قضايا وآراء

الرسول والجمال

عصام تليمة
1300x600
1300x600

إذا كان القرآن قد أسهب في الحديث عن الجمال، وعن أنواعه، والجمع بين المنفعة والتزين بالجمال، وقد ذكرنا ذلك اختصارا في مقالنا السابق، فلا تختلف نظرة رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم للجمال عن نظرة القرآن الكريم.

 

فالبحث عن كلمة الجمال بكل جذورها ومشتقاتها؛ سنجد كمًّا من النصوص والممارسات لمحمد صلى الله عليه وسلم، قلما نجده في كتاب سماوي، أو تعاليم نبي آخر، وأول ما نقرؤه له، هو حديث ورد في مقام تصحيح معنى الجمال، وأنه لا يلتقي مع الكبر في شيء، إن قصد الإنسان التجمل به، فالله عز وجل أمر المسلم أن يتجمل بقوله: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) الأعراف، فسأل أحد الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله إني أحب أن يكون ثوبي حسنا، وشكلي حسنا، هل ذلك من الكبر؟ قال صلى الله عليه وسلم: لا، إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس".


ومن المواقف المهمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والتي توضح مكانة الجمال في حياته وتعاليمه، عندما توفي ابنه إبراهيم، وكان في المقابر يدفنه، وقد قام بهذه المهمة أحد الصحابة، وبعد الانتهاء من دفنه، نسي الرجل فجوة صغيرة في القبر، فقال له صلى الله عليه وسلم: "اردمها"، أي أغلقها بشيء من الطين، وتعجب الصحابي هنا من هذا الأمر، فما الحكمة منها؟ فقال متسائلا ومتعجبا: يا رسول الله، أو يضره ذلك أو ينفعه؟!! يعني: هو ميت، هذه الفجوة الصغيرة لن تدخل له بردا في الشتاء، ولا حرا في الصيف فيتأذى منها، فما الحكمة من ردمها، وهي لن تضره، فقال صلى الله عليه مبينا حكمة أمره بردمها، وهل تضره أو تنفعه: قال: لا، أي لا تضره، "ولكنها تؤذي العين"، أي من حيث المنظر الجمالي مؤذية للرؤية البصرية، سيكون القبر مستويا إلا في موضع منه فيه فجوة، تشوه الشكل عند الرؤية. فإذا كانت نظرة الرسول صلى الله عليه وسلم لقبر لن يزار إلا مرة كل فترة، أو مرات محدودة طول العمر، وربما لا يزار مطلقا، له كل هذا الاهتمام منه من حيث جمالياته، واتساق بنيانه الذي لا يرتفع عن الأرض إلا قليلا، فكيف إذن هي نظرته لجمال الشوارع، وجمال البيوت، وجمال الثياب، وجمال الحياة من حوله؟


لعل الحديث السابق يبين قيمة الجمال وأهميته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تكن نظرته للجمال نظرة سطحية، تقف عند جمال الأشكال، دون الغوص والاهتمام بجمال الجوهر مع الشكل، ولكن الشكل يعطي عنوانا للشخص، وعنوانا لدينه، ولذا نهى صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والثوم دون طبخ، لما ينشره من رائحة كريهة، فإن كان لا بد من أكلهما، فعلى آكلهما أن يتجنب إيذاء الناس برائحته الكريهة، فقال: "من أكل بصلا أو ثوما فلا يقربن مصلانا"، أي لا يؤذي الناس بهما.

 

ولكن اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالجمال في كل شيء أمر، في أمور لا يتوقع الإنسان الاهتمام منه بها، فيهتم صلى الله عليه وسلم بجمال الصوت عند الأذان، وعند تلاوة القرآن، فعندما رأى عبد الله بن زيد رضي الله عنه رؤيا الأذان، وقد وافقت ما أوحى الله له به، فقال له صلى الله عليه وسلم: "حفظها بلالا فإنه أندى صوتا منك"، فبحث عن الأجمل صوتا ليكون عنوانا للصلاة، وقال لأبي موسى الأشعري ممتدحا جمال صوته في تلاوة القرآن: "لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود"، وهكذا نظرته صلى الله عليه وسلم للجمال بكل مجالاته، وكل مستوياته، وهذه لمحة مختصرة فقط، تدلنا على قيمة الجمال في نظر القرآن، وفي نظر رسولنا صلى الله عليه وسلم.

0
التعليقات (0)