مقالات مختارة

هل ماتت السياسة في مصر؟

جمال سلطان
1300x600
1300x600

السياسة هي فن إدارة الشأن العام، سواء على مستوى النظم السياسية والحكومات أو على مستوى الأحزاب المعارضة أو أي مشتغل بالشأن العام، وفن الإدارة السياسية يقتضي مراعاة التوازن والحفاظ على السلام الاجتماعي واستقرار الدولة وتفكيك أي مسببات للتوتر الشديد أو ما يسبب إثارة للشعور الجمعي ومن ثم للقلاقل في البلاد، وفي هذا السياق تكون هناك فكرة "المواءمات" في القرارات السياسية وما يتعلق بها، فإذا غابت تلك "المواءمات" ظهر الاضطراب في القرار السياسي وفتح الباب أمام توترات لا معنى لها وكان يمكن تخطيها بسهولة.

تعاني مصر الآن من اتهامات دولية بما يسمى "عسكرة الدولة"، وتتحدث صحف عالمية ووكالات أنباء عالمية في تقارير عديدة عن هذا المعنى، بصيغة أو أخرى، ولسنا هنا في مجال دفع الاتهام أو تفسيره أو تأويله، وإنما في مجال رصد ما يجري حولنا، فهل هذا السياق الذي تحياه مصر، وفي ظل تلك الاتهامات والشبهات التي ينثرها آخرون بالحق أو بالباطل، يتم اختيار المتحدث العسكري السابق باسم القوات المسلحة ليكون نائبا لرئيس حزب المعارضة الرئيسي أو مساعدا له ؟، هل هذه الخطوة تحترم أي قاعدة من قواعد "المواءمات السياسية" في أي بلد يعرف ألف باء السياسة ؟، هل انضمام العميد محمد سمير لحزب الوفد ليكون مساعدا لرئيسه الجديد والذي هو والد مستشار رئيس الجمهورية، هل هذه الخطوة تمثل خدمة للاتهامات الدولية المشار إليها أم نفيا لها ؟.

أيضا، عندما يتحدث رئيس الجمهورية عن صعوبة الإنفاق على البنية الأساسية للبلاد وتحديث بعض قطاعاتها الحيوية مثل هيئة السكك الحديدية، لقلة المال، وأن الدولة بحاجة إلى شد البطون وتقليل الإنفاق، ثم يقول أنه مضطر لرفع الأسعار على الخدمات الرئيسية التي تمس ملايين الفقراء والبسطاء، مثل رفع أسعار المواصلات العامة وشبكة المترو ورفع أسعار الوقود لتغطية هذا النقص الذي تعانيه الدولة، وأن على الفقراء أن يتحملوا، وأنه يتفهم تضحياتهم، ثم في نفس الوقت تصدر القرارات والتشريعات التي ترفع رواتب الوزراء وكبار المسئولين في الدولة بنسب كبيرة للغاية، ويصدق رئيس الجمهورية على تلك القرارات، فهل هذا التناقض يبعث برسالة إيجابية إلى الناس، إلى الشعب، أم أنه يعطي الرسالة الأكثر خطورة، وهي أن ما يعني القيادة هم فئة صغيرة من معاونيها ومسانديها، وبقية الشعب لا اعتبار له، وعليه أن يقبل ما يملى عليه أو يشرب من البحر.

أيضا، لا أعرف المعايير التي تم على أساسها الإفراج بعفو رئاسي عن عدد من القتلة والبلطجية الكبار، بمن فيهم أشهر بلطجي في مصر، والذي ألقت أجهزة الأمن القبض عليه وصادرت ترسانة من الأسلحة والذخيرة، وسجلت محاكمته قصصا تشيب لها الولدان من جرائمه وسطوته في عالم الجريمة، لا يقضي سوى سنوات قليلة في السجن، ثم يصدر رئيس الجمهورية بنفسه قرارا بالعفو عنه، وفي الأسبوع نفسه يتم الحكم بسجن باحث سياسي عشر سنوات من خلال محكمة عسكرية بتهمة نشر أبحاث تتعلق بأوضاع في سيناء تعتبرها بعض المؤسسات مما يمس الأمن القومي، هل المقارنة التي يجريها الآن محللون أجانب ووكالات أنباء بين الواقعتين : العفو على زعيم البلطجية وسجن باحث سياسي، هل هي مقارنة ستخدم النظام وسمعته، وهل يمكن أن توضع تلك المقارنة في أي قاعدة من قواعد "المواءمة" السياسية ؟

لقد قال الرئيس عبد الفتاح السيسي ذات يوم بأنه "مش بتاع سياسة"، واعتبرها كثيرون زلة لسان لم يقصدها، وأرجو أن تكون كذلك، ولكن الذي يجري الآن في مصر من تناقضات لا يمكن أن تجري وفق أي مفهوم سياسي، غير أن ما يجب أن يدركه الرئيس أن "السياسة" بالنسبة لقادة الدول ليست اختيارا، بل هي ضرورة للمنصب الرفيع، وتجاهلها يمثل خصما مباشرا من المنصب ورمزيته واستقرار النظام بكامله.

المصريون المصرية

التعليقات (2)
امتثال مطر مصرية حرة مناهضة للانقلاب
السبت، 16-06-2018 06:14 م
اوافقك الراي تماما استاذ جمال سلطان في اغلب ماذكرت الا اني لي راي اخر اراه انة الارجح الذي من اجلة اقال السيسي وزير داخليتة ! وذلك علي حسب علمي واطلاعي علي الكثير من القضايا الساخنة التي مرشحة للانفجار او ربما تكون هي السببوفي نشر الحرب العالمية الثالية ! لان اسرائيل تخطط لاخراج حماس من غزة وجلب دحلان مكانها ! ليحمي امن اسرائيل وسيعملان سويا مع السيسي وداخىيتة لقمع المقاومة بمشاركة دولية سيشرعنوا لها في وقتها لتكون امرا واقع والله اعلم.
مصري جدا
الأربعاء، 23-05-2018 05:06 م
منذ خمس سنوات اتابع وارصد واحلل واتوقع واتصور واتتبآ ،،،، وفي الاخير وصلت لقتاعة ،،، ان ما تعانيه مصر في السنوات الاخيرة خاصة بعد ثورة يناير حتى اليوم هو حصاد لعنة الدم ،،، دم الالاف من القتلى والتى وقف البعض حيالها محرضا مشجعا فرحا ،، ووقف البعض صامتا ساكتا خرسا ،،، كلنا يدفع ثمن هذه اللعنة