مقالات مختارة

لماذا نستعيد دروس نكسة يونيو الآن؟

جمال سلطان
1300x600
1300x600

تحل غدا الذكرى السنوية الحادية والخمسون لأكثر أيام مصر إيلاما ومرارة في تاريخها الحديث، ذكرى هزيمة الجيش في نكسة يونيه 1967، وخسارة سيناء التي تمثل أكثر من ربع مساحة مصر كلها، فضلا عن خسارة قطاع غزة والقدس والدمار الشامل الذي لحق بالقوات المسلحة والإهانة التي لحقت بالعسكرية المصرية، والخراب الذي عم البلاد بسبب استنزاف مواردها في محاولة إعادة بناء القوة، ووصلنا إلى حد أن يتجول المطربون والمطربات في العواصم للحصول على عملة صعبة في الحفلات لدعم "المجهود الحربي"، فضلا عن تفجير النكسة للصراع الدموي في أعلى هرم السلطة، بين مجموعة عبد الحكيم عامر نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وصاحب الهيمنة الفعلية على الجيش، ومن معه من أجهزة أمنية، مع مؤسسة الرئاسة بقيادة عبد الناصر ومن يدين لها بالولاء من أجهزة أمنية، والتي أنهاها عبد الناصر بذكاء بفكرة الاستقالة الجماعية للقيادتين العسكرية والسياسية، فنزع السلطة عن عامر ومجموعته وجردهم من رتبهم العاملة، ثم تراجع هو بلعبة المطالب الشعبية برفض تنحيه عن السلطة، قبل أن تتم تصفية مجموعة عامر، بل تصفية عامر نفسه الذي تصر أسرته وكثير من الباحثين أنه تمت تصفيته عمدا، وتحويل بقية القادة والمجموعات الأمنية الموالية له لمحاكمات عسكرية انتهت بهم إلى السجن، حيث تم تحميلهم كامل فاتورة الهزيمة.


لنكسة يونيه مرارة شخصية، فهي الحرب التي فقدت فيها شقيقي الأكبر الشهيد مهندس حسين سلطان، وكان وقع فقده مدمرا للأسرة وللوالدين تحديدا، حيث ضاع جثمانه، ضمن آلاف آخرين من ضباط وجنود مصر، الذين كان الجنود الصهاينة يتسلون بصيدهم في صحراء سيناء وهم هائمون على وجوههم في الضياع بلا سلاح ولا غذاء ولا ماء ولا قيادة، ثم يقومون بدفنهم في مقابر جماعية ما زالت مجهولة، وقد صنفوا بعد ذلك رسميا تحت وصف "مفقود عمليات حربية"، حيث ظل الأمل في عودتهم يمزق أحشاء الأمهات، ولو كانوا تسلموا جثثهم لكان أقل عذابا.


غير أن نكسة يونيه كانت جرح وطن بكامله، وجيل بكامله، عاش الهوان والانكسار والذل، الذي لم يخفف منه سوى النصر السريع الذي تحقق في حرب أكتوبر، حتى ولو كان نصرا غير مكتمل، إلا أنه خفف من وقع الهزيمة، وقلل من آلام النكسة، وأعاد لنا شيئا من الكرامة المهدرة.


نكسة يونيه، يمكن أن نحولها ـ إذا أخلصنا للوطن ـ إلى دروس تاريخية تنير واقعنا وتصحح بوصلة المستقبل، وهناك آلاف الشهادات التي قدمها قيادات عسكرية سابقة عاشت التجربة، وتجدثت عن أسباب الانكسار والهزيمة، تحدثت عن خطورة غرق القيادة العسكرية وقتها في الحياة المدنية، لدرجة الانشغال بمنافسات كرة القدم وصراعات الأندية، ومشكلات الفنانين وترتيب الحفلات معهم وربما العلاقات واللهو والزواج، وتصوير الأفلام المخلة لبعضهن لتوظيفها فيما بعد، كذلك تحدث هؤلاء القادة عن انشغال الجيش بالصراعات السياسية بين عبد الناصر وعبد الحكيم والانشغال بالنشاط الاقتصادي وإدارة الشركات والمصانع المدنية والمؤسسات التي تم تأميمها.


كذلك تحدث القادة في مذكراتهم عن غياب الحريات العامة وسيطرة الأجهزة الأمنية على كل مفاصل البلد، وانتشار الخوف بين الناس، وتهميش إرادة الشعب واستسهال تزويرها، وبروز ظاهرة الوثنية السياسية بتأليه الزعيم القائد المنقذ الذي بدونه تنهار البلاد وتسقط وتضيع، لدرجة أن بعض "المنافقين" اعتبر أن مصر لم تهزم في النكسة لأن "إسرائيل" لم تنجح في إسقاط الزعيم عبد الناصر، فكأن إبادة الجيش وسحقه وتدمير مقدرات الوطن وإذلال مصر وشعبها والهزيمة التاريخية المهينة والمروعة كلها أهون من إقالة رئيس الجمهوية، وتحدثوا عن غياب الشفافية، وحظر المعلومات عن الناس وعن الإعلام والتي تصحبها دائما غياب الحقائق، باعتبار أن القائد الملهم يعرف أكثر من الجميع وهو منزه عن الهوى والخطأ والجهل، تحدثوا عن تشكيل التنظيمات السياسية ذات الطابع الأمني لدعم النظام والسيطرة على الجامعات وعلى القضاء وعلى المؤسسة الدينية، تحدثوا عن انتشار الدجل الإعلامي وغسيل المخ للبسطاء والحديث عن عصر البطولات وامتلاك أدوات وإرادة القوة الجبارة التي تقهر الأعداء وتخيف الدول العظمى نفسها، من قبل كهنة محترفين في الصحف ووسائل الإعلام، حتى أفاقت البلاد ـ عندما أفاقت ـ على الكارثة، ولكن بعد فوات الأوان.


ينسبون إلى "كارل ماركس" العبارة الشهيرة : التاريخ يعيد نفسه، في المرة الأولى كمأساة، وفي المرة الثانية كمهزلة، ونحن لا نحب لبلادنا وأوطاننا، لا إعادة المأساة، ولا إعادة المهزلة، وأسأل الله أن تكون يونيه آخر النكسات، وآخر الهزائم، وأن يحفظ بلادنا من كل مكروه وسوء.

 

المصريون المصرية

1
التعليقات (1)
مصري جدا
الثلاثاء، 05-06-2018 04:45 ص
يقولون ان التاريخ لا يعيد نفسه ولكننا نكرر الاخطاء وبالتالي تكون نفس التداعيات والنتائج ،،، لذا الذي يعيد نفسه هو الانسان الذي لا يتعلم من تجاربه الشخصية وتجارب الاخرين ،،،