قضايا وآراء

هل سَكِرَ السيسي من كأس جمال عبد الناصر؟!

محمد ثابت
1300x600
1300x600
ما كادت مهزلة الانتخابات الرئاسية المصرية تنتهي رسميا منذ نحو أسبوعين، بفوزه "عبد الفتاح السيسي" على منافسه الورقي بنسبة تزيد على 97 في المئة، حتى تقدم 25 عضوا من أعضاء البرلمان المصري بطلب لفتح مدد الترشح للرئاسة المصرية دستوريا لتصبح أكثر من مدتين.

أي أن "السيسي"، وهو على أعتاب حكم مصر لمدة أربع سنوات جديدة، أخذه خمر السلطة، بل سَكِرَ منها وبها إلى الحد الذي يجعله يعود للمرة الثانية لنسب فوز الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر"، وتاليه الراحل "أنور السادات"، وتاليهما المخلوع "حسني مبارك" في استفتاءات الرئاسة، وإدمان الفوز بأكثر من تسعين في المئة. ولعل الانتخابات الرئاسية المصرية في 2005 - على تزويرها - كانت أخف، إذ نال فيها "مبارك" 88.6 في المئة.

لم يكتف "السيسي" بالطمأنينة إلى حكمه مصر لأكثر من 1400 يوم أخرى، والفوز المكتسح على مرشح منافس ورقي أو اسمي فحسب، بعدما اعتقل مرشحيه الحقيقيين، وأجبر طرفا من المصريين على الحضور للجان الانتخابية، وإن رفضت الأغلبية المشاركة في المسرحية الهزلية. لم يكتف "السيسي" بكل ذلك، وإنما شرع على الفور في الإعداد لحكم الكنانة بالنار والحديد من جديد لفترات رئاسية أخرى.

وللعسكريين العرب، إلا مَنْ رحم ربي وعلى رأسهم المشير السوداني "عبد الرحمن سوار الذهب"، مع كرسي السلطة مذاهب وأفعايل وحماقات يأبى العقل ويرفض مجرد تصديقها، بخاصة في مصر منذ تموز/ يوليو 1952م، ومنها جملة الراحل "جمال عبد الناصر"، وقد صار رئيسا بعدما سجن وأهان وعزل سابقه اللواء "محمد نجيب" لمناداته بعودة العسكريين إلى ثكناتهم وتسليم مصر للمدنيين ليعاودوا حكمهما، كما كان الحال قبل 23 من تموز/ يوليو من العام المذكور، بعدها خرج "عبد الناصر" على المقربين منه في بيته بمنشية البكاري بالقاهرة قائلا في عام 1956م:

- "إحنا مستعجلين على إيه؟ إحنا قاعدين في الحكم عشرين سنة.. ولما الثورة تثبت أقدامها وتنتهي من خصومها نبقى نعمل الديمقراطية إللي انتو عايزينها". والكلمات أوردها الكاتب "محمود معوض بعموده في الصفحة العاشرة من الجريدة المصرية شبه الحكومية "الأهرام" في الأول من أيلول/ سبتمبر 2011م (العدد 95554)، في نهاية مقال بعنوان: "المرة الأولى التي نزل فيها مبارك للشارع السياسي".

ومن عجائب قدرة الله أن "عبد الناصر" لم يعش بعد هذه الكلمات 20 عاما، كما قدر لنفسه، بل توفاه الله إليه قبلها في 28 من أيلول/ سبتمبر 1970م.

كانوا راغبين في الحكم إذا يصلون إليه قبل عسكريي مصر، وأغلب حكام العرب اليوم يعافي الله أكثرهم من أمراض حب الاستئثار بالحكم وإهلاك الحرث والنسل في سبيل ذلك، فيطمئنون ولو بدرجات إلى ثبات مقاعدهم، وينشغلون بضبط الأمور واستتابها أملا في استمرار حكمهم، لكن أمثال "السيسي" يعرفون أنهم جاؤوا على ظهر دبابة، فإن خففوا قبضتهم، وأراحوا الشعوب قليلا من جبروتهم، عصفت بهم ومزقتهم إربا، فهو وأمثاله لا يعرفون إلا ربا واحدا والعياذ بالله.. كرسي الحكم والحفاظ عليه.

مما يروى عن "عبد الناصر" بقوة أيضا أن أعضاء المجلس المسمى بقيادة الثورة كانوا يرونه منكبا على اللقاءات السياسية نهارا والأوراق ليلا، فيما هم يعبون وينشغلون بالمتع من قصور وأموال ونساء وبعلمه، حتى أن الراحل "صلاح سالم"، وكان عضوا بالمجلس، ذات مرة ضايقته سيارة لحسناء يقودها سائق، فلاحقها، حتى إذا نزلت المرأة لدى أحد المحلات العامة قريبا من ميدان رمسيس، صفعها وانهال عليها ضربا، وهي لا تستطيع دفاعا عن نفسها، ولم تكن تدري مَنْ هو، فكانت تكيل له السباب والشتائم.

فلما قيل للراقصة "نعيمة عاكف"، رحمها الله، وكانت من أشهر راقصات مصر آنذاك:

- وديتي نفسك في داهية. ده صلاح بيه سالم.. عضو مجلس الثورة.. 

فلما قيل لها ذلك أسقط تماما في يدها، ولم تستطع نطقا، وقال الصاغ "سالم"، وكان من أشرس رجال "عبد الناصر"، للناس الذين تجمهروا حولهما:

- أنا اتهنت والثورة اتهانت يا جماعة..

هكذا دفعة واحدة.. شجار مع امرأة على العبور في طريق أخطأ الراحل "سالم" فيه أخطاء جسيمة وأهان امرأة إهانت بالغة.. ثم في النهاية "الثورة اتهانت"!

وبعدها حبس المرأة في المحل بحراسة أمنية مشددة، ثم مباشرة للسجن الحربي، ومن هناك أتت بالذي كتب لها، وكانت لا تعرف القراءة والكتابة، فكتب لها أحدهم على منديلها القماشي بعد أن ضمخته برائحة عطرها وأحمر شفاهها:

- عزيزي صلاح بكل دقة في قلبي وشعرة في رمش عيني أنا بعتذرلك وبقول لك آسفة جدا وحقك عليّ وماتزعلش مني، ويابخت من قدر وعفى وسامح، والترضية اللى تأمرني بيها أنا تحت أمرك فيها. ومرة تاني بعتذر لك.

ووصل المنديل لـ"عبد الناصر" بنفسه في مجلس ما سُمي بقيادة الثورة، فضحك من أعماق قلبه وأضحك بقراءة المنديل كل الجالسين، وأمر بالإفراج عن الراقصة، (من مصادر القصة مجلة "صباح الخير" المصرية، في أحد أعداد عام 1989م).

ولما سُئل "عبد الناصر" من بعد:

- لماذا تترك المتع وتعيش مع الساسة والأوراق؟!

قال لرفقائه المقربين:

- خذوا كل شيء في مصر.. ودعوا لي السلطة فهي عشق حياتي الأول والأخير..!

أي أنه كان يعرف بمقدار ظلمهم للبلد والعباد.. بل قهرهم للنساء في الشوارع.. ولكن خمر السلطة لديه أهم من كل ذلك..!

فُتحت مدد الرئاسة للرئيس الراحل "أنور السادات" عام 1980م فيما عرف بقانون المطربة الراحلة "فايدة كامل" لتعديل مدد الرئاسة من مدتين بست سنوات فحسب، إلى الرئاسة مدى الحياة للرئيس الراحل. ووصف الأخير 60 ألفا من المصريين رفضوا القانون حين تم تزوير موافقة 11 مليونا.. وصف "السادات" الـ60 ألفا بعناصر "شاذة".

ولم يعش "السادات" ليستفيد من المد الذي خطط له ونفذ استفتاءه وقانونه.. ولم يعش من قبله "عبد الناصر" ليقضي في 20 عاما على أعداء الثورة ويصفيهم من المصريين المظلومين البسطاء.. ونتمنى على الله ألا يعيش "السيسي" لأربع سنوات ليشهد فترة رئاسته الثانية لا فترات أخرى كما يخطط منذ الآن..
التعليقات (0)