كتاب عربي 21

درنة.. العجز ونكد السياسة!!

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600

حرب بنغازي، التي لم تشهد لها المدينة مثيلا في تاريخها المعاصر، لم تكن عبرة لأهل "برقة"، ولم يقف عقلاء المدينة من أعيان ومثقفون وساسة وقفة صادقة مع نتائجها ليقولوا كلمة في منطلقها ومسارها داعين إلى بدائل لمعالجة الأخطار المشابهة.

لقد اختبأ من ظلوا مناصرين للحرب وراء دعوى "الانتصار على الإرهابيين" وحجة "الأمن والتعافي"، لكن كلفة الحرب تأبى إلا أن تصدم تأييدهم، ويأبى الاختلال الأمني المشاهد اليوم إلا أن يهدم حجتهم.

لا شك عندي أن تفجير الأمس الذي هز قلب المدينة هز أيضا أركان جمهرة كبيرة من الذين أيدوا الحرب في بدايتها، فالخطر المجهول ما يزال شبحه مخيما على بنغازي، وما تزال أصوات الانفجارات المرعبة التي تحصد أرواح الأبرياء تفزع من بحثوا عن الأمان بدعم الحرب.

هذه المقدمة أساسية لمناقشة الحرب الدائرة على درنة اليوم، وما يزال أمام أهل العقل والتفكير من النخبة "البرقاوية" بكافة أطيافها فرصة لفتح ملف التحديات التي واجهتها، ولا تزال تواجهها، بنغازي ومدن الشرق، والبحث فيه بموضوعية وعمق، وتقييم كافة مسارات احتواء التحديات وفي القلب منها الحل العسكري، والخلوص إلى نتائج صحيحة.

أما إذا اختاروا الصمت والانتظار أملا في أن تكون نتيجة الحرب على درنة أفضل، فهذا العجز بشحمه ولحمه، والهزال في أبشع صوره.

خطير يا إخوة مراكمة الكراهية بين أبناء الوطن بدفعهم للمواجهة لأسباب لا يمكن أن تبرر إشعال حرب معروف نتائجها ماديا ومعنويا.

بشع يا إخوة أن تخنق مدينة بالشكل الذي يحصل اليوم، ومخزٍ أن تُمطر بحمم النار كما يشاهد الجميع، وهل يمكن أن يفهم من الحصار وقصف الأحياء المأهولة بالسكان إلا العقاب الجماعي لعدم انحياز الغالبية العظمى من أهلها لصف للكرامة كما فعل أهل بنغازي؟!

القذائف والرصاص يا إخوة لا تخطف فقط الأرواح، وهذا في حدث ذاته أمر عظيم، بل تجرف الوئام الاجتماعي وتهتك الانسجام المجتمعي وتظلل الذاكرة بسواد لا يمكن أن يسطع معه نور لسنوات قد لا تعد.

أهل مكة أدرى بشعابها، ولقد استمعنا إلى طيف متعدد من سكان المدينة ينفون أن يكون مقاتلو درنة إرهابيين.

أقول دعوا أهل المدينة يتحملون المسؤولية في حال ظهر أن هناك إرهابا يمكن أن يهدد جيرانها، وهم سيكونون في مستوى المسؤولية وقد رأينا ذلك في حربهم على تنظيم الدولة، إذا لا يمكن أن يهزم تنظيم متمكن في ثلاثة أيام لولا تكاتف الدراونة جميعا.

لماذا لا نفكر بهذا الشكل الموضوعي والإيجابي، ولماذا طبول الحرب ولون الدم وشبح الموت أحب إلينا من الطريق السلم والوئام، وماذا سنخسر إذا أعطينا لمقاربة الصلح فسحة، ولماذا تم وأدها بعد أن ظهرت لها أزهارا تؤذن بميلاد الثمر؟!

إنها السياسة القذرة، والطموح الزائف والعقل المستبد الذي لا يفقه إلا لغة العنف لفرض الإرادة، ولا يرى مسار للارتقاء في معارج السؤدد إلا بدخان الحروب وأكوام الجثث والقهر بالقوة.

يبدو أن الوضع في درنة مختلف عن بنغازي اختلافا جليا، فالجموع الكبيرة التي انضمت للكرامة من الشباب ورجحت كفة الجيش ضد مجلس شورى بنغازي لا وجود لها في درنة، ويظهر أن الوضع معكوس تماما.

بناء على ما سبق، فإن الحرب اليوم موجهة ضد المدينة والغالبية العظمى من سكانها، وليس ضد مجموعة صغيرة من المسلحين، وهو ما لا يمكن تبريره بحال، وستكون نتائجه أكبر مما شهدناه في بنغازي.

0
التعليقات (0)