حقوق وحريات

الإهمال الطبي بالسجون المصرية.. إعدام دون محاكمة

مهدي عاكف توفي بعد رفض الأمن الوطني نقله لمستشفى خاص لعلاجه قبل تدهور حالته الصحية- أرشيفية
مهدي عاكف توفي بعد رفض الأمن الوطني نقله لمستشفى خاص لعلاجه قبل تدهور حالته الصحية- أرشيفية

أعادت الأزمة الصحية التي تعرض لها رئيس حزب مصر القوية، عبد المنعم أبو الفتوح، الملف الصحي للمعتقلين السياسيين في عهد رئيس الانقلاب بمصر، عبد الفتاح السيسي، إلى الواجهة مرة أخرى.

ويعد الإهمال الطبي الطريق الخفي للداخلية المصرية للتخلص من معارضي للنظام. وطبقا للقانون المنظم لأوضاع السجون، فإن الخدمة العلاجية والرعاية الصحية حق أصيل لكل سجين، ويتوجب على مصلحة السجون أن تقدم هذه الرعاية من خلال المؤسسات التابعة لها، أو من خلال المستشفيات الخاصة على نفقة السجين بعد الموافقات اللازمة.

ويعد مصطلح "الموافقات اللازمة" هو الدائرة المفرغة التي يدور داخلها المعتقل السياسي، ما بين إدارة السجن والإدارة الطبية للمصلحة والعيادة الطبية داخل السجن والأطباء الاستشاريين للمصلحة، وقبل كل هؤلاء جهاز الأمن الوطني، الذي بيده مفتاح العبور للرعاية الصحية.

وشهدت السجون المصرية منذ انقلاب تموز/ يوليو 2013 العشرات من المعتقلين السياسيين الذين فقدوا أرواحهم نتيجة التعنت في حصولهم على العلاج اللازم، ويأتي في مقدمتهم المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين، محمد مهدي عاكف، الذي رفض الأمن الوطني نقله لمستشفى خاص لعلاجه قبل تدهور حالته الصحية، وسبقه الشيخ نبيل المغربي، أحد مؤسسي حركة الجهاد، وأقدم سجين سياسي بالعصر الحديث.

وكان المغربي يعاني من سرطان المعدة، ورغم تأكيدات العديد من الأطباء المسجونين معه في سجن العقرب أن حالته خطرة ويجب نقله لمستشفى المنيل الجامعي، إلا أن إدارة السجن رفضت ذلك، ولم توافق على نقله للعلاج خارج السجن، إلا بعد أن أضرب عن الطعام ودخول في غيبوبة أكثر من مرة، وقد توفي المغربي بعد نقله للمستشفى بأيام، ورغم الإهمال الطبي الواضح، إلا أنه لم تتم محاسبة إدارة السجن، التي بررت وفاته بأنها قضاء وقدر.

أما عضو المكتب التنفيذي لحزب الحرية والعدالة والبرلماني السابق، فريد إسماعيل، فقد رفضت إدارة العقرب بقيادة الضابط أحمد عزت السماح لأي طبيب بالكشف عليه، كما رفضوا تحويله لمستشفى ليمان طرة بعد تعرضه لغيبوبة كبد حادة، وبدلا من علاجه تم منعه من الخروج من زنزانته، وتجريدها من كل الأدوات الضرورية مثل الصابون ومعلقة الطعام وسجادة الصلاة، وإجباره على تناول أكل السجن غير الصالح للاستخدام الآدمي، ما أدي لوفاته بعد دخوله في غيبوبة لمدة يومين، دون أن يتحرك أحد.

وفي مقابل ذلك، كان التعامل مع رجال الأعمال وقيادات نظام حسني مبارك مختلفا، حيث قضى معظمهم فترة سجنه بين مستشفيات السلام الدولي والنيل بدراوي بأجنحة خمس نجوم، وكان آخرهم رجل الأعمال حسام أبو الفتوح الذي حصل على إفراج صحي، في الوقت الذي رفضت فيه الداخلية علاج مهدي عاكف.

كما قام المجلس العسكري خلال فترة حكمه بتجهيز مستشفى سجن مزرعة طرة بأحدث الأجهزة؛ تحسبا لإجبار حسني مبارك قضاء فترة عقوبته داخل السجن بناء على مطالب الثوار، ورغم كل التجهيزات نقل مبارك من المركز الطبي العالمي لمستشفى المعادي العسكري، التي ظل فيه حتى تم إطلاق سراحه في عهد السيسي.

وفي حديث له مع عدد من المعتقلين، أكد اللواء حسن السوهاجي، مساعد وزير الداخلية ورئيس مصلحة السجون، صراحة أن القانون منحه مواد كثيرة يستطيع من خلالها تنفيذ القتل البطيء دون أن يحاسبه أحد، وهو ما نفذه بالفعل، حيث قتل نتيجة الإهمال الطبي ما يقرب من 15 معتقلا، من بينهم 7 بسجن العقرب فقط، وقد استمر بنهجه ذاته اللواء محمد خليصي، الذي تولي مسؤولية المصلحة من بعده.

من جانبه، يؤكد الناشط الحقوقي وعضو هيئة الدفاع عن قضايا المعتقلين، أحمد عبد الباقي، لـ"عربي21" أن الإهمال الطبي واحد من أخطر الملفات المسكوت عنها داخل السجون؛ لأن التنكيل بالمعتقلين يتم من خلاله وبإجراءات قانونية لا تعرض المسؤولين للمساءلة القانونية، موضحا أن هناك بندا يعرف بـ"التعذر الأمني"، وهذا البند كفيل بالقضاء على حياة آلاف المعتقلين؛ لأنه يمنح لإدارات السجون وحدها حق تقرير جواز نقل السجين من محبسه أم لا، سواء للمحاكمات أو لتلقي العلاج خارج السجن.

ويضيف الناشط الحقوقي أنهم رصدوا آلاف الحالات من الإهمال الطبي في السجون، ما نتج عنه وفاة العشرات من المعتقلين، وعندما يعترض زملاؤهم يتم التنكيل بهم وسجنهم في عنبر التأديب، وفي بعض الأحيان يتم نقلهم لسجن العقرب؛ لتوقيع التأديب عليهم، كما حدث مع أحد المعتقلين من محافظة البحيرة، الذي تعرض لأزمة قلبية، وقد رفضت إدارة سجن شديد الحراسة 2 علاجه، ما أدى لوفاته، وعندما اعترض زملاؤه تم الاعتداء عليهم ومعاقبتهم.

ويوضح عبد الباقي أن الدعاوي القضائية التي تقدموا بها للنائب العام ضد هذه التجاوزات لا يتم التعامل معها بجدية ويتم حفظها، ما يمنح الضباط دعما إضافيا للقتل تحت رعاية القانون، كما أن كثيرا من الأهالي لا يجدون مسار قانونيا ذا جدوى، وبالتالي يكون دافعهم الأول استلام جثة ذويهم، دون الدخول في مضايقات أو مشاكل مع الداخلية.

التعليقات (0)