بورتريه

بومبيو.. انتصار اليمين المتطرف ومعشوق "تل أبيب" (بورتريه)

أمريكا  إسرائيل  بومبيو  ترامب  بورتريه
أمريكا إسرائيل بومبيو ترامب بورتريه
مصاب بهوس "الإسلاموفوبيا"، وكثيرا ما أطلق تصريحات معادية للمسلمين في الولايات المتحدة، ولم يكتف بتصريحاته تلك، بل جمع حوله العديد من الشخصيات المعروفة بعدائها للمنظمات الإسلامية في الولايات المتحدة.

تصبغ سيرته الذاتية باللونين الأبيض والأسود، دون مناطق رمادية، ما يعني أننا أمام دبلوماسية قاسية وإقصائية، متطرفة وغير مرنة، وهو بذلك يتفق ويلتقي مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تعاطيه مع القضايا المفصلية: إيران وكوريا الشمالية وروسيا والقدس.

يعد من أكثر المؤيدين لـ"إسرائيل" في حاشية ترامب.

قضى نحو عام في رئاسة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، وحصل من خلالها على ثقة ترامب عبر تقديمه الموجزات الاستخباراتية اليومية، ودعمه نهجه السياسي.

تفادى بدهاء وبراغماتية أي صدام مع ترامب الذي أصر على أن روسيا لم تعمل على دعم انتخابه في الانتخابات الرئاسية، رغم أن هذا ما خلصت إليه "سي آي إيه"، في محاولة لإرضاء ترامب المتقلب المزاج والهوائي والمنفعل دائما، وفق ما يصفه الأمريكيون.

كان صعود مايك بومبيو، المولود في عام 1963 في مدينة أورنج في ولاية كاليفورنيا، سريعا، واعتمد في مسيرته المهنية إلى حد كبير على الفرص السياسية التي أوصلته في النهاية إلى بوابة ترامب.

خلفية عسكرية

التحق بومبيو بالأكاديمية العسكرية الأمريكية في "ويست بوينت"، التي تخرج منها متفوقا على دفعته الدراسية في عام 1986، بتخصص الهندسة..

ليلتحق بعد ذلك بالجيش الأمريكي، حيث خدم ضابطا في فرقة مدرعة حتى عام 1991، وكان يعمل خلال الحرب الباردة في الدوريات التي حرست جدار برلين، وخدم في حرب الخليج عام 1991 لإخراج الجيش العراقي من الكويت. 

كما أنه خدم في الأكاديمية لخمس سنوات، دون أن يخوض قتالا، ثم غادرها ليلتحق بكلية "هارفرد للحقوق".

أسس لاحقا شركة هندسية، وضمن دعم ومساندة الأخوين المحافظين كوش، المليارديرين في صناعة النفط وواسعي النفوذ في "الحزب الجمهوري".

ونجح في دخول "الكونغرس"، حيث اعتبر عدد من التشريعات المرتبطة بالطاقة، التي دعمها بومبيو في سنواته الأولى في "الكونغرس"، مناسبة ومثالية جدا لعائلة كوش ونوعا من رد الجميل.

وانتقل بومبيو سريعا للجنة الاستخبارات في "الكونغرس"، وطيلة مسيرته في "الكونغرس" منذ عام 2011 وحتى عام 2017 تمكن بوصفه مراقبا لعمل "سي آي أيه" والوكالات الأمنية الأخرى من الاطلاع على أدق أسرار البلاد.

لكن شهرته المهنية جاءت من خلال اللجنة الخاصة التي شكلها الجمهوريون للتحقيق في الهجوم  الذي أدى إلى مقتل السفير الأمريكي وثلاثة أمريكيين آخرين في القنصلية الأمريكية في بنغازي بليبيا في عام 2012.

وجعلته اللجنة صوتا معارضا قاسيا ضد المرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون، التي حملها الجمهوريون حينها مسؤولية مقتل الأمريكيين الأربعة.

منصبه في "سي آي إيه"

وخلال توليه منصبه مديرا لـ"سي آي إيه"، في كانون الثاني/ يناير عام 2017، طابق بومبيو بلهجته تصريحات ترامب بشكل كامل.

وقال بومبيو: "كي تكون وكالة الاستخبارات المركزية ناجحة، يجب أن تكون هجومية وقاسية، وأن تعمل من دون رحمة وبلا هوادة".

وسبق أن مازح حول اغتيال زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، ما أثار مخاوف حول عودة الوكالة لنزعة تدعم اغتيال الزعماء المعادين لواشنطن.

وحاز بومبيو على ثقة ترامب في الموجزات اليومية للأمن القومي، حيث تكيف مع عزوف ترامب عن قراءة التقارير الطويلة عبر تحضير المعلومات الاستخباراتية في رسوم بيانية مبسطة حول المخاطر والتهديدات الدولية.

وتوج انحيازه لترامب بحصوله على المنصب الأكثر تأثيرا في الإدارة الأمريكية، منصب وزير الخارجية، وأشار الرئيس الأمريكي بوضوح إلى أن بومبيو أقرب منه بشكل ملموس من ريكس تيلرسون من حيث وجهات النظر في السياسة. 

وقال: "كنا نفكر مع تيلرسون بطريقتين مختلفتين، فيما نفكر بالأسلوب ذاته مع بومبيو، ونتعامل مع بعضنا بعضا بشكل جيد منذ الدقيقة الأولى".

ولفت ترامب، في بيان رسمي، إلى أنه "فخور" بتعيين بومبيو وزيرا للخارجية، مضيفا أن "خبرته في الجيش والكونغرس وإدارة وكالة الاستخبارات المركزية هيأته لتولي هذا الدور الجديد".

ودعا إلى التثبيت السريع لترشيح بومبيو في هذا المنصب، الأمر الذي يدخل ضمن مسؤولية "مجلس الشيوخ" الأمريكي.

من جانبه، أكد بومبيو، في أول تعليق رسمي له على هذا التعيين، دعمه للنهج الذي يتبعه ترامب في ما يخص كلا من القضايا الداخلية والخارجية، وقال إن "الولايات المتحدة أصبحت تحت قيادته أكثر أمانة وأتطلع إلى تمثيله وتمثيل الشعب الأمريكي في العالم من أجل ازدهار أمريكا اللاحق".

"معشوق" الإسرائيليين

ووضع محللون قوائم بالمستفيدين من تعيين بومبيو مكان تيلرسون، ضمت هذه القوائم دولا عربية من بينها الإمارات العربية المتحدة ومصر، وقد تركت إقالة تيلرسون أصداءها الإيجابية في "إسرائيل". 

وقالت صحيفة "هآرتس" إن "أحدا في تل أبيب لن يذرف دمعة على رحيل تيلرسون، الشخصية المنفرة لدى الإسرائيليين، مع قدوم الصديق الحميم لإسرائيل مايك بومبيو".

وأوضحت أن "احتفال إسرائيل بإقالة تيلرسون تأتي في وقت كان فيه متحمسا للاتفاق النووي مع إيران، فيما يعدّ بومبيو شريكا لمطالب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في ضرورة تعديل هذا الاتفاق، أو إلغائه من الأساس".

وقال بومبيو في وقت سابق، إنه "خلال ألفي طلعة جوية يمكن تدمير القدرات النووية الإيرانية، وهذه مهمة ليست مستحيلة لقوات التحالف، ولذلك فإنه بصدد اتخاذ عدة خطوات تجاه الاتفاق النووي، أو الابتعاد عنه كليا".

ويعد بومبيو من أكثر الداعمين لـ"إسرائيل"، و نقلت صحيفة "معاريف" عن نائب الوزير الإسرائيلي مايكل أورن، السفير السابق في واشنطن، قوله: "إن بومبيو ودود جدا تجاه الإسرائيليين، ولا يتأثر في طريقة عمله ببعض العناصر العربية الموجودة في وزارة الخارجية الأمريكية، وهذا الأمر إيجابي لصالح إسرائيل، كونه متحمسا لها".

وقال رئيس التحالف اليهودي الجمهوري مات بركس، إنه في كل المواقع التي شغلها بومبيو في المؤسسات الأمريكية الرسمية "كان صديقا لليهود الأمريكيين، وقريبا جدا من إسرائيل، ومعارضا شديدا للاتفاق النووي الإيراني، ما يظهر أخذه بعين الاعتبار المصالح الإسرائيلية، وما يجعلنا نشعر بالفخر تجاهه، ونحن سندعمه".

عداوته لروسيا

ووجه مرارا انتقادات حادة لروسيا واصفا إياها بالتهديد للولايات المتحدة، وقائلا إنها "تسعى لاستعادة مواقعها السياسية في العالم بشكل عدواني". 

وفي ما يتعلق بالصين يرى أنها "تشكل تهديدا أكبر" من روسيا على الولايات المتحدة والغرب من حيث أنشطة التجسس ضد البلدان الأخرى لخلق تأثير ضدها.

وساند بومبيو ما تقوم به الحكومة الأمريكية من جمع شامل للبيانات الخاصة باتصالات الأمريكيين، ودعا في مقال للرأي نشر عام 2016 إلى العودة إلى جمع البيانات الوصفية للمكالمات الهاتفية المحلية وضمها إلى معلومات مالية وأخرى متعلقة بأسلوب الحياة في قاعدة بيانات واحدة يمكن البحث فيها.

كما أنه من معارضي إغلاق معتقل "غوانتانامو"، فبعد زيارته للمعتقل عام 2013، قال: "إن بعض المساجين الذين أعلنوا إضرابا عن الطعام قد زاد وزنهم".

ودافع عن الاستخبارات الأمريكية بعد صدور تقرير لمجلس الشيوخ الأمريكي حول التعذيب، وقال: "إن القائمين على المعتقل من رجل ونساء ليسوا جلادين وإنما وطنيون، ويتصرفون في إطار القانون والدستور".

ويتهم بومبيو بـ"الإسلاموفوبيا" بعد تصريحاته عقب هجمات ماراثون بوسطن عام 2013. وكان قد صرح بأن بعض رجال الدين الإسلامي "شجعوا على الهجمات الإرهابية".

وقال بومبيو: "عندما تكون أغلب الهجمات الإرهابية المدمرة التي تعرضت لها أمريكا في الـ20 عاما الأخيرة من أناس يعتنقون دينا معينا، وقاموا بالهجمات باسم ذلك الدين، فإن هناك التزاما خاصا يقع على الزعماء الروحيين لذلك الدين. وبدلا من أن يردوا على تلك الأفعال فإن صمت تلك القيادات الإسلامية في أنحاء أمريكا يجعلهم ضمنا متواطئين".

مواقفه من سوريا

وأيد بومبيو الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، في ضرب سوريا.

ونقلت صحف أمريكية عن بومبيو قوله، إن ترامب "لن يتسامح مع استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية، ولديه استعداد كامل للرد".

وأضاف: "نحن في الوقت الحالي نبحث في مزاعم استخدام الكيماوي في الغوطة، والجهة المسؤولة عن هذا الأمر فيما إذا كان الأسد أم روسيا أم إيران"، مؤكدا أن المسؤول عن استخدامها "سيتلقى ردا يناسب الضرر الذي أحدثه".

وتكررت مواقف الوزير الجديد الرافضة لسياسة الأسد في سوريا، وكانت أبرز تصريحاته حول ذلك، خلال حوار استضافه "معهد آسبن للأمن"، العام الماضي.

وقال إن "آخر شيء سمعته من الوزير تيلرسون، هو أن الأسد ليس عنصر استقرار في سوريا"، مردفا بأنه "من ناحية استخباراتية وليس سياسية، يمكنني القول إنه من الصعب تخيل سوريا مستقرة ببقاء الأسد، لأنه دمية في أيدي الإيرانيين، وبقاؤه لا يخدم مصلحة أمريكا".

وفي ما يتعلق بالملف الليبي طرح قرار ترامب، تعيين بومبيو، تكهنات حول تعاطي الأخير مع الملف الليبي وعلاقته به.

ويأتي ارتباط اسم بومبيو بالملف الليبي، لأنه كان أحد أعضاء اللجنة المكلفة بالتحقيق في الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي عام 2012، الذي أودى بحياة السفير الأمريكي، كريستوفر ستيفنز، وثلاثة أمريكيين وقتها.

ويعد بومبيو من المؤيدين بشدة للانفتاح على النظام في مصر، ما قد يؤدي إلى اهتمام أكبر بالملف الليبي والتعاطي معه من وجهة نظر مصرية، بخلاف تيلرسون الذي استطاع إقناع مصر بدعم الانتخابات الليبية والاتفاق السياسي والحل السلمي في البلاد.

ورأى مراقبون أن المعلومات الواردة حتى الآن عن بومبيو، تدل على تشدده في موضوع التسليح وهو ما قد يجعله يميل أكثر لدعم النظام العسكري في الشرق الليبي بقيادة اللواء المتقاعد، خليفة حفتر.

وتقول الكاتبة روبين رايت في "ذي نيويوركر": "كان واضحا أن بومبيو يريد هذا المنصب، فوجوده في وكالة الاستخبارات المركزية لا يسمح له بتقديم توصيات سياسية، مع أنه اقترب من ذلك مرارا في العلن، كما أن ترامب استشاره سرا".

وفي جميع الأحوال فإن "بومبيو يريد تعزيز أجندة الرئيس" بحسب صحيفة "فايننشال تايمز".

وفي الوقت الذي يتفق فيه ترامب وبومبيو على السياسة الأمريكية تجاه إيران وكوريا الشمالية، إلا أن هناك منطقة اختلاف محتملة وهي روسيا، إذ إن ترامب يُنظر إليه على نطاق واسع بأنه لين مع موسكو، لكن بومبيو كان عدوانيا.

وفي وقت سابق من هذا العام قال إن "هذه الإدارة تدرك تماما أننا بحاجة إلى مواصلة الضغط ضد الروس أينما نجدهم". لكن ليس من الواضح كيف ستترجم وجهات نظره حول روسيا لخطة عمل.

القضايا العربية والخليج

ويتفق بومبيو مع ترامب في القضايا العربية وفي الخلاف الخليجي، وربما يأخذ موقفا محاديا أو أقرب للموقف الإماراتي على خلاف تيلرسون الذي كان يميل نحو قطر أكثر مشددا على لغة الحوار في الأزمة الخليجية.

ويتوقع أنصار بومبيو أنه سيدير دفة الأمور بذكاء ودهاء، وعلى حد قول مسؤول بالإدارة الأمريكية: "لا بأس أن تختلف مع الرئيس إذا كنت جيدا في عملك".

وينقل عن السفير الأمريكي ريتشارد باوتشر، الدبلوماسي المحترف، الذي عمل متحدثا رسميا لثلاثة وزراء خارجية من كلا الحزبين، قوله: "بومبيو ليس تيلرسون، لكنه قد يصبح كذلك يوما ما إذا بقي الرئيس يناقص على وزير خارجيته".

تعيين بومبيو لا يزال يواجه انتقادا من أطراف عدة، حيث يظهر أن ترامب يزيد من قبضة الصقور على البيت الأبيض، ويقول رئيس مؤسسة "بلاوشيرز فند"، جوزيف سرنسياني: "يقوم ترامب بالتدمير الممنهج لمعسكر المعتدلين في إدارته، ويتحرك بثبات باتجاه اليمين المتطرف بجنون".
التعليقات (0)