قضايا وآراء

الإخوان.. تاريخ تسعين عاما لم يكتب بعد!!

عصام تليمة
1300x600
1300x600

في هذا الشهر، يمر على تأسيس جماعة الإخوان المسلمين تسعون عاما ميلاديا، ملأت فيه الجماعة الدنيا، وشغلت الناس، وتباينت الآراء فيها بين ناقم عليها وساخط، أو مغال في حبها، وبين متوسط في نظرته لها، يرى لها إيجابياتها وسلبياتها، شأنها شأن كل عمل يقوم به كيان بشري، قابل للصواب والخطأ.

لكن الملاحظ أن تاريخ الجماعة لم يكتب حتى الآن كتابة علمية مفصلة ومكتملة، وهو ما يعد من أكبر السلبيات التي مورست مع الجماعة من أبنائها، فكيف لجماعة بهذا الحجم أن تقصر في حفظ أدبياتها، وتدوين تاريخها؟ في وقت تخرج فيه الكتابات من هنا وهناك تتناول تاريخها، سواء جزئيا أو كليا بشكل يصيب أحيانا، ويتهجم في أكثرها، كان آخرها عمل درامي في مصر، وهو مسلسل (الجماعة)، وإن كان المسلسل في عدد من حلقات كان منصفا إلى درجة كبيرة، وكان متجنيا في أخرى.

ظهرت محاولات في تاريخ الإخوان من بعض أبنائها لكتابة هذا التاريخ، سواء في صورة رسائل جامعية أو كتابة فردية عن طريق مذكرات، مثل كتاب: (الإخوان المسلمون والمجتمع المصري) لمحمد شوقي زكي، وهي رسالة ماجستير، بينت دور الإخوان في المجتمع المصري، وهي تعد أول رسالة جامعية عن الإخوان. وكان من آخر الرسائل الجامعية التي نشرت عن الإخوان المسلمين هي رسالة دكتوراه لصديقنا الدكتور خليل العناني بعنوان: (داخل الإخوان المسلمين) وهي في الأصل باللغة الإنجليزية، ثم ترجمت ونشرت منذ شهرين، وبين الرسالتين صدرت رسائل وكتب لا حصر لها.

ناهيك طبعا عن الكتب التي تصدر بناء على رغبة أمنية، سواء في بلاد الغرب أو بلاد العرب، وكانت أول رسالة أو كتاب صدر عن الإخوان من الغربيين كتاب (الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة) لهيوارث دن، وهو رجل مخابرات إنجليزي، وقد نزل مصر سنة 1940 لدراسة الإخوان، أو لاختراقها، وظل عشر سنوات يدرس الإخوان، وفي عام 1950 صدر كتابه بالإنجليزية، وقد تعلم اللغة العربية لذلك، وتزوج بفنانة مصرية هي روحية خالد، والتي مثلت مع الفنان الشهير نجيب الريحاني فيلم (سلامة في خير)، والكتاب فيه أخطاء علمية وسوء تصور عن الإخوان في بعض المواقف، وهو ما يتضح للمدقق في تاريخ الإخوان.

وكان أقوى منه وأفضل إلى حد كبير كتاب ريتشارد ميشيل وهي رسالة جامعية أيضا في جامعة متشجان بأمريكا وعنوانها: (الإخوان المسلمون) وللكتاب طبعتان وترجمتان، أدقهما ترجمة د. محمود أبو السعود، التي علق عليها الأستاذ صالح أبو رقيق، وملأ هوامشها بحقائق تاريخية تصوب كثيرا من المواقف أو تضيف إليها، والطبعة الأخرى نشرت بعنوان: (أيديولوجية الإخوان المسلمين) نشرتها مكتبة مدبولي، وهي أقل علمية -من حيث الدقة والمراجعة- من سابقتها، والكتاب كتبه المؤلف بدأب شديد، وظل سنوات في مصر يتردد على الإخوان المسلمين، ويرجع للوثائق والمراجع بشكل مذهل، وكان يستعين ببعض النشرات الخاصة التي كان يصدرها الإخوان المسلمون، وطبيعي أن يكون قد أخذها من مصادره التي قابلها مقابلة مباشرة، وهو ما يحدث مع كثير من الباحثين عندما يطمئن إليه المتحدث، ويجد في بحثه جدة وإنصافا.

كل هذه الدراسات محاولات فردية لأفراد من خارج الإخوان المسلمين، رأوا فيها أهمية التناول والطرح، فضلا عن الرصد والتحليل، وللأسف لم تقم الجماعة بعمل جماعي علمي قائم على المنهجية التاريخية في الرصد والمقارنة والنقد يقدم تاريخا لكبرى الحركات الإسلامية المعاصرة، والتي امتد أثرها ووجودها لكثير من دول العالم العربي والإسلامي، بل والغربي، وهو ما يدعونا لمناقشة: لماذا لم يكتب الإخوان تاريخهم؟ وما المحاولات التي تمت؟ وما تقييمها علميا وتاريخيا ودعويا كذلك؟ وهي أسئلة تحتاج إلى أجوبة تفصيلية، لعلنا نجيب عنها، أو نتناول جوانب فكرية من هذه الجماعة وتاريخها في مقالاتنا القادمة إن شاء الله، بمناسبة مرور تسعين عاما على تأسيسها.

3
التعليقات (3)
المصري الأصيل
الإثنين، 19-03-2018 08:20 ص
الحقيقة أن إستدعاء تاريخ الجماعة أمر في غاية الأهمية ، فالواقعة التاريخية تشكل إضاءة كاشفة يمكن أن تكون مرشدة على الطريق ، والكتابة المطلوبة هنا ليست مجرد كتابة يوميات أو رصد حراك الجماعة وتفعلاتها بشكل زمني بصورة سردية متتابعة تركز على الحدث بمعزل عن المؤثرات والتفاعلات المتبادلة بين الفعل ورد الفعل ، فهذا النمط من الكتابة التأريخية قد لاتكون فائدتها كبيرة . المدخل الصحيح إلى التأريخ للجماعة يتم بالتركيزعلى المواقف المفصلية التي كانت تشكل نقاط غير قابلة للعبور إلى الضفة الأخرى لمواصلة المسار ، تلك المواقف التي شكلت صدمة حادة على الطريق . وأيضا تناول الجوانب المهمة التي تعكس مواطن الإعتبار التي تركز على ما كان وما كان يجب أن يكون لو تكرر نفس الحدث في سياق آخر . لايخفى على أحد أن التاريخ ذاكرة الشعوب والأمم ومن خلال إستيعاب دروسه كما يجب يمكن أن تخرج الأمة بوجه جديد وبوعى جديد . لقد سألت نفسي مرات ومرات عن السبب المهم أو الحاسم الذي يجعل الجماعة تتردد إلى هذه الدرجة أمام تناول تاريخها والإستفادة منه لتأسيس واقع أفضل ، هذا الموقف الغير سائغ محير و يطرح علامة أستفهام كبيرة . هناك جانب مهم يتعلق بحق التعلم وتحصيل المعرفة والخبرة التاريخية من قبل الأجيال الجديدة وهذا حق لايجب أن يحرموا منه . و أعتقد بأن هناك مواقف كثير يمكن أن الإستفادة منها بشكل كبيرفي هذا السياقة من العجيب أن لا تهتم الجماعة بتدوين تاريخها الذي يعد بمثابة الوثيقة المرجعية الرسمية التي تحوي المراحل والخطوات التي التي مرت بها ، والتي يمكن من خلال تتبعها بشكل منهجي وموضوعي أن تستنبط الكثير من القواعد والقوانين التي تحتاج إليها في واقعها . خلال الحقبة التاريخية للجماعة طفت على السطح كثير من الوقائع والأحداث التاريخية التي تطرح من قبل البعض بروايات مختلفة و رؤى متباينة ، وهذا يتطلب شيء من التدقيق والتحقيق والتوثيق من أجل التأكيد والتدليل على صحة الواقعة . وجود بعض الأخطاء وبعض الأسرار في أروقة الجماعة أمر طبيعى كما هو الحال في عالم البشر، ولا يعد ذلك سببا مقبولا في حجب مسار تاريخي مهم ومؤثر، و من حق الناس في الحقيقة أن يتعرفوا على هذه التجربة بكل مالها وما عليها وبكل سلبياتها وإيجابياتها برواية أهلها وأصحابها . الحقيقة أن إستدعاء تاريخ الجماعة أمر في غاية الأهمية ، فالواقعة التاريخية تشكل إضاءة كاشفة يمكن أن تكون مرشدة على الطريق ، والكتابة المطلوبة هنا ليست مجرد كتابة يوميات أو رصد حراك الجماعة وتفعلاتها بشكل زمني بصورة سردية متتابعة تركز على الحدث بمعزل عن المؤثرات والتفاعلات المتبادلة بين الفعل ورد الفعل ، فهذا النمط من الكتابة التأريخية قد لاتكون فائدتها كبيرة . المدخل الصحيح إلى التأريخ للجماعة يتم بالتركيزعلى المواقف المفصلية التي كانت تشكل نقاط غير قابلة للعبور إلى الضفة الأخرى لمواصلة المسار ، تلك المواقف التي شكلت صدمة حادة على الطريق . وأيضا تناول الجوانب المهمة التي تعكس مواطن الإعتبار التي تركز على ما كان وما كان يجب أن يكون لو تكرر نفس الحدث في سياق آخر . لايخفى على أحد أن التاريخ ذاكرة الشعوب والأمم ومن خلال إستيعاب دروسه كما يجب يمكن أن تخرج الأمة بوجه جديد وبوعى جديد . لقد سألت نفسي مرات ومرات عن السبب المهم أو الحاسم الذي يجعل الجماعة تتردد إلى هذه الدرجة أمام تناول تاريخها والإستفادة منه لتأسيس واقع أفضل ، هذا الموقف الغير سائغ محير و يطرح علامة أستفهام كبيرة . هناك جانب مهم يتعلق بحق التعلم وتحصيل المعرفة والخبرة التاريخية من قبل الأجيال الجديدة وهذا حق لايجب أن يحرموا منه . و أعتقد بأن هناك مواقف كثير يمكن أن الإستفادة منها بشكل كبيرفي هذا السياقة من العجيب أن لا تهتم الجماعة بتدوين تاريخها الذي يعد بمثابة الوثيقة المرجعية الرسمية التي تحوي المراحل والخطوات التي التي مرت بها ، والتي يمكن من خلال تتبعها بشكل منهجي وموضوعي أن تستنبط الكثير من القواعد والقوانين التي تحتاج إليها في واقعها . خلال الحقبة التاريخية للجماعة طفت على السطح كثير من الوقائع والأحداث التاريخية التي تطرح من قبل البعض بروايات مختلفة و رؤى متباينة ، وهذا يتطلب شيء من التدقيق والتحقيق والتوثيق من أجل التأكيد والتدليل على صحة الواقعة . وجود بعض الأخطاء وبعض الأسرار في أروقة الجماعة أمر طبيعى كما هو الحال في عالم البشر، ولا يعد ذلك سببا مقبولا في حجب مسار تاريخي مهم ومؤثر، و من حق الناس في الحقيقة أن يتعرفوا على هذه التجربة بكل مالها وما عليها وبكل سلبياتها وإيجابياتها برواية أهلها وأصحابها .
جمال ابو أنفال
الأحد، 18-03-2018 03:27 م
شكرا لك دكتور على المقال و اتساؤلكم المشروع جدا،فاقول ربما انشغال الجماعة بأمور كثيرة في وقت واحد و :كتحملها الوجداني و الأخلاقي مسؤولية العالم الاسلامي بتعقيداته و أزماته ثم لطغيان عقيدة نكران الذات و التواضع ، و ربما روح التكتم التي صاحبها الخوف من النقد الذاتي كل هذا في مجمله اقول ربما جعل الجماعة لا تفكر في الكتابة الأكاديمية فكانت كل الكتابات عبارة عن شبه ردود افعال و دفاع عن الجماعة ضد ما كتب عنها بغير عدل و انصاف فلم تكن دراسات أكاديمية هادفة.لكن حان الوقت كما تفضلتم للتفكير بالكتابة عن الجماعة و انجازاتها على الخصوص و اسباب انتكاساتها الداخلية و الخارجية.حتى بعد 25 يناير.
مصري جدا
الجمعة، 16-03-2018 12:39 م
لا ادري هل حضرتك اطلعت ام لا على اصدارات لجنة التاريخ بالجماعة والتي كان يترآسها الاستاذ جمعه امين رحمه الله وقد صدر منها على ما اذكر 6 مجلدات ،،، الكثيرون جدا كتبوا عن الجماعة المجلدات والابحاث والدراسات والكتب والمقالات بين مؤيد ومعارض ومتخفظ و المكتبة العربية والغربية بها كتابات كثيرة في هذا الشآن ،،،، واتصور ان الاكثر فائدة وواقعية لمن اراد ان يكتب عن الاخوان في هذه المرحلة ،، ان يكتب عن الجماعة في مجالات ترميم الماضي القريب واصلاح الحاضر وبناء المستقبل ،،، لانه اكثر افادة للجماعة وللحركة الاسلامية وللاوطان العربية خاصة بعد ثورة 25 يناير وما صاحبها من مواقف ومشاهد حتى الانقلاب العسكري وكيف تعاملت الجماعة معه ،، وما تعرضت له الجماعة من ازمات داخلية وخارجية ،،، وكيف يتم تطوير الجماعة لتناسب احتياجات الحاضر وطموحات المستقبل حبا لها واشفاقا عليها لان القاعدة تقول من لا يتقدم يتقادم ،،،

خبر عاجل