قضايا وآراء

تركيا انتخابات مبكرة مفاجئة… نوعاً ما

ماجد عزام
1300x600
1300x600
ألقى دولت بهشتلي، زعيم حزب الحركة القومية، الثلاثاء قبل الماضي بفكرة كرة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة في الساحة السياسية.. الرئيس أردغان تلقف فكرة بهشتلي، القومي الصرف المسكون بالدفاع عن الوطن استقراره ومصالحه، فالتقى به مباشرة صباح اليوم التالي الأربعاء، وأعلن عن انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة بعد شهرين تقريباً، أي في 24 حزيران/ يونيو القادم، بينما تلقت أحزاب المعارضة الفكرة الموعد برضى وانفتاح واستعداد وتحدي للمنازلة.

يعتبر دولت بهشتلي، زعيم حزب الحركة اليميني القومي، نفسه حارساً على الدولة التركية، استقرارها أمنها ومصالحها، ولا شك أنه طرح الفكرة من حيث المبدأ، مدفوعاً بالمصالح القومية، وحرصاً على استقرار البلد ومنع أي هزات داخلية أو خارجية، دون أن ينفي ذلك طبعاً احتمال تنسيقه أو تفاهمه مع الرئيس أردوغان وحزب العدالة الحاكم، أو حتى شعوره وحسّه السياسي بأن الرئيس سيتلقف الفكرة ويؤيدها. ولكن ما من شك أن ثمة أسباب قومية سياسية اقتصادية دفعت بهشتلي للدعوة إلى الانتخابات والحفاظ على الاستقرار في مرحلة صعبة أو هزة تعيشها المنطقة ككل، وصلت حتى إلى حد التخوف من احتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة فيها.

بهشتلي كان قد فعل ذلك في مطلع القرن الجاري، وهو كان صاحب فكرة الذهاب إلى انتخابات مبكرة في العام 2002، ولنفس الأسباب تقريباً المستندة إلى الدفاع عن المصالح القومية للبلد وإنهاء حالة الغموض، عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي التي عصفت به آنذاك. وللمفارقة، فإن تلك الانتخابات أتت بحزب العدالة والتنمية للسلطة بعدما عاقب الشعب في صناديق الاقتراع الأحزاب التي رآها سبباً للفوضى، وعدم الاستقرار والانهيار السياسي والاقتصادي.

بهشتلي كان السبب كذلك، أو أحد الأسباب الرئيسية، للتحول إلى النظام الرئاسي في البلد، معيداً الاعتبار للفكرة التي كانت مطروحة دوماً على بساط البحث، وطالب بها معظم الرؤساء والزعماء والقادة الأتراك في النصف قرن الأخير. وبعدما بدت الفكرة في الابتعاد إثر الانقلاب، وتغليب أو تفضيل حالة التفاهم والتكاتف الوطني التي سادت البلد، عمد بهشتلي إلى إعادتها وإحيائها، وإعطائها الزخم اللازم سياسياً برلمانياً، والمنطلق كان دائماً إحساسه بالمسؤولية ودفاعه عما يراه مصالح حيوية للبلد استقراره الداخلي والخارجي.

فكرة الانتخابات المبكرة تعتبر مفاجئة نوعاً ما؛ لأنها طوال الوقت كانت مطروحة على جدول الأعمال مع تسريبات واجتهادات كثيرة، رغم النفي الدائم لها حتى أن الرئيس أردوغان كان يقول دائماً أن لا شيء اسمه انتخابات مبكرة، وهو كان قد وضع روزنامة ثلاثية مفادها أن عام 2017 عام التغيير في الحزب الحاكم، وضخّ دماء شابة جديدة في شرايينه، وعام 2018 هو عام الإنجاز، وعام 2019 سيكون عام الانتخابات الثلاثية البلدية (آذار/ مارس 2019) والتشريعية والرئاسية (تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه)، وهو أطلق أصلاً ماكينة العمل السياسي والحزبي وفق تلك الروزنامة، إلا أن التطورات المتسارعة في الداخل والخارج دفعت الحزب والرئيس للقبول بفكرة الانتخابات المبكرة لتجنيب البلد فترة من عدم الاستقرار، وعدم اليقين كما لتحسين القدرة على مواجهة التحولات العاصفة في الإقليم برمته.

في السياق الداخلي، يعتقد الرئيس أردوغان أن تدهور وضع الليرة مقابل الدولار هو جزء من مسعى خارجي لإضعاف تركيا، وإلهائها عن التدخل في محيطها، ولعب دور فاعل في محيطها. كما أنه محاولة للتأثير على الاستقرار الاقتصادي والسياسي، وبالتالي دفع الناس للنقمة على الرئيس الحزب الحاكم وسياستهم.

 داخلياً؛ أيضاً تعاطى الرئيس أردوغان بإيجاب مع تبكير الانتخابات، لعدم إبقاء البلد في مرحلة من الاستقطاب والانشغال لعام ونصف تقريباً بالحملات الانتخابية، وبالتالي فإن الحسم سيوفر مزيدا من الوقت والجهد يفترض أن يتم صرفهما على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

الموافقة على الانتخابات لها علاقة كذلك بحالة التداخل القائمة في البلد منذ الموافقة على التعديلات الدستورية في استفتاء العام الماضي، والتحول، بالتالي، إلى النظام الرئاسي في العام 2019، والضبابية أو الغموض لها علاقة بأن النظام على الورق ما زال برلمانيا، ولكنه عملياً أو واقعياً تحول إلى نظام رئاسي مع تحمل الرئس أردوغان للمسؤوليات وقيادته البلد بشكل فعلي، وبالتالي كان من الضروري إزالة اللبس والغموض بأسرع وقت ممكن.

لا يمكن إنكار أن الموافقة على مبدأ وموعد الانتخابات المبكرة له علاقة باستعداد حزب العدالة الحاكم منذ فترة، أو أنه للدقة في حالة جهوزية وحضور أكثر من منافسيه في المعارضة والساحة السياسية بشكل عام.

زعيم حزب الحركة القومية، وعندما طرح الفكرة أو كرة الثلج، تحدث عن نهاية شهر آب/ أغسطس كموعد مقترح للانتخابات، والحزب الحاكم ناقش مساء الثلاثاء قبل الماضي، في اجتماع مطول استمر حتى منتصف الليل، فكرة التأخير حتى شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الحالي لإعطاء فرصة للجميع للاستعداد، إلا أن الرئيس أردوغان رأى أنه ومع القبول بالفكرة تبكير الانتخابات، فلا بد من تنفيذها بأسرع وقت ممكن، وعدم إبقاء البلد في ساحة تنافسية طويلة، واقترح آخر حزيران/ يونيو ضمن المهلة الدستورية والقانونية لاستعداد اللجنة العليا للانتخابات التي تحتاج إلى شهر ونصف لإجراء التحضيرات اللازمة، كما لعدم التأثير على العطلة الصيفية وموسم الحج وعيد الأضحى المبارك في آب/ أغسطس القادم.

أحزاب المعارضة وافقت على المبدأ والموعد، وهي قالت إنها مستعدة للانتخابات ولو غداً، كما صرح نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، وهو حزب المعارضة الرئيسي في البلاد. وحسب القانون أو النظام الجديد قد تلجأ الأحزاب إلى ترشيح مرشحين عنها في الدورة الانتخابية الأولى لتشتيت الأصوات، ولمنع الرئيس أردوغان من الحصول على أكثر من خمسين في المئة في الدورة الأولى، والذهاب بالتالي إلى دورة ثانية، ومن ثم الالتفاف حول مرشح المعارضة الذي نال أعلى نسبة أصوات بعد الرئيس أردوغان، كما هو متوقع، وبالتالي يمكن توقع أن يختار حزب الشعب مرشحا خاصا له، وحزب السعادة الإسلامي (ذي الفكر الإخواني) مرشحا آخر، بينما رشّح حزب الخير فعلاً زعيمته المنشقة عن حزب الحركة القومية (بعدما سمحت المحكمة العليا للحزب الجديد بالمشاركة في الانتخابات، وبعدما أعاره حزب الشعب 15 نائباً في خطوة برلمانية غير مسبوقة). وطبعاً، فإن المرشح المشترك لحزب العدالة وحزب الحركة القومية وحزب الوحدة الكبرى هو الرئيس أردوغان.

ثمة نقاشات في أوساط المعارضة حول إمكان ترشيح الرئيس السابق عبد الله غول، ومن الدورة الأولى، عن حزب السعادة الإسلامي، كمرشح توافقي للمعارضة بشكل عام، وهو أمر صعب وقد لا يقبل به جمهور حزب الشعب الأتاتوركي اليساري العلماني، وقد لا يقبل به الرئيس غول شخصياً؛ نظراً لضيق المدة، كما لصعوبة الإجماع عليه وسط المعارضة، والأهم الصعوبة النفسية والمعنوية، وحتى السياسية والحزبية في منافسة الرئيس أردوغان وحزب العدالة، خاصة مع إعلان بولنت أرينتش، أحد مؤسسي الحزب والرئيس السابق للبرلمان المعتزل سياسياً، لكن القريب من الرئيس غول، أنه لن يكون جزءا من أي مسعى للإضرار بالحزب والرئيس، وهو نفس الموقف الذي قالت الصحف إن رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو أبلغه للرئيس غول شخصياً.

في الانتخابات البرلمانية يختلف الوضع طبعاً، وقد تم التوافق على قانون يسمح بالتحالفات بين الأحزاب مع زيادة المقاعد من 550 إلى 600، وسيكون تحالف انتخابي بين حزب العدالة والحركة القومية مقابل تحالف أخذ بالتبلور بين أحزاب الشعب والسعادة والخير، مدعوم، ولو بشكل غير مباشر وجزئي، من قبل حزب الشعوب الديمقراطي الكردي المعارض.

وفيما يخص هذا الحزب الكردي، وبعد اعتقال رئيسه وتراجع شعبيته مقابل التأييد الجماهيري الواسع لمعركة عفرين، فإن تأثير الحزب تراجع، وهو عاجز عن دعم أي جهة أو حتى التحوّل إلى بيضة قبان بين حلف الرئيس أردوغان ومعارضيه، حتى أن تجاوزه لنسبة الحسم وعتبة الدخول للبرلمان البالغة 1 في المئة؛ بات غير محسوم ومحل شك.

عموماً، فإن العملية الانتخابية انطلقت، ورغم الاستقطاب والتنافس الحاد، فإن العربة الديمقراطية تبدو على السكة الدستورية الصحيحة. وفي كل الأحوال ستنهي الانتخابات حالة عدم اليقين، وستقطع الطريق مبدئياً على أي أفكار أو خطط لإضعاف تركيا أو استنرافها أو منعها من لعب دور مركزي في سوريا والإقليم بشكل عام. وحسب التوقعات والاستطلاعات الأولية، فإن ثمة فرصة أو احتمال كبير لفوز الرئيس أردوغان في السباق الرئاسي، ومن الدورة الأولى، مع تنافس محتدم في الانتخابات البرلمانية، ولكن أيضاً مع احتمال كبير وقوي لفوز تحالف العدالة والحركة القومية مقابل تحالف الشعب السعادة والخير، وتأييد حزب الشعوب، أو بقايا حزب الشعوب، لهذا التحالف المعارض.
التعليقات (1)
ناصح قومه
الخميس، 26-04-2018 09:10 ص
هذا التعليق للأتراك لكننا نجهل لسانهم . لو ترشح عبدالله غل و فاز ستكون تركيا هي الخاسر الأكبر لأن تجربته الرئاسية السابقة لن تفيده في شيء حيث وقتها كانت مهام الرئيس شرفية و كان له حزب واحد عتيد يحكم . بينما لو ترشح إلى هذه الإنتخابات و فاز بتكتل كل خصوم اردغان وراءة؛ فهؤلاء هم من سيفشله بتفرقهم بمجرد تسلمه للمنصب إذ لكل اولويات مناقضة للأخر وهو بدون حزب لن يقدر على فعل شيء. و النتيجة رجوع الدولة التركية إلى رقم دولي صفري على الشمال اي حالة ما قبل اردغان و حزبه (الدوران في حلقة تيه دون تقدم نوعي داخلي ولا تاثير خارجي) وهذا بالظبط ما تريده حكومات الولايات المتحدة و أروبا الغربية و حتى روسيا و ايران و جل حكام العرب.