني: "سيذكر التاريخ بلا شك أن مبادرة السلام العربية، التي اقترحها العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله، كانت فرصة سانحة لإنهاء الصراع بددتها إسرائيل بالاشتراك مع رئيس الولايات المتحدة آنذاك جورج دبليو بوش بينما احتضنها الزعيم الفلسطيني آنذاك ياسر عرفات ودعمها خلفه محمود عباس". 

 

وقال المعشر إن المبادرة الأمريكية الحالية، والتي أطلق عليها دونالد ترامب اسم "صفقة القرن" ماتت في مهدها. 

 

يعتقد بأن المقترح الجديد يستبعد عنصرين أساسيين مما كان يعرف بمفاوضات "الحل النهائي" أثناء محادثات أوسلو للسلام: اعتبار القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية وحق العودة للاجئين الفلسطينيين. 

 

ووصف المعشر صفقة ترامب بأنها مجرد "وهم وخيال" وقال إنه لا يوجد فلسطيني واحد يمكن أن يقبل بمثل هذه الصفقة. 

 

وأضاف: "تعتقد إدارة ترامب أن بإمكانها أن تسقط القدس وتسقط اللاجئين، بدون حتى مجرد حق عودة رمزي، بينما تقلص الأموال المخصصة لوكالة غوث اللاجئين (الأنروا)، وأن تسقط وادي الأردن، وأن تسقط المستوطنات، ثم بإمكانك أن تجري مفاوضات على ما تبقى. هذا ضرب من الجنون. لا يمثل ذلك صفقة قرن لأحد فيما عدا للإسرائيليين". 

 

القدس: مصدر للخلاف مع الرياض

 
ويؤكد المعشر، وهو مسيحي أردني، إن القدس مهمة لكل عربي، ويسلط في هذا السياق الضوء على تناقص أعداد السكان المسيحيين في المدينة المقدسة، حيث كان المسيحيون يشكلون ما يقرب من عشرين بالمائة من السكان في مطلع القرن العشرين بينما لا تزيد نسبتهم اليوم عن واحد بالمائة. 


ويقول: "يقل عدد المسيحيين المقيمين في القدس اليوم عن أربعة آلاف نسمة، بما يعني أننا نواجه وضعاً بعد جيل من الآن تصبح فيه الأماكن المسيحية المقدسة مجرد متاحف لا يعيش فيها أحد، وفي ذلك خطر على فكرة التنوع والتعايش في فلسطين وفي العالم العربي. وهذا الأمر لا يقلق المسيحيين العرب فقط، فالمسلمون لا يرغبون في رؤية المسيحيين يختفون من المدينة". 

 

كما عبر الدبلوماسي الأردني السابق عن غضبه الشديد تجاه الدور الذي لعبه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في محاولة إقناع الرئيس الفلسطيني بقبول أن تكون "أبو ديس"، وهي واحدة من ضواحي القدس الشرقية، عاصمة الدولة الفلسطينية المستقبلية. 

 

وقال: "إنه مجرد وهم وخيال. لن تجد أحداً يقبل بذلك. الناس لا يريدون أبو ديس وإنما يريدون الأماكن المقدسة، وما عدا ذلك فكله تلاعب. يقولون: دعونا نعطيهم أبو ديس وسينسون الأماكن المقدسة. بإمكانك أن تنسى كل شيء فيما عدا الأماكن المقدسة. ليس بوسع السعوديين القول، ولا حتى لشعبهم هم، إننا نعتقد بأن علينا قبول تلك الصفقة حتى لو لم تكن مقبولة لدى الفلسطينيين". 

 

وأقر المعشر أن القدس موضع خلاف مع الرياض، وذلك أن رعاية الأردن للأماكن المقدسة في المدينة كان قد نُص عليها في معاهدة وادي عربا للسلام مع إسرائيل. وقال إن الراحل الملك حسين شارك في حرب عام 1967 وهو يعلم يقيناً بأنه سيخسر، ولذلك لم يفارقه في يوم من الأيام الشعور بالمسؤولية عن فقدان القدس. 

 

وقال المعشر: "كما أنها تشكل جزءاً من شرعية الهاشميين، والشرعية أمر مهم جداً في العالم العربي. فهي التي سمحت لنا بالصمود في وجه كل الهيجان الذي صاحب الربيع العربي، لأن النظام الملكي في الأردن غير مهدد بنفس الطريقة التي كانت أنظمة الحكم في مصر وتونس مهددة فيها. يريد الناس الإصلاح ضمن النظام ولا يريدون الإطاحة به. وتلعب القدس في ذلك دوراً كبيراً". 

 

هل فاتت الفرصة؟

 
يقول المعشر إن فرصة إبرام صفقة بين الدول العربية وإسرائيل قد فاتت. والعوامل التي أدت إلى ذلك تشتمل على عدم وجود زعيم عربي في مثل منزلة عاهل السعودية الراحل الملك عبد الله، وكذلك الحرب في سوريا، ذلك البلد الذي شكل جزءاً أساسياً من المبادرة، أضف إلى ذلك الرأي العام العربي الذي يعارض مثل هذا التقارب. 

 

بدلاً من ذلك، كما يقول المعشر، هناك جيل جديد من الفلسطينيين اليوم تجده ينأى بنفسه بعيداً عن النقاشات المتعلقة بشكل الحل للصراع باتجاه الدفاع عن حقوقه المدنية، الأمر الذي يعني مزيداً من التركيز على رفع كلفة الاحتلال الإسرائيلي من خلال اللجوء إلى مؤسسات الأمم المتحدة وإلى محكمة الجنايات الدولية وحملة المقاطعة المعروفة باسم بي دي إس. 

 

ويقول: "لا يعبأ هذا الجيل بحل الدولتين، ليس لأنه لا يؤمن بالدولة الفلسطينية، ولكن لأنه يعي بأنها عصية على التحقق في أرض الواقع. ولذا، إذا كان مثل هذا الحل مستعصياً، فلا أقل من التركيز بدلاً من ذلك على مقاربة تعتمد على المطالبة بالحقوق، حتى لو أوصلهم ذلك في نهاية المطاف إلى حل الدولتين. فكل ما يهمهم الآن هو حقوقهم". 

التعليقات (0)