كتاب عربي 21

الرباط – طهران: قطار تعطل بالجزائر

طارق أوشن
1300x600
1300x600

هل أخطأت المملكة المغربية في توقيت إعلانها قطع العلاقات الديبلوماسية مجددا مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟ وهل يمكن تصديق كون القرار مجرد استجابة لضغوطات "أمريكية وإسرائيلية وسعودية" كما ادعى حزب الله في بيانه المكذب لـ"الادعاءات" المغربية؟


ربما يكون للربط بين توقيت القرار وما يعتمل في منطقة الشرق الأوسط من اصطفافات، في انتظار إشارة الضغط على الزناد في اتجاه طهران، ما يبرره. لكن متابعة تطور العلاقات المغربية الإيرانية، منذ سقوط حكم الشاه ووصول الملالي لحكم طهران، تجعل من القرار المغربي مجرد تحصيل حاصل لا يحمل جديدا في الشكل ولا المضمون. كل ما تغير هو الانتقال من "استهداف الأمن الروحي للمغاربة" إلى "استهداف أمنه القومي" وهو في الحقيقة أمر سيان. سلاح الأول "حملات تشييع" وسلاح الثاني "تدريبات للانفصاليين وصواريخ سام".


في العام 2009 قرر المغرب قطع علاقاته مع إيران على خلفية استفسار طهران لسفير المملكة دونا عن دول العالم التي أعلنت التضامن وقتها مع مملكة البحرين لذات الأسباب التي يقدمها المغرب اليوم. ولتفادي أي ربط محتمل للقرار الجديد مع الأوضاع الدولية، وهي تهمة جاهزة ظهرت في بيانات التكذيب الصادرة عن أطراف القضية، نجحت الخارجية المغربية على مستوى إخراجها العام للموقف المتخذ.

 

حالة الصدام السياسي بين طهران والرباط بدأت منذ سقوط الشاه حيث حل ضيفا على العاصمة المغربية في نوع من "الولاء الملكي" أظهره الملك الحسن الثاني وقتها.

لم تكتف الرباط بتوجيه الاستفسارات عبر القنوات العادية بل تحمل الوزير ناصر بوريطة عناء لقاء نظيره الإيراني بطهران فيما بدا نوعا من إبراء الذمة، وهو ما أعطى الموقف المغربي صدقية دعمها الحديث عن دلائل مادية تبعد عنه تهمة العمل بالوكالة لصالح الآخرين، وهي دلائل تحدت جبهة البوليزاريو الرباط على إظهارها.

 

قبل أسابيع تحدت الجبهة المغرب بخصوص ما اعتبره تغييرا منها لواقع المنطقة العازلة فجاءت صور القمر الصناعي المغربي لتخرس ألسن المشككين.


ويبدو أن المغرب انتهج كثيرا من العقلانية والواقعية السياسية في الدفاع عن "استقلالية" قراره الوطني حيث اعتبر أن من حق إيران اتخاذ أي موقف سياسي تراه مناسبا لها فيما تعلق بالقضية الوطنية، لكن غض الطرف عن التنسيق العسكري بين حليفه "حزب الله" ومنظمة البوليزاريو بل تسهيل اللقاءات بين الطرفين أمر لا يمكن التغاضي عنه.

 

وهي واقعية اتسمت بها الديبلوماسية المغربية في الفترة الأخيرة في تعاملها مع مختلف المواقف المتعلقة بقضية الصحراء من تسمية الانقلاب بمصر انقلابا، رغم أن كفيل الانقلاب من أكثر حلفاء البلد تأثيرا، إلى القبول بالبوليزاريو طرفا مجاورا في منظمة الاتحاد الإفريقي بما مثله ذلك من تغيير جوهري في سياسة المملكة الإفريقية، أو الدخول في أزمة مع الأمين العام للأمم المتحدة وقوات المينورسو بل إشهار التهديد باللجوء إلى الحرب ضد أية تحركات تحاول تغيير الاتفاقات المبرمة على الأرض.

 

قضية التشيع أمر واقع بالمغرب تؤكده مشاركات الكثيرين عبر قنوات فضائية معروفة التوجه المذهبي، لكنها في الأول والآخر اختيار شخصي.

حالة الصدام السياسي بين طهران والرباط بدأت منذ سقوط الشاه حيث حل ضيفا على العاصمة المغربية في نوع من "الولاء الملكي" أظهره الملك الحسن الثاني وقتها.

 

وما كان ممكنا أن تقبل السلطة "الثورية" الجديدة بالأمر فكان أن تم قطع العلاقات بين البلدين، وهو الإجراء ذاته الذي تكرر بصفة متواترة دون انقطاع مذ ذاك التاريخ خصوصا مع اصطفاف المغرب بجانب العراق، إبان الحرب العراقية الإيرانية، وكذا تغليبه لعلاقاته التاريخية الوطيدة مع دول الخليج. 


السياسة لم تكن دوما محورة الصراع بين البلدين بل كان للمذهبية نصيبها خصوصا في السنوات الأخيرة وما ميزها من محاولات "التشييع" التي شهدتها عدد من مدن شمال المملكة حتى أن البعض أشار لـ"أياد شيعية" في حراك الريف.

 

أغلق المغرب عددا من المدارس بتهمة نشر التشيع كالمدرسة العراقية التكميلية، وقام بحل حزب "البديل الحضاري" ذي المرجعية الشيعية بالرغم من سماحه لعدد من الجمعيات ذات نفس التوجهات بالعمل.

 

قضية التشيع أمر واقع بالمغرب تؤكده مشاركات الكثيرين عبر قنوات فضائية معروفة التوجه المذهبي، لكنها في الأول والآخر اختيار شخصي.

 

وقد كان لافتا أيضا كيف أن السلطة منعت رفع أعلام "حزب الله" في كل المسيرات التضامنية التي شهدتها البلاد في محطات قومية عديدة. وكم كان غريبا أن يستحضر ذات الحزب في بيانه التكذيبي كون إيران "وقفت وتقف إلى جانب القضية الفلسطينية وتساندها بكل قوة" حجة على المغرب.

 

فما العلاقة بين دعم القضية الفلسطينية والسماح بدعم حركة انفصالية على شن أعمال عدوانية تحت ما سمي بـ"المظلة الصامدة" وأنفاقها.


يعتقد المغرب أن حزب الله يحاول الانتقام لاعتقال أحد قادته الماليين بالدار البيضاء وتسليمه لأمريكا، وأن إيران تستغل تحالفها الاستراتيجي مع الجارة الجزائر لمعاقبة البلد على دعمه ومشاركته في "التحالف العربي"، وهي إن كانت أمورا مفهومة، فإن ذلك لا ينفي عن المغرب حقه التام في الدفاع عن مصالحه بالطرق المعتمدة ديبلوماسيا بما فيها قطع العلاقات دون السقوط في "المؤامرة الصهيوأمريكية" ضد طهران.


عندما أعاد المغرب علاقاته مع طهران قبل أقل من سنتين، كان الشرط احترام السيادة الوطنية لكلا البلدين والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. المغرب لا يملك أدوات للتأثير في شؤون طهران لكنه حليف عسكري وسياسي لمن صاروا أعداء مباشرين لها.

 

أما إيران فأذرعها مطلوقة اليد في أكثر من بلد عربي لا تزال دول منطقة الشمال الإفريقي بعيدة عنها.

 

والأكيد أن الجهود التي بذلت لبناء ثقة مفقودة بين الطرفين أفضت إلى عودة الأمور لنصابها. والنصاب هنا عداء تاريخي ومذهبي لم تزده السنوات والتطورات الإقليمية والدولية إلا استفحالا.

 

قطع العلاقات كان السلاح الذي يشهره كل طرف ضد الآخر، وهو بالتالي سلاح صار بلا مفعول. كانت الأنظار ولا تزال مركزة على المشرق وما يتم التحضير له هناك، فجاء التحرك من المغرب ليظهر أن الأمور مرتبطة بعضها ببعض، وأن سياسة المحاور تكرست بأمر الواقع بدوافع إيديولوجية واقتصادية صعبة التفكيك مهما حاولت الأنظمة المختلفة النأي بالنفس أو العمل على "استقلالية" القرار.


قرارات الحرب والسلم تقررها الدول العظمى، ولا يبقى لنا إلا ساحات الملاعب الرياضية للمجابهة، واللقاء القريب في أرض الحليف الإيراني: روسيا.

0
التعليقات (0)