صحافة دولية

فورين بوليسي: ما سبب تناسي العرب لقضية فلسطين؟

فورين بوليسي: قبول عربي لإسرائيل على حساب القضية الفلسطينية- جيتي
فورين بوليسي: قبول عربي لإسرائيل على حساب القضية الفلسطينية- جيتي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لكل من مدير مركز كراون لدراسات الشرق في جامعة برانديز شاي فيلدمان، وتامار كوفمان ويتس من مركز سياسات الشرق الأوسط في معهد بروكينغز، يتساءلان فيه عن سبب التقارب العربي الإسرائيلي، وتناسي النظام العربي للقضية الفلسطينية، التي لم تعد كما كانت القضية المركزية التي توحد العرب في عدوانها ضد إسرائيل.

وجاءت ملاحظات الكاتبين في زيارة للسعودية والكويت، حيث قالا إنهما في لقاءاتهما مع مسؤولي هاتين الدولتين لم يسمعا كلمة القضية الفلسطينية إلا مرة واحدة، ولاحظا أن حب إسرائيل لا يتعلق فقط بتعاون النظام العربي مع إسرائيل ضد إيران، بل له أبعاد أخرى.

وعبر الباحثان في مقالهما، الذي ترجمته "عربي21"، عن دهشتهما من أن إسرائيل لم تعد مثيرة للجدل في العالم العربي، الأمر الذي وجداه مثيرا للدهشة، ففي مؤتمر نظمه مركز كراون في جامعة برانديز العام الماضي، "تساءل زميل عربي: متى سيعترف العرب بإسرائيل؟"، وأجاب: "عندما يكتشفون أنهم في حال أفضل مع إسرائيل أكثر مما لم تكن موجودة"، لافتين إلى أن المسؤولين الإسرائيليين والمحللين يحاولون الإشارة إلى أن عبارة "حال أفضل" تعني الأمن، ويزعمون أن التهديدات المشتركة النابعة من إيران والتطرف "الإسلامي" أصبحت أجندة جديدة تعمل على توحيد الدول العربية مع إسرائيل، و"عليه أصبحت إسرائيل جزءا من الحل العربي لمواجهة أعدائهم، والبحث عن نظام إقليمي جديد مريح للجميع".

ويعتقد الكاتبان أن الدول العربية لديها الكثير من الأسباب التي تجعلها تعتقد أن وضعها أفضل مع وجود إسرائيل في المنطقة، ويشيران هنا إلى تطورين مهمين، وهما: ثورة الطاقة التي حولت إسرائيل، ليس لدولة مكتفية ذاتيا فقط، لكنها مصدر لها أيضا، حيث يعد العقد الذي وقعته إسرائيل مع شركات مصرية بـ15 مليار دولار، ولمدة 10 أعوام، لتزويد مصر بالغاز الطبيعي مغيرا للعبة في السياسات الإسرائيلية العربية، وسيسمح الاتفاق لمصر بتحول الغاز الطبيعي إلى مسال وتصديره إلى أوروبا وأفريقيا، بشكل يخلق علاقة اقتصادية متداخلة بين عدوين سابقين. 

ويشير الباحثان إلى أن "هذا التطور ليس أهم من التعاون الاقتصادي والفرص الجديدة بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي، وهذا التعاون متجذر بالقوة التكنولوجية الإسرائيلية والاقتصاد الخلاق، وتتمتع دول الخليج بدعم إسرائيلي للدفاع عن نفسها ضد الإرهابيين، من خلال تكنولوجيا الرقابة والتشارك في المعلومات الأمنية". 

ويعلق الكاتبان قائلين:"تخيل إمكانيات التعاون التكنولوجي المدني في وقت تتحرك فيه دول الخليج لتنويع اقتصادياتها، بشكل كامل بعيدا عن موارد الغاز والنفط، إلى اقتصاديات تقوم على اقتصاد الخدمات والتكنولوجيا والمعرفة".

ويفيد الباحثان بأن "هناك عاملا آخر للتقارب العربي الإسرائيلي، هو تراجع اهتمام الحكومات العربية بالموضوع الفلسطيني، فرغم استمرار التزام الحكومات العربية بالقضية الفلسطينية، إلا أن هناك مظاهر تعب من كل ما هو فلسطيني؛ وهذا لأن عقودا من الدعم العربي للفلسطينيين لم تؤد إلا إلى ثمار قليلة، وأكثر من هذا هو فقدان الصبر من الوضع الفلسطيني والانقسامات المستمرة، ومحاولة الدول العربية وإيران استخدام الفصائل الفلسطينية أداة في طموحاتها الإقليمية، بالإضافة إلى الصراع المقبل بين القيادات الفلسطينية حول من سيخلف الرئيس محمود عباس، فالدول العربية منشغلة في تحقيق مصالحها الضيقة حول من سيفوز في الانتخابات أكثر من الدفاع عن القضية الفلسطينية ضد إسرائيل". 

ويعتقد الكاتبان أن "الأثر المتراكم لهذه العوامل هو تغير دراماتيكي في مواقف عدد كبير من الدول السنية، وهو تحول كبير من العداء الشامل لإسرائيل للقبول بوجودها في المنطقة كمصلحة لها، ويعتقد القادة الإسرائيليون، من بينهم الحكومة الحالية، أن هذا التغير يمنحهم يدا مطلقة لحل الصراع مع الفلسطينيين بطريقة محببة لإسرائيل".

 

ويستدرك الباحثان بأنه "رغم ما يحمله المناخ الجديد من إمكانيات لإسرائيل،  إلا أن هناك مدى لما يمكن أن تحققه العلاقة في ظل الانقسام بين الموقف الرسمي والشعبي، فالدول العربية، وإن باتت تركز على المشكلات الداخلية التي تواجهها وتتعامل مع القيادة الفلسطينية من منظور الساخر، إلا أن الرأي العام العربي لا يزال يهتم بالفلسطينيين، الذين يقدم الإعلام مأساتهم بشكل يومي، وفي الوقت الذي قيدت فيه الحكومات العربية حرية التعبير والمعارضة، إلا أن الربيع العربي عام 2011 ذكرها بمخاطر تجاهل الرأي العام". 

 

ويلفت الكاتبان إلى أنه "دليل على هذا الكويت، التي عاش فيها مئات الألاف من الفلسطينيين في العقود الماضية، وتم تهجيرهم جماعيا بعد وقوف منظمة التحرير إلى جانب صدام حسين عام 1990، إلا أن الكويت لا تزال تشرف على منظمة المقاطعة العربية لإسرائيل، ولا تزال القضية الفلسطينية حاضرة في ذهن الكويتيين، ويعد البرلمان العجلة التي يتم من خلالها تمرير هذه المشاعر، حيث الحركة الإسلامية والرموز السياسية". 

ويعلق الباحثان بالقول: "ليس مستغربا في هذه الحالة استمرار الكويت في ولائها للقضية الفلسطينية وبعدة طرق، مثل منع دخول الزوار الذي ترتبط جوازاتهم بإسرائيل، والإعلان عن نية فتح سفارة لها في الأراضي الفلسطينية هذا العام، وهذا هو الحال بالنسبة للسعودية، فرغم الإشارات على موقف القيادة الممتن من الدور الإسرائيلي لموازنة التأثير الإيراني في المنطقة، فالرأي العام والمشاعر الدينية هما السبب الذي يجعل الحكومة السعودية تتمسك بموقفها المشترط نهاية النزاع وتسوية القضية الفلسطينية مقابل التطبيع، وذلك بناء على المبادرة العربية عام 2002، وفي ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية، فإن هذا يظل مطلبا بعيد المدى". 

ويرى الكاتبان أن "الموقف الصامت على قرار الرئيس دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل هو علامة على ما حدث وما لم يحدث، فالطريقة التي امتصت فيها الحكومات العربية القرار كان من خلال التضامن مع القيادة الفلسطينية، والتأكيد على حق الفلسطينيين في القدس، وحققت إسرائيل نصرا رمزيا، إلا أنها لو حاولت قتل الطموحات الفلسطينية فإنها قد تواجه جبهة موحدة، وعليه فلو كانت إسرائيل حريصة على حسن نية الحكومات العربية فيجب أن تكون حساسة لمظاهر قلقها، خاصة أنها تواجه مواقف متناقضة من الرأي العام". 

ويجد الباحثان أن "المناخ الجديد لإسرائيل يمثل معضلة جديدة لم تكن تواجهها عندما كان العرب جميعا معادين لها، وتتعلق بموقفها من نقل التكنولوجيا المتقدمة للدول العربية، فمن الناحية التقليدية استخدمت إسرائيل مظاهر تأثيرها كلها على الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وكذلك الدول الأوروبية وروسيا؛ لمنعها من بيع السلاح المتقدم الذي يحرمها من التقدم النوعي إلى الدول العربية، بالإضافة إلى أنها عارضت نقل أي تكنولوجيا نووية حساسة لأي من الدول العربية". 

ويتساءل الكاتبان: "ماذا تفعل الآن بالسلاح الحساس الذي يباع لأصدقائها (الجدد)؟ وهل تتحمل إسرائيل المخاطر في المستقبل، في حال قررت هذه الدول مواجهتها؟ وتواجه إسرائيل المعضلة الآن من ناحية بيع ألمانيا غواصات لمصر".

وينوه الباحثان إلى أن "الخلافات بين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين ظهرت وسط تحقيقات جنائية وفساد تتعلق بعلاقة إسرائيل بالمنتج الألماني للغواصات، فيما تمثل رغبة السعودية الحصول على التكنولوجيا موضوعا مزعجا لإسرائيل؛ لأنها غير مرتاحة من حصول السعودية على هذه القدرات".

ويختم الكاتبان مقالهما بالقول إن "الشرق الأوسط الذي يعيش حالة من الفوضى خلق حالة من الأصدقاء الأعداء، وبالنسبة لإسرائيل، التي تعيش عزلة إقليمية منذ 70 عاما، فإن الإمكانيات مفرحة، إلا أن الآفاق الجديدة يجب ألا تعمي قادة إسرائيل أو الرأي العام الإسرائيلي عن الخيارات الصعبة في الأشهر والسنوات المقبلة". 

التعليقات (0)