صحافة دولية

إندبندنت: هل تغير الوضع في فلسطين وبات غير قابل للإصلاح؟

إندبندنت: الفلسطينيون في غزة يحتاجون لأكثر من عبارات التعاطف- جيتي
إندبندنت: الفلسطينيون في غزة يحتاجون لأكثر من عبارات التعاطف- جيتي

نشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا للصحافية سارة هيلم، تعلق فيه على الأحداث الأخيرة في قطاع غزة، التي ارتكبت فيها قوات الاحتلال الإسرائيلي مجزرة بحق المتظاهرين السلميين، واستشهد فيها 62 فلسطينيا، وأدت إلى جرح الآلاف.

وتقول الكاتبة إنها حاولت الاتصال بصديقتها ريما في غزة، لكن دون جدوى، مشيرة إلى أنها تنفست الصعداء عندما استطاعت أخيرا الوصول إليها؛ لأنها كانت تعلم أنها هي وعائلتها مشاركون في المسيرات، فكانت أول كلمات قالتها لها: "كان الأمر مريعا، كانت مذبحة يا سارة".

وتستدرك هيلم قائلة إن صوتها كان يوحي بأنها مريضة، لكنها قالت: "إنه الغاز المسيل للدموع، إلا أنني بخير، لكن أخي الصغير أصيب برصاصة في ساقه، ولم نكن نعلم أين ذهب، لقد اختفى في الزحام ثم لم نجده، ثم قال لنا أحدهم إنه في مستشفى الشفاء، وذهبنا بسرعة ووجدناه هناك، وكان في حال جيدة والحمد لله، إصابته ليست سيئة، لكن الأجساد كانت في كل مكان".

 

وتشير الكاتبة في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنها سألت عن بقية العائلة، فقالت: "كلنا بخير، ماما بخير لكنها خائفة، كانت تتوقع أنهم سيطلقون النار علينا".

 

وتجد هيلم أنه "بالنظر للتغطية الإعلامية لمسيرات غزة، فإن الأمر قد يبدو وكأن العالم سيتدخل حالا لوقف المجزرة، لقد حملت معظم الصحف عناوين على صفحاتها الأولى عن المذبحة، مع دعوات من الأمم المتحدة وزعماء العالم لـ(ضبط النفس)، ووصف إطلاق النار على الفلسطينيين العزل بأنه (مأساوي) و(حزين)".

 

وتستدرك الكاتبة بأن "الفلسطينيين في غزة يحتاجون لأكثر من عبارات التعاطف إن كان القتل سيتوقف، وهم يعلمون جيدا أن انتباه العالم سيتحرك بعيدا عنهم بمجرد توقف مأساة القتل، ويعلمون أيضا أن الضوء الذي سلط على قصتهم سيبتعد قريبا، وتستمر حياتهم تحت الحصار، مختفية خلف الجدار العازل".

 

وتلفت الكاتبة إلى أن "الفلسطينيين خسروا المعركة العسكرية مع إسرائيل منذ عام 1948، عندما تم طردهم من أراضيهم، وفي السنوات الأخيرة خسروا المعركة لمعظم ما تبقى من أراضيهم، فانسلخت غزة عن الضفة الغربية، حيث تتزايد المستوطنات يوما بعد يوم".

 

وتفيد هيلم بأنه "أصبح لدى الفلسطينيين مؤخرا أمل بأنهم بدأوا بكسب (حرب السرديات)، بعد أن هدمت اتفاقية أوسلو، ومات حل الدولتين، ونجح جيل الشباب من الفلسطينيين في إحياء رواية سلبهم عام 1948، وكانت الفكرة من مسيرة العودة الكبرى هي إبراز مظالم 1948 للملأ، بصفتها محورا لإحياء الذكرى السبعين للنكبة".

 

وتبين الكاتبة أنه "بدلا من ذلك، فإن أحداث الأسابيع الأخيرة، خاصة الأيام الأخيرة، أثبتت أن الفلسطينيين خسروا أهم هدف: أن يعاملوا بصفتهم بشرا".

 

وتقول هيلم: "لقد تعرفت على هؤلاء البشر عام 1993، في نهاية الانتفاضة الأولى، وكانت أول قطعة كتبتها في (إندبندنت) بعنوان (أطفال غزة يعيشون ويموتون تحت البندقية)، وكان الوضع بالطبع سيئا، لكن أهل غزة كانوا يفتخرون بإمكانيتهم مقاومة الاحتلال، وكانت هناك فرصة للسلام، حيث كانت المفاوضات جارية بعد توقيع اتفاقية أوسلو".

وتنوه الكاتبة إلى أن "العالم كان مدركا لأسس القضية الفلسطينية، وأن احتلال غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية لم يكن قانونيا، ويتعارض مع اتفاقيات جنيف والقانون الدولي".

 

وتقول هيلم: "عدت إلى غزة عام 2014، لأول مرة بعد سنوات كثيرة، لأجد أن الأمل بالسلام قد دفن تحت أنقاض حرب أدت إلى مقتل 2500 شخص في غزة، وبعد الصراع الذي وقع عام 2014، أعرب حكام العالم عن مشاعر الغضب ذاتها، التي يعربون عنها اليوم، لكنهم لم يتخذوا أي خطوات عملية، وزادت المعاناة الإنسانية مع تكثيف الحصار". 

 

وتضيف الكاتبة: "في زيارة قريبة قمت بها إلى غزة، شهدت أدلة متزايدة على حالة اليأس التي جعلت الناس يخاطرون في حياتهم بالتظاهر في المنطقة العازلة، ويختصر هذه المشاعر ما قاله أستاذ في غزة: (يعتقد الناس أن العالم لم يعد يتعرف عليهم، ولا أحد يعرف بقصتهم أو يهتم بها)، وعبرت عن هذا محامية شابة بالقول: (يظنون أننا حيوانات نعيش تحت الحجر)".

 

وتتابع هيلم قائلة: "في بداية شهر آذار/ مارس، ذهبت إلى المنطقة العازلة، وتحدثت مع بعض المتظاهرين الشباب، الذين يخاطرون في حياتهم بقذفهم الحجارة قريبا من السياج، ولم يبد أنه يهمهم أن يعيشوا أو يموتوا".

 

وتواصل الكاتبة قائلة: "في طريقي خارجة من غزة بعد ذلك، قدت سيارتي بجانب الحدود من الجهة الإسرائيلية، ورأيت الجنود الإسرائيليين يتدربون بطائرات دون طيار (درون)، ويقيمون مواقع للقناصين، كان يوما مشمسا، ويبدو أنهم كانوا مستمتعين بوقتهم، وبالنظر الآن إلى ذلك اليوم أدرك أنهم كانوا يحضرون أنفسهم لإطلاق النار على البشر، وقتل الذين كانوا يخططون للاحتجاج على الجانب الآخر من السياج".

 

وتمضي هيلم قائلة: "خلال حديثي مع صديقتي ريما، قالت لي إنها كانت تنظر في قائمة القتلى في اليوم السابق، وبأنها رأت اسم أحد الجيران، وخشيت من رؤية أسماء أخرى ممن تعرفهم فتوقفت عن القراءة، وقالت: (لكني قرأت بعض ما نشر على صفحات (فيسبوك) الخاصة ببعض من قتلوا فوجدت أن بعضهم كتب أنه ذاهب إلى المنطقة العازلة ولا يهمه حتى إن قتل)".

 

وتختم الكاتبة مقالها بالقول: "سألتها: (ماذا يقول الناس إنه سيحدث بعد ذلك؟)، فأجابت: (لا أحد يعلم.. لكن أمي تعتقد أنهم سيقصفوننا بالقنابل لاحقا، وأن شيئا أسوأ سيحدث، كثير من الناس يقولون ذلك)، وسألتني: (ماذا تظنين؟)، فأجبت أنني لا أعلم، لكن ولأنه لم يعد حتى ينظر إلى أهل غزة على أنهم بشر، فقد تكون أمها محقة".

التعليقات (0)