كتاب عربي 21

ماذا دهاهم.. ولم الله ابتلاهم؟

جعفر عباس
1300x600
1300x600
ما بين عامي 1975 و1998 قام الطبيب البريطاني هارولد شيبمان بقتل ما بين 215 و260 من مرضاه، حسب تقديرات الشرطة والمدعي العام الجنائي، وكان من الممكن أن يستمر في ممارسة الإبادة لزوار عيادته، ما لم يتم الكشف عن طريق المصادفة، عن قيامه بتزوير وصية ضحيته كاثليس غروندي، بحيث تؤول إليه ثروتها (386000 جنيه إسترليني). 

ونال أحكاما عدة بالسجن المؤبد، ولأن شيبمان أدرك أنه يستحق الإعدام على جرائمه تلك، فقد نفذ حكم الإعدام على نفسه، بأن انتحر في سجنه عام 2004.

في عام 2012 قام الأمريكي آدم لانزا، البالغ من العمر عشرين سنة، بقتل أمه، ثم توجه إلى مدرسة ساندي هوك الابتدائية، في مدينة نيوتاون في ولاية كنيكتيكت، وقتل فيها 26 شخصا ما بين تلميذ ومدرس، ثم نفذ حكم الإعدام على نفسه.

في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 1991، دخل الأمريكي جورج هينارد مطعما في مدينة كيلين وأردى بالرصاص 22 شخصا، ثم لحق بهم بطلقة على رأسه.

أما إسرائيل كييز سفاح ولاية ألاسكا، فقد اعترف أمام المحكمة بأنه قتل 35 امرأة، بعد أن فشل الادعاء في إثبات أنه قتل أكثر من مائة امرأة، ونجح كييز هذا في الفرار من السجن مرتين، وفي كل منهما قتل بضعة نساء، ثم خضع للمحاكمة، وتم إعدامه بالكرسي الكهربائي.

ضابط الشرطة الأوكراني السابق أندريه رومانوفيتش تشكاتيلو، اعترف أمام المحكمة أنه ما بين 1978 و1990 قام بالاعتداء على 56 امرأة ثم تقطيع جثثهن، وتشويهها بحيث يصعب التعرف عليهن، وتم –بحمد الله– إعدامه شنقا.

وما بين عامي 1972 و1978 قام الأمريكي جون وأين غريسي بقتل 33 مراهقا وشابا في شيكاغو، وكان يستدرج ضحاياه بأن يقوم بدور المهرج في حفلات أعياد الميلاد، ثم اصطحابهم الى أماكن غير مأهولة للاعتداء عليهم جنسيا، ثم قتلهم ضربا بالفؤوس، وقتلته حكومة الولاية بالصعق الكهربائي.

سامحوني فما زال في جعبتي الكثير المثير المقزز، ولكن ليس غايتي من سرد هذه الحكايات التي يقشعر لها بدن الضبع، أن أقْرِف عيشتكم التي هي أصلا مقرفة بفعل فاعل تقديره هو.

بالعكس، أريد منكم أن تحسوا وتدركوا أنكم في "نعمة"، وأن تقولوا "الشر بره وبعيد"، فالجزء الذي يخصنا من العالم، على بؤس الأحوال العامة، فيه ليس فيه من يمارسون القتل والاغتصاب الجماعي ك"هواية"، فالكلمة من "هوى/ يهوى"، وتعني عندنا "عشق /يعشق" بالمعنى الحميد الحميم للكلمة، وحتى الهواية تعني ممارسة بريئة ومشروعة لتزجية الوقت في أمر تهواه النفس ولا يضر الآخرين.

بلداننا لم تعرف قط مجرمين يحترفون قتل الناس "من طرف" في غير معارك مكشوفة، ولا تعرف الجريمة المنظمة، بمعنى العصابات التي تقتل، وهي تتنافس على سوق المخدرات والقمار والدعارة.

في أمريكا الوسطى واللاتينية –وبالتحديد في المكسيك وكولومبيا- يمارس تجار المخدرات عمليات الإعدام الجماعية لمنافسيهم، ولمن يحاربونهم من رجال القانون، وتبارى رؤساء أمريكيون متعاقبون لتغذية عنف الشرطة في البلدين ضد تجار المخدرات، بل وأرسلوا قوات خاصة إلى تلك البلدان، لتشارك في عمليات القتال ضد عصابات المخدرات.

الغريب في الأمر، أن جميع إنتاج أمريكا اللاتينية من المخدرات مرغوب فيه في السوق الأمريكية. مدمنو العقاقير الطبية التي تسبب الخدر والنوم والفرفشة وتباع في الصيدليات، يفوق 20 مليون مواطنين أمريكيين، ولك أن تقيس على ذلك عدد من يدمنون الماريوانا والكوكايين والهيرويين والاكستاسي والأمفيتامينات.

في عام 2103 كان عائد تجارة المخدرات الداخلية في الولايات المتحدة، بحسب تقديرات مكتب التحقيقات الفيدرالي، مئة بليون (بالباء) دولار، ما يعني أن العلة تكمُن في الداخل الأمريكي. 

ولكن أمريكا تتصرف بعقلية الأم التي ذهبت الى مدرسة بنتها وقالت له: لا حاجة بكم لضرب بنتي إذا أخطأت في أمر ما، فلو ضربتم البنت التي تجلس بالقرب منها فإن ذلك سيكون رادعا لها.

ومن الثابت في أضابير القضاء والإعلام الأمريكي، أن عناصر في سلطات الأمن الأمريكية ضالعة في نشاط عصابات المخدرات بتوفير الحماية لها، ولك أن تتساءل لماذا نجحت المافيا الإيطالية في السيطرة على مفاصل أنشطة اقتصادية كثيرة في الولايات المتحدة، مع إفلات الكثيرين من قياداتها من المساءلة والمحاسبة لولا تلك الحماية؟

بل إن الحكومة الأمريكية المركزية كانت ضالعة في تجارة المخدرات، لتزويد عملائها الذين كانوا يحملون اسم الكونترا، الذين كانوا يناهضون حكومة ثوار الساندينستا اليسارية بالمال، خلال الصفقة الفضيحة "إيران- غيت".

وكما هو معلوم، ففي عام 1985 رتبت حكومة الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريغان الأمر، بحيث توفر هي لإسرائيل السلاح، لتتولى الأخيرة بيعه لإيران، لتستخدمه في حربها ضد العراق، ليتم توريد قيمة السلاح في خزائن الكونترا، التي لم تكن تجارة المخدرات تكفي لإشباع جشع قياداتها، التي شبعت من المال، ولم تفلح في سداد المقابل الذي أراده الأمريكان، وهو إسقاط حكومة الساندينستا.

وما زال الساندينستا يمدون لسانهم لواشنطن، لأن الرجل الذي أرادوا الإطاحة بحكومته، في ثمانينيات القرن الماضي، (دانييل أورتيغا) هو رئيس نيكاراغوا اليوم، عبر صناديق الانتخابات، وليس عبر فوهة البندقية.

أعود إلى التساؤل الوارد في عنوان مقالي، وأعترف بأنني لا أعرف ماذا دهى الأمريكان ومنهم المبدعون والمخترعون والمفكرون الشوامخ القامات، كي يصبحوا بئس أمة في مجال احترام القانون؟ ما يحيرني أكثر هو أن الأمريكان يتكلمون عن المسيح عليه السلام ورسالته وكأنه خصَّهم بها.

وبالتأكيد، فإنني لا أستطيع الرجم بالغيب لأجيب على التساؤل: لماذا ابتلاهم الله بكل تلك الأدواء؟ ولكنني أتفكّر في كيف يفوز رجل أخرق أحمق مثل دونالد أبو جهل ترامب بكرسي الرئاسة في بلد كالولايات المتحدة ثم أقول لنفسي "كما تكونوا يولى عليكم".
التعليقات (1)
اينشتاين
السبت، 17-03-2018 08:51 م
أهم ما نخرج به من مقاربتك السيد عباس ، أن أهم مادة متوفرة في السوق من دون مقابل ولا قيود جمركية ، هو ما ذكرت بخصوص احتضان الأمريكيين لأم الجرائم ، لماذا لا تهتم النخبة عندنا من مواقعها على إعادة " الإرهاب " كمفهوم وكممارسة" إلى رحمه ومنبته من باب إذا عرفت السبب بطل العجب .