كتاب عربي 21

فلنتفق على "ما لا" نريد

عبد الرحمن يوسف
1300x600
1300x600
تجارب التحول الديمقراطي في العصر الحديث فيها كثير من المفارقات الملفتة، مفارقات تكاد تكون قاسما مشتركا بين غالبية هذه التجارب.

الأصل في تجارب التحول الديمقراطي أن يتفق غالبية الناس (ممثلين في التيارات السياسية بشتى جماعاتها وقياداتها ورموزها) على ما يريدونه من إيجابيات في النظام الديمقراطي. أي أن يتفق الناس على ضرورة تحقق الحرية، والفصل بين السلطات، والعدل، وتكافؤ الفرص، واستقلال القضاء، وتوزيع الثروات، وحرية التعبير، وغير ذلك من مظاهر الحكم الديمقراطي الرشيد.

ولكن في بعض الأحيان، وبسبب شدة الاستقطاب السياسي بين مكونات المجتمع، وبسبب الأعمال التي يقوم بها النظام الحاكم لكي يستمر هذا الخلاف بين المعارضين، تلجأ المعارضة (الرشيدة) إلى أسلوب آخر لخلق حالة التوافق التي تقويهم ضد الاستبداد.

إنها محاولة لتفكيك حالة الطغيان، وتخليق حالة الاصطفاف، لقد لجأت المعارضة في بعض من تجارب التحول الديمقراطي إلى ما يمكن تسميته: "الاتفاق على ما لا نريد"!

فبدلا من الاتفاق على تحقيق المعاني الإيجابية الناتجة عن الديمقراطية في أرض الواقع، يتم تجميع المعارضة على أساس أنهم متفقون على ضرورة منع الاعتقالات، والقضاء على الاختفاء القسري، وإغلاق السجون، وإيقاف القتل خارج إطار القانون، ووقف سجن الصحفيين دون حق، وعلى تجريم محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية... وغير ذلك من المعاني السلبية التي يعيش فيها جميع المعارضين تحت حكم الاستبداد.

***

ما سبب اللجوء لهذا الأسلوب في توحيد المعارضة؟

هناك أسباب كثيرة، ولكن أهمها سببان:

الأول: الخلافات الأيديولوجية بين تيارات المعارضة

فهناك تيار يرى أن الحكم الرشيد لا بد أن يكون اشتراكيا يقوم بتوزيع الثروات بين الناس، بعد تأميم موارد الإنتاج وأدواته، بينما النصف الآخر في المعارضة يرى العكس تماما، فالدولة تشرف من بعيد فقط، أما الأسواق فلا بد أن تفتح للعرض والطلب.

هذا في الجانب الاقتصادي، ولا شك أن كل تيار من هذين التيارين سيكون له سلوك مختلف تمام الاختلاف في مسائل العلاقات والتحالفات الخارجية، وإدارة الشؤون الداخلية بمختلف تفاصيلها، من التعليم إلى الصحة، إلى الضرائب، إلى أسلوب إدارة كافة المرافق والخدمات.

وهذا الخلاف يشبه الخلاف الدائر في بلادنا بين الإسلاميين، وبين تيارات أخرى ليبرالية، أو اشتراكية، فلكل منها وجهة نظر مختلفة (نظريا) عن الآخر، (لا يفوتني أن أنوه إلى أن بعض التيارات السياسية قد أصبحت مجرد معكوس لتيارات الإسلام السياسي).

السبب الثاني: الثأر!

في بعض الأحيان تؤدي الخلافات السياسية إلى أحداث تخلق ثأرا بين التيارات السياسية، بسبب تصرفات ينتج عنها دماء، وأموال، وأعراض. وهذا يحدث دائما في حالات السيولية، وفترات التحول، ودائما ما يستغل النظام هذا النوع من الثأرات بين مكونات المعارضة، لكي يبقى الاستبداد جاثما على صدر الجميع.

في هذه الحالات يصعب توحيد المعارضة على المعاني (الإيجابية) التي تنتجها الديمقراطية، ويصبح التصرف العملي لتوحيد المعارضين هو أن يجمعوا على منع المعاني (السلبية) الناتجة عن الاستبداد.

***

ما شروط تحقق مثل هذا الاصطفاف الاستثنائي؟

لا بد في البداية من الاعتراف بصعوبة هذا النوع التوافق؛ لأن معناه الحقيقي أنه محاولة لتوحيد مجموعة مكونات متنافرة فكريا (من اليمين إلى اليسار)، كما أنها - في الغالب الأعم - تكره بعضها البعض، وكل منها يحمل ثأرا تجاه الآخر.

ما الذي يمكن أن يوحد هؤلاء؟

إنه الخطر المشترك (الدكتاتورية، الظلم، الاستبداد)... سمه ما شئت!

في حقيقة الأمر... الشرط الوحيد لتحقق هذا النوع من الاصطفاف هو أن تكون النخب السياسية على مستوى المسؤولية التاريخة الملقاة على عاتقها.

فمطلوب من هذه النخب أن تتعالى على خلافاتها، وأن تستحضر الخطر الداهم على الوطن، وأن تتنازل الأطراف المختلفة كل بقدر حجمه، وكل بقدر ما يستطيع، وأن تواجه محاولات إغوائها من قبل الدكتاتور الذي لا هم له سوى تفريق صفوف معارضيه، تارة بالعنف والوعيد، وتارة بالذهب والمناصب. وهم حين يفعلون ذلك لا يفعلونه من أجل الحرية والعدل والفصل بين السلطات... بل لحماية أنفسهم من القتل والسجن والتعذيب (المعاني السلبية كما شرحت سابقا).

***

هل يمكن أن تصل المعارضة العربية عامة، والمصرية خاصة، إلى مثل هذا المستوى من المسؤولية؟

في رأيي الشخصي، إن النخب السياسية المتصدرة حاليا في غالبية تجارب التحول الديمقراطي في الوطن العربي؛ ليست مؤهلة لتجاوز مثل هذا الاختبار السياسي الصعب.

ولكن إذا تحدثنا عن التجربة المصرية بالذات... فإنني أحب أن أنوه إلى أننا لا ينبغي أن نغفل وجود من يعتبرون صفا ثانيا من القيادات المؤهلة في الداخل والخارج، هذا الصف الثاني يتميز بميزتين أساسيتن، الأولى: أن غالبيتهم العظمى من الشباب (تحت الأربعين، وكثير منهم تحت الثلاثين).

والثانية: أنهم من جميع التيارات السياسية، وهم منفتحون على الآخر.

هذا الجيل من القيادات بعضه منفي في السجون، وبعضه مسجون في المنافي، وكلاهما على أهبة الاستعداد لتولي مسؤولية تاريخية في لحظة من أصعب اللحظات التي مرت على أوطاننا في تاريخنا كله.

إن مصر تمر اليوم بمنعطف خطير، يقتضي من كل السياسيين أن يصلوا إلى حل يؤدي إلى إسقاط هذا النظام الذي يشكل خطرا وجوديا على مصر، فإذا لم يكن هناك إمكانية أن نتفق على ما نريد... فلنفكر في الاتفاق على ما لا نريد!

موقع إلكتروني:  www.arahman.net
بريد إلكتروني:   [email protected]
التعليقات (2)
المصري الأصيل
الأربعاء، 28-03-2018 01:35 م
الحقيقة قد أعياني البحث و أعيتني الحيل وأنا أنظر في الأسباب التي تمنع عن الإجتماع ، وأتأمل في الطرائق والكيفيات المؤدية إلى التوافق بين من أصبح التوافق بالنسبة إليهم واجب الواجبات أو واجب الوقت الذي لايجب أن يغيب ـ هناك محفزات يمكن المراهنة عليها من أجل تذليل بعض العقبات أمام هذا الهدف الإستراتيجي الذي لايجب أن يقف أحد أمامه مترددا ، ففي مثل هذه المواقف الفاصلة لابد من الحسم ، فإما أن نكون أو لانكون ـ إبتداءا يمكن إفتراض وجود أعداد كبيرة من الفرقاء يمكن أن يتفاعلوا مع هذاالمخرج لأنهم يتفهموا ويعوا جيدا نتائج ومآلات الأوضاع القائمة الآن ، وبالتأكيد هم يستشعروا مدى ما يتعرض له كل فصيل الآن في ظل هذا النظام القائم بما لايقاس بالذي يمكن أن يتعرضوا له في المستقبل ظل أي وضع يمكن التوصل إليه بالتوافق الجماعي . ـ أقترح تكوين نواة نشطة من عدد من الأفراد والعناصرالأكثر وعيا بتحديات وإكراهات الواقع الملغوم الذي يمارس الإغتيال في حق الجميع . على أن تتكون من العناصر التي تنتمي لفصائل مختلفة و لديها فهم وقابلية وأنحياز نحو مسألة التوافق . هذا الفريق سوف يتولى مسؤولية التقريب بين الفصائل لإنجاز هذا الهدف. ـ مما يمكن أن يساهم في أن يجعل التوافق قابلا للتحقيق ، أن تتفق القوى السياسية الرئيسة التي سوف تتولى عملية تنشيط التقارب بين القوى المختلفة على رؤية أولية مستقبلية وتصور يحدد معالم ومحددات الشراكة في إدارة البلاد بالإستناد لقواعد جامعة تحدد الأسس والمنطلقات الرئيسة التي يجب المحافظة عليها من أجل العمل عل تحقيق الأهداف الجامعة . ـ يمكن هنا طرح فكرة التوافق المتدرج المتعدد . بمعني أن يتم التركيز الآن من أجل تحقيق توافق مرحلي بين الفصائل التي تتبنى أيديولوجيات مختلفة لمواجهة النظام الذي يتعامل مع الجميع بشكل عدائي حاد وليس لديه أي إستعداد للتفاهم مع أحد حتى مع الذين يتفقون معه جزئيا في كثير من الأمور ، هذا النظام لايفيد معه إلا المدافعة ، فعندما يتحقق هذا الهدف سوف يساعد هذا على فتح أفاق جديدة من الحوار من أجل الوصول الى مستويات متقدمة من التوافق للوصول لأهداف وخيارات جديدة على نفس المسار وهكذا . اذا أدركنا حجم المأزق الذي نعاني منه سنسعى بقوة إلى خيار التوافق لأننا لانملك غيره الآن ، وبالطبع لانريد أن نبدأ هذه العملية بوضع عراقيل تنسف كل شكل من أشكال التوافق والتعاون ، وهذا التواصل اذا كنا جادين سوف يكتب له الإستمرار، ولسوف يكون حاضرا في الأذهان أن هذه العملية لها ما بعدها ، وبطبيعة الحال سوف يتمسك كل فصيل بما يملي عليه إيديولوجيته من الرؤى والخيارات والأهداف قبل الإقدام عل هذه الخطوة ، واذا كان لامفر من الإقتراب من الأصول والمبادئ الكبرى التي تمس جوهر العقيدة والإيديولوجية لكل فصيل فإن هذا الإقتراب يجب أن يتم بشكل يراعي الخصوصيات ولا يقوض الجهود التي يمكن أن تبذل في هذا الإتجاه ، حتى لانهدم كل ما يمكن أن قابلا للتحقيق قبل أن نبدأ . ولا نحتاج هنا إلى مس القيم الجوهرية الكبرى لكل فصيل بشكل كبير، فعندما تصبح الساحة السياسية مفتوحة لمن يمكن أن يمثلوا الشعب بحق ، فإن مبدأ الإقتراع سوف يحسم هذه المعضلة بشكل سلمي بدون أي صدام ، دعونا نتجاوز عنق الزجاجة أولا ثم سوف نتمكن من تجاوز كل العقبات إن شاء الله .
مصري جدا
الأحد، 25-03-2018 03:50 م
قيادات الصف الاول من العسكر و الحركة المدنية والحركة الاسلامية ابناء جيل واحد وثقافة واحدة ،،، وهو جيل الاخفاقات وثقافة الاستحواذ واهدار كل الفرص ،،، لذا فمن الواقعية البحث عن بدائل في الصفوف التالية لكنها ستعاني للتقدم للامام لشغل المساحات والفرص وانتزاع الحقوق ،،، الصفوف التالية عليها اعباء نضالات مركبة داخل مربعاتها التنظيمية والفكرية اولا ثم نضالات المشهد العام ،، المهم قبول الفكرة والبداية المبكرة انقاذا لما تبقى من مصر ارضا وشعبا ومواردا