قضايا وآراء

قوات عربية في سوريا؟

غازي دحمان
1300x600
1300x600
عندما أعلن دونالد ترامب أنه سينسحب من سوريا ويتركها للآخرين ليهتموا بشؤونها، كان الاعتقاد أنه يقصد بالآخرين، روسيا وإيران، وهو لا يقدمها هدية لهم، بل عقوبة لهما، ذلك أن إعلان ترامب جاء في سياق حديثه عن خسارة أمريكا لسبعة تريليونات دولار في الشرق الأوسط دون تحقيق أدنى فائدة، وبالتالي فهو يتوقع لروسيا وإيران النتيجة نفسها ويرغبها لهما.

لم يكن ثمّة مؤشر يدل على أن ترامب يقصد بالآخرين البلدان العربية، ويبدو أن الصورة قد تشكّلت لديه مؤخرا، بعد زيارات مسؤولين خليجيين للعاصمة الأمريكية واجتماعهم مع ترامب. والواضح أن ترامب لم يستطع طرح بقاء قواته في سوريا في بازار التفاوض معهم، أو لم يدفع له أحد الثمن المطلوب، بعد أن اكتشف الجميع أن ترامب يطلب أكثر بكثير مما يقدم، وأنه يحوّل السياسة والعلاقات الدولية والمصالح الاستراتيجية إلى مجرد صفقات مالية.

ولعلّ موضع الاستغراب في طلب ترامب تشكيل قوّة عربية وإرسالها إلى سوريا. حقيقة أن سوريا أصبحت تحت مظلة دولة عظمى هي روسيا، كما أن تقاسم مناطق النفوذ الحاصل بين روسيا وتركيا وإيران حصل بطريقة معقّدة وطويلة الأمد، ويصعب على دول إقليمية لم يكن لها انخراط مباشر، عبر أجهزتها وقواتها، أن تجد لها مكانا في هذه الخريطة. كما أن الوقت تأخر كثيرا لمثل هذه الإجراءات التي أصبحت الأن مكلفة جدا، وفوق طاقة الدول الإقليمية، إن لم يكن مستحيلا، نتيجة تبدل المعطيات بشكل كلي.

كان يمكن أن يكون هناك تأثير وفعالية للدول العربية سنة 2013 و2014، قبل التدخل الروسي. كان يمكن إدارة فصائل للمعارضة عربيا، قبل أن تذبحها إيران ورسيا بوسائل عديدة، وقبل أن تعمد أمريكا إلى تفكيكها؛ إما عندما تركتها وحيدة في الصحارى تسحقها طائرات روسيا، أو عندما قطعت الإمداد عنها وأجبرتها على التراجع والتفكك، لتترك بذلك فراغات واسعة أمام إيران، وخاصة في البادية السورية.

عدا عن هذا وذاك، ثمة عوائق كثيرة تقف في وجه إمكانية مشاركة قوات عربية في سوريا، أهمها العامل اللوجستي. إذ كيف يمكن نقل قوات برية عربية إلى سوريا؟ وكيف يمكن تأمين خطوط إمداد لهذه القوات؟ فالدول العربية ليس لديها الإمكانيات اللوجستية المتوفرة لأمريكا، كما أن أمريكا نفسها استخدمت الأراضي العراقية والتركية لنقل جنودها وعتادها، وروسيا نفسها استعملت وسائل عديدة وخاصة الطرق البحرية لنقل الأسلحة والعتاد، وهذا غير متوفر على الإطلاق لأي دولة عربية.

العائق الثاني يتمثل بعدم وجود اتفاق عربي حول هذا الأمر، إذ عدا عن الخلافات الكبيرة بين الدول العربية فيما بينها حول قضايا لا علاقة بالأزمة السورية بها، فإنها أيضا تختلف حول موقفها من نظام الأسد، ويبدو ذلك بشكل لا يخفي نفسه في علاقة مصر مع النظام، وتزويدها له بالأسلحة والخبرات، ودفاعها عنه بشكل علني. فكيف يمكن التعويل عليها في مثل هذا الأمر الذي يتصادم مع الأسد وحماته الروس؛ الذين تشتبك بعلاقات ودية معهم، والإيرانيين، فيما تعوّل أمريكا على أن تشكّل مصر الثقل الأساسي في هذه المهمة؟

وإذا كان بعض المحللين المصريين بنوا آمالا كبيرة على موقف مصري في سوريا، بناء على جملة وردت في خطاب عبد الفتاح السيسي في القمة العربية الأخيرة في الظهران، بأن "الأطراف الخارجية نسيت أن سوريا أرض عربية"، فليس المقصود بذلك سوى مناكفة تركيا وتحريض الرأي العربي ضدها.

غير أن العائق الأكبر يتمثل بوجود روسيا التي لن تقبل أبدا أن تجري الأمور في سوريا على هذه الشاكلة، خاصة أن روسيا تنظر للمنطقة الشرقية التي ترغب أمريكا بالانسحاب منها، كهدف ثمين؛ لما تملكه من ثروات مهمة من النفط والغاز والمياه والأراضي الزراعية، وقد خسرت مئات من المرتزقة في محاولة السيطرة عليها، فضلاًعن كون هذه المنطقة تشكّل رأس المعبر الإيراني إلى سوريا، وقد زرعت إيران أعداد كبيرة من المليشيات حول هذه المنطقة.

والسؤال: كيف يمكن للقوات العربية المفترض دخولها للمنطقة مواجهة روسيا وإيران اللتين لا بد سيعاجلان إلى ملء الفراغ الذي ستتركه أمريكا؟ وهل ستبقي واشنطن جزءا من سلاحها الجوي لمساعدة القوّة العربية، ومن المعلوم أن مواجهة روسيا تستدعي وجود قوّة بوزنها، ولا يوجد غير أمريكا لهذه المهمة؟

الواقع، أن الطريقة التي يطرحها الرئيس الأمريكي ليست طريقة إدارة صراع ناجحة، ولا يمكن لقوّة عربية أن تنجح في هذه المهمة، في واقع معقّد بشكل كبير. ولو كان ترامب جديا لعمل على تطوير بدائل مهمة وفاعلة في ساحة الصراع السوري، مثل دعم فصائل المعارضة في الجنوب والوسط والشمال بأسلحة نوعية، أما غير ذلك فلن يكون المقصود منه سوى محاولات لابتزاز الدول العربية. ولعلّ ترامب عندما طرح فكرته كان يعتقد أنه أمام فرصة لكسب المزيد من الأموال، لذا فهو يسعى إلى إحراج الأطراف العربية أكثر من كونه يطرح خطة لإدارة الصراع في سوريا؟
التعليقات (1)
اينشتاين
الجمعة، 20-04-2018 07:19 م
للمرة الألف الأمريكان وإسرائيل ومن ورائهما الغرب الليبرالي الرأسمالي الاستعماري الظالم يريدون مزيدا من دماء الشعوب العربية والإسلامية المسحوقة أصلا تحت قدم الاستبداد ، لذلك الزج بمزيد من الجنود العرب إلى ساحة المحرقة يفرح كثيرا أولئك وتحت إمرتهم الخائفون على عروشهم المتهاوية من قريب .