مقالات مختارة

مبادرة أحمد سعدات المهمة

محمد عايش
1300x600
1300x600

رسالة بالغة الأهمية بعث بها الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أحمد سعدات، من داخل سجنه الإسرائيلي، وهي مقال نشرته مجلة الدراسات الفلسطينية الصادرة من بيروت في مقدمة عددها الأخير، وهي الرسالة التي يبدو أنها جوبهت بتعتيم وتجاهل متعمد بسبب كونها -على الأغلب- غير مرضية لكل من حركة فتح وحركة حماس على حد سواء وفي آن واحد.

مقال أحمد سعدات، الذي خصّ به مجلة الدراسات الفلسطينية، وجاء في صفحات قليلة، يشكل مشروعا أو مبادرة لإنهاء الانقسام الفلسطيني على قاعدة الضرورة الملحة التي تستوجبها المستجدات الأخيرة في المنطقة وفي القضية الفلسطينية، بما في ذلك ضرورة مجابهة القرار الأمريكي بنقل السفارة واعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وهذه المبادرة تستحق أن تُمنح الاهتمام من قبل مختلف الفصائل الفلسطينية، وفي مقدمتها بطبيعة الحال أطراف الأزمة الداخلية: فتح وحماس.

أهم ما يلفت له سعدات هو أن أزمة الانقسام الفلسطيني لم تبدأ في أعقاب انتخابات العام 2006، وإنما بلغت ذروتها في ذلك الحين عندما لم تكن حركة فتح مستعدة لفوز حماس، ولم تكن تتوقع ذلك الفوز. أما بدايات ذلك الانقسام، فتعود إلى العام 1993 عندما تم توقيع اتفاق أوسلو وبدأت الثورة الفلسطينية تنحرف عن مسارها.

أما مشروع إنهاء الانقسام أو وصفة العلاج التي يقدمها سعدات، فتقوم في الأساس على قاعدة واحدة لا ثاني لها، وهي «إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية»، بما يعيد للمنظمة دورها التاريخي في قيادة الشعب الفلسطيني، وبما يعيدها إلى المربع الصحيح كممثل شرعي وشامل للفلسطينيين في الداخل والخارج، على اعتبار أن السلطة ليست سوى هيئة لتسيير أعمال وشؤون الفلسطينيين في الداخل.

يشير سعدات إلى أنَّ كلا من الرئيس عباس والمجلس التشريعي الذي تهيمن عليه حركة حماس، والحكومة، كلهم يعانون من «تآكل الشرعية»، بسبب أن ولاياتهم قد انتهت وأنه يتوجب إجراء انتخابات عامة تُعيد لهم الشرعية، فضلا عن أن منظمة التحرير ومعها المجلس الوطني الفلسطيني يعانون من الأزمة ذاتها، وعليه فيتوجب إعادة شرعنة كل هذه المؤسسات الفلسطينية عبر انتخابات شاملة يشارك فيها كل الفلسطينيين بلا استثناء ويجدون أنفسهم فيها. 

مبادرة سعدات للخروج من المأزق الفلسطيني الراهن تمثل تحركا بالغ الأهمية، فالرجل ليس كاتبا صحافيا ولا محللا سياسيا ولا مواطنا فلسطينيا عابرا، وإنما هو رأس واحد من أهم الفصائل المكونة لـ»منظمة التحرير الفلسطينية»، أما مطلب إصلاح منظمة التحرير فهو ملف قديم جديد لا يقل أهمية عن أي مكون آخر من مكونات النضال الوطني الفلسطيني.

إنهاء الانقسام الفلسطيني وإعادة البوصلة إلى اتجاهها الصحيح يجب أن يمر عبر إصلاح حقيقي لمنظمة التحرير، وإصلاح المنظمة يشكل مطلبا مهما وملحا ومستعجلا، ويستوجب من أجل إنجازه تنظيم انتخابات عامة لإعادة انتخاب المجلس الوطني الذي توفي عدد كبير من أعضائه، إضافة إلى إعادة تشكيل المنظمة بما يضمن تمثيل حركتي حماس والجهاد الإسلامي فيها، وصولا إلى تكوين جسم أو كيان يمثل الفلسطينيين تمثيلا حقيقيا.

مبادرة أحمد سعدات يتوجب عدم تجاهلها، وإصلاح منظمة التحرير مطلب بالغ الأهمية والاستعجال في هذه الظروف الراهنة، خاصة مع تزايد القناعة بضرورة حل السلطة الفلسطينية وعدم جدواها في أعقاب القرار الأمريكي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل.

الفلسطينيون اليوم بحاجة لعملية إنتاج المنظومة السياسية والنضالية بالكامل، وإجراء مراجعة شاملة لكل المؤسسات والمرجعيات، بما يُمكن في النهاية من مواجهة الانحياز الأمريكي لإسرائيل، وبما يتيح للفلسطينيين أيضا التصدي للسياسات الإسرائيلية التي تقوم باستغلال الواقع العربي والإسلامي المتردي من أجل تغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي، ويجعل من المستحيل مستقبلا للفلسطينيين أن يتمكنوا من إقامة دولتهم المستقلة والقابلة للحياة.


القدس العربي

0
التعليقات (0)

خبر عاجل