قضايا وآراء

على السرير

هشام عبد الحميد
1300x600
1300x600

على السرير وبدعوى ضيافة المسافر يقنعه بروكست أن يخلد إلى الراحة بأن يتمدد على السرير الحديدي ليأخذ قسطا من الراحة، ويبلع الطعم المسافر، ويقوم بالتمدد على السرير، فإذا كان جسمه أطول من السرير يقوم بروكست بتقطيع أوصال الضيف حتى يستطيع حشر جسم الضيف على مقاس السرير الحديدي.


أما إذا كان جسم الضيف أقصر من السرير الحديدي يقوم بروكست بشد أجزاء جسد الضيف حتى يصبح على مقاس سريره الحديدي، ولا يهم هنا أن يُصاب الضيف بتمزق أربطته أو أن تنخلع مفاصله أو حتى يموت، فالغاية العليا والأسمى أن يتناسب جسد الجميع مع مقاس سرير بروكست الحديدي. 


هذه هي الأسطورة الإغريقية سرير بروكست ذلك الرجل السادي الذي كان يسكن أثينا وكان يخرج إلى الطريق ليصطاد ضحاياه من المسافرين. 


هذا المعطى والملمح الأساسي للأسطورة بكل وحشيته وساديته ودمويته يتماهي مع ما نراه من مشاهد حزينة من تجاوز وانتهاك ومنع فرق مسرحية شبابية تريد أن تمارس حقها المشروع كمعطى أساسي لوجود المشروط بجرأتها وطموحها، ولكنها تصطدم بمن يمارس عليها "سرير بروكست"، فيضغطها لتتقزم وتُحشر في السرير الحديدي أو يقطع أوصالها لكي تتناسب مع طول السرير.


فالسلطة تدافع عن وجودها ووجود سريرها الحديدي لكي يتقولب الجميع بلا استثناء داخل هذا السرير الحديدي، فلا مجال للاختلاف أو التغريد خارج السرب. يجب على الجميع أن يصبحوا على مقاس سرير بروكست بغض النظر عن دموية وقسوة هذه المشهدية العبثية المخيفة فأنني استشعر أن فكرة "سرير بروكست" تسيطر على وعينا الجمعي، فنحن جميعا وبدرجات متفاوتة نمارس على من يخالف أفكارنا وقناعتنا وأيدولوجياتنا نوعا من التعسف والإقصاء والتشويه بكل قسوة كآلية دفاعية تحفظ لنا مشروعية وجودنا المضطرب، ولكم أتمنى أن نتخلص من "سرير بروكست" لنحقق مشروعية وجودنا الإنساني الحقيقي في رهان الحياة الوجوبي التنفيذ.



2
التعليقات (2)
إيمان شاكر العظم
الأحد، 15-04-2018 04:04 ص
الاتكاء على الأسطورة والعبر التي لهج بها التاريخ الإنساني الشفاهي أم المكتوب.الفني أم الأدبي إسلوب يميز الفنان هشام عبد الحميد ، العالي الثقافة والنظرة العصرية التي تميز أعماله . يبدو لي أن هذا النجم المحترم يريد بهذا الاتكاء على الموروث الأسطوري أن ينفذ إلى الطبيعة العبثية للسلطات التي تغرق في أقبح أنواع الرزائل المنفرة وهي العنف المنظم حيث تتفنن في الإجرام من أجل الإجرام . ليصبح العنف المجاني نوع من متلازمة البقاء ومرض نفسي عضالي ومزمن يلطخ الحضارة ويبعثر ضفافها بالسواد والرياء. هل أقول تحية لحزنك وحزننا يا أستاذ ؟ حزن يُفطًر القلب ويدميه.
هشام مراسي
الثلاثاء، 10-04-2018 01:19 ص
هشام عبد الحميد العملاق في الوعي الكبير دومآ المختزل لحقيقة الوضع الراهن في بلداننا واغلب افراد مجتمعنا تضع دوما النور في مقالاتك كم تدهشني سلاسة الطرح وظفائر الكلمات لتكون سلاسل من الوميض لاهداء ابسط واصعب العقول الى الحقيقة كم انا فخور ان هذا الكوكب فيه من مثلك وكم الكون فخور بك ايها الانسان العظيم ممتن لك لان تهز فكري دوما ليتساقط منه الصدأ.

خبر عاجل