كتاب عربي 21

اتحاد الشغل يعد الساعات الأخيرة في عمر الحكومة

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600

لم يبق على اجراء الانتخابات البلدية في تونس الا اسبوعين. لكن محور الحياة السياسية، للمفارقة، ليس الانتخابات. الحملات الانتخابية تبدو في في بداياتها واتسمت حتى الان بالبرود والبطء، "كأنه لا توجد انتخابات في البلاد"، مثلما يلاحظ البعض. محور الجدال السياسي ليس الانتخابات بل بقاء ام رحيل الحكومة الحالية المسماة "حكومة الوحدة الوطنية". 


عندما تكون اول انتخابات بلدية ديمقراطية في تاريخ البلاد مسألة هامشية مقابل استغراق الجميع في قضية نهاية الحكومة فإننا بصدد أزمة حقيقية تمس المنظومة السياسية ككل. 

فتيل الازمة الحكومية الحالي يكمن في قطاع التعليم. اذ اعلنت نقابة اساتذة التعليم الثانوي (الاعدادي) وهي من اقوى نقابات البلاد "تعليق الدروس" في مرحلة الامتحانات الوطنية، وهو ما يتجاوز قرار الاضراب المفتوح.

 

رفع السقف بهذا الشكل الراديكالي اتى اثر ازمة طويلة مع وزير التربية الحالي، وهو من وجوه المنظومة القديمة وسبق له تسيير الوزارة في عهد الاستبداد، بدأت بمفاوضات حول سن التقاعد و"منح خصوصية" لينتهي الى حجب اعداد الامتحانات.

 

بلغ الصراع مدى سورياليا حيث اصبحت المعاهد الثانوية في حالة عطالية في فترة حساسة، وفي قطاع يمس بشكل مباشر غالبية العائلات التونسية التي تنظر تاريخيا للتعليم بكثير من التركيز. 

التراشق المتبادل بين نقابة التعليم والوزارة لامس الشتائم. لكن بكل تأكيد عكس نظرة علوية للوزير تجاه النقابة.هنا علينا ان نركز بعض الشيء على تاريخ هذه النقابة.

 

انتمي الى عائلة نقابية وكان والدي احد قادة هذه النقابة في مرحلة تاريخية حساسة وهي السبعينيات والثمانينيات، واعرف عن قرب دور وثقل نقابة التعليم ليس فقط في التوازنات النقابية بل ايضا وخاصة كملجأ واطار للتيارات السياسية عموما لاسيما منها اليسارية الراديكالية. 

الحقيقة المسالة اعمق اذ تمس قاطرة الطبقة الوسطى الدنيا والتي مثلت في العشريات الاولى لدولة الاستقلال قاطرة التحديث وايضا التنمية في تونس. بيد ان مهندسي التعليم تحولوا تدريجيا ايضا الى قبضة نقابية قوية مثلت اوجاع البلاد، وعبرت عنها بكل حيوية.

 

وهكذا لا يمكن ان نتخيل الصدامات نقابية الكبرى في تونس خاصة في السبعينيات وصولا الى 26 جانفي 1978 دون الدور الاساسي لممثلي نقابات التعليم في قيادة اتحاد الشغل. حتى الزعيم التاريخي للاتحاد حينذاك المرحوم الحبيب عاشور كان يهابها ويحسب لها الف حساب في سياق صراعاته المختلفة مع الحكم ومع التيارات الراديكالية. 

ما يحدث الان ليس جديدا مثلما يردد بعض المراقبين وليس أحد "سيئات الثورة". هو تعبير متجدد على المخاض الاجتماعي في البلاد سواء تحت الاستبداد او الديمقراطية.

 

في شهادته حول تاريخ النقابة العامة للتعليم الثانوي سنة 2010 في سيمينار مؤسسة التميمي اشار أحمد الكحلاوي ذكر: "نفذت نقابات التعليم الثانوي ولأول مرة في تاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل سلسلة من الإضرابات ذات الطابع المطلبي وهزت هذه الاضرابات البلاد وأشلّت قطاع التعليم على امتداد فترة 1980-1982 وعطّلت حكومة محمد مزالي التي ذاقت الأمرين ولكنها حققت مكاسب هامة لفائدة المدرسين، ورغم المفاوضات الماراثونية في قصر الحكومة لم تضعف هذه النقابات ولم تتراجع.. وفي المقابل عقدت قيادة الاتحاد اتفاق سلم اجتماعية مع حكومة مزالي.

ادى هذا الوضع الى استقواء شوكة النقابة بتوحيدها: "وانعقد سنة 1983 مؤتمر توحيد نقابات الثانوي وراهنت قيادات الاتحاد على فوز أطراف التيار الأممي الذي خسر أمام التيار القومي."

 

البلاد تتجه لانتخابات لا تحمل طعم المنافسة السياسية وربما ستتميز بالعزوف، وعلى خلفية حكومة بصدد التهاوي

وتحمل الوالد انذاك مسؤولية الكتابة العامة لأول نقابة موحدة للتعليم الثانوي وأعلن "مؤتمر النقابة عن دعمه الكامل لثورة فلسطين وعن دفاعه عن عروبة البلاد وعن التعريب الشامل للتعليم وأصدر بيانا ندد فيه باتفاق قيادة الاتحاد مع حكومة محمد مزالي." 

وهكذا نحن ازاء مؤسسة نقابية كانت دائما ذات مضمون سياسي ولاتزال. وهي مكون اساسي من الالة السياسة النقابية في البلاد. ومن الواضح ان وزير التربية الحالية رفع سقف الصراع برفضه التفاوض "بشروط"، ولم يقرأ الحساب اللازم لثقل النقابة، وبالغ في استصغارها واستفزازها. 

لكن الصراع الحالي يتجاوز نقابة التعليم ليعكس ازمة اكبر بين الحكومة و"الاتحاد العام التونسي للشغل" (الذي يمثل اكبر منظمة نقابية في البلاد ويضم اضافة الى نقابة التعليم نقابات تقريبا تمثل كل الأجراء سواء في القطاع العام او الخاص).

 

تصريحات امين عام المنظمة النقابية نور الدين الطبوبي اصبحت واضحة في حدتها تجاه الحكومة ورئيسها يوسف الشاهد. اخبار الكواليس تقول بلا ان اتحاد الشغل وهو مكون اساسي في "حكومة الوحدة الوطنية" على اساس ما يسمى بـ"اتفاق قرطاج" يتجه للانسحاب من الاتفاق ومن ثمة رفع الغطاء عن الحكومة. 

 

وهذا يعني ان البلاد تتجه لانتخابات لا تحمل طعم المنافسة السياسية وربما ستتميز بالعزوف، وعلى خلفية حكومة بصدد التهاوي. 

وهكذا تتجه البلاد نحو عام حاسم سنة 2019 ستكون فيه انتخابات تشريعية ورئاسية اثر خمسة سنوات من عدم الاستقرار السياسي بتهاوي حكومة جديدة وقدوم اخرى وازمة اجتماعية كبيرة وتحكم متزايد لصندوق النقد في سياسات البلاد. وعليه سيكون 2019 اخر فرص انقاذ مسار تأسيسي جديد للبلاد، والعد المتسارع نحوه يتعاظم بلا رحمة. 

0
التعليقات (0)