قضايا وآراء

"فوبيا" النمو الديمغرافي الإسلامي في أوروبا

بلال التليدي
1300x600
1300x600

تنامت في السنوات الأخيرة ظاهرة قلق صناع القرار السياسي الأوروبي من الهجرة، وأصبح هذا الموضوع وشكل مقاربته محددا أساسيا للعمليات الانتخابية، ولتدبير العلاقة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فضلا عن العلاقات البينية، بل أصبح جزءا لا يتجزأ من التنسيق الأمني الإقليمي، ومن الشراكات الاستراتيجية مع دول جنوب المتوسط.

بعض السياسيين الأوروبيين (مدعومين ببعض مخرجات مراكز الأبحاث الغربية) يحاولون أن يبرروا هذا القلق من خلال البحث عن علاقة مفترضة بين الهجرة والإرهاب، أو على الأقل الانطلاق من تنامي الظاهرة الإرهابية في أوروبا، وتشغيل الآلة الإعلامية الضخمة لوضع الهجرة في دائرة الاتهام.

لكن، حتى الآن، لا توجد دراسات وجيهة تربط بشكل سببي بين الهجرة والإرهاب، في مقابل عدد واسع من الدراسات التي تسلط الضوء على أثر الهجرة في تنامي قيم التسامح والانفتاح والاندماج أيضا.

الواقع، أن السبب الحقيقي الذي يفسر كل هذا القلق، لا يرتبط بالهجرة ولا بآثارها المفترضة، وإنما يتعلق بالهجرة من حيث كونها أحد أهم أسباب تغيير البنية الديمغرافية في أوروبا.

في دراساته الديمغرافية المتعددة، يحصر مركز بيو عوامل انتشار الإسلام في أوروبا وأمريكا بثلاثة عوامل رئيسة: التحول إلى الإسلام عبر الاقتناع والاعتقاد، الزواج بالمسلم أو المسلمة، ثم الهجرة.

 

السبب الحقيقي الذي يفسر كل هذا القلق، لا يرتبط بالهجرة ولا بآثارها المفترضة، وإنما يتعلق بالهجرة من حيث كونها أحد أهم أسباب تغيير البنية الديمغرافية في أوروبا


في مراقبة تطور البنية الديمغرافية في أوروبا خلال نصف قرن، تم تسجيل فاعلية عامل الهجرة على ما عداه من العوامل الأخرى. إذ قفزت القاعدة الشعبية للمسلمين في أوروبا إلى حوالي 4.9 في المئة خلال سنة 2016، وبلغت في فرنسا 8.8 في المئة، وفي السويد 8.1 في المئة، وفي بريطانيا وألمانيا وسويسرا أكثر من 6 في المئة.

المعطيات البحثية في ديمغرافية المسلمين في أوروبا حسب دراسة ديمغرافية صدرت عن مركز بيو في أواخر السنة الماضية (2017)، تقرر خمس حقائق مهمة، أولها، احتضان فرنسا وألمانيا لأوسع ساكنة مسلمة في أوروبا، وثانيها، أن التزايد الديمغرافي للمسلمين في أوروبا عرف أكبر نسبة نمو، وأنه سيستمر على تزايد مطرد في العقود القادمة، وثالثها، أن فئة الشباب هي الأكثر في صفوف المسلمين الأوروبيين مقارنة مع الأوروبيين الآخرين، ورابعها، أن ما بين 2010 و2016، شكلت الهجرة العامل الأكبر لتزايد نسبة المسلمين في أوروبا. أما الحقيقة الخامسة، فتتعلق، بآراء المسلمين التي تختلف وتتباين على نطاق واسع في بلدان أوروبا.

 

سيناريوهات لتزايد المسلمين في أوروبا، تتباين نتائجها، لكنها تجتمع في توقع تضاعف نسبة المسلمين في أوروبا

قد تبدو هذه الحقائق البحثية في بنية الديمغرافية الأوروبية كافية لتفسير سبب قلق صناع القرار السياسي من الهجرة، لكن، إذا أضفنا إلى ذلك التوقعات والسيناريوهات البحثية التي توضع بني يدي صناع القرار السياسي الأوروبي، يمكن أن نفهم بشكل أوضح إلى أي درجة يتخوف الساسة الأوروبيون من أن يحتل الإسلام المساحة الأكبر، حتى بدون أن ندخل عامل الهجرة في الاعتبار. فقد وضعت على سبيل المثال دراسة "Europe’s Growing Muslim Population" ثلاثة سيناريوهات لتزايد المسلمين في أوروبا، تتباين نتائجها، لكنها تجتمع في توقع تضاعف نسبة المسلمين في أوروبا، إذ يعتبر السيناريو الأكثر تشاؤما (هجرة قوية) أن تصل نسبة المسلمين في أوروبا إلى 14 في المئة سنة 2050، و11 في المئة في السيناريو المعتدل (هجرة معتدلة)، و7.4 في المئة في حال عدم إدخال معامل الهجرة في الحسبان.

قد نفهم من خلال هذه المعطيات سبب الانزعاج الأوروبي من الهجرة، ونفهم أيضا اللغة التضليلية التي تتوارى خلفها وسائل الإعلام، حين تحاول أن تربط بين الهجرة والإرهاب، لتزيف وعي الرأي العام حول المخاوف الحقيقية للساسة الأوروبيبين، وقد نفهم أيضا السببب الذي يدفع هؤلاء إلى بذل أموال وشراكات، وأحيانا ممارسة التهديد والضغط، وتكثيف التنسيق الأمني الإقليمي من أجل محاصرة أي هجرة مرتقبة، لكن ما ليس مفهوما في رؤية السياسيين الأوروبيين، أن الهجرة التي غزت أوروبا في السنوات الأخيرة، هي حصيلة السياسات الخارجية الأمريكية والأوروبية في المنطقة العربية، وبشكل خاص موقفها المعاند لرياح الديمقرطية في العالم العربي، وتوجهها المحافظ الذي يقدم أولوية الأمن على أولوية الديمقرطية، والنتيجة، أن هجرة السوريين أو الليبيين، أو بعض دول شمال أفريقيا الأخرى أو غيرها، ليست في المحصلة سوى نتيجة لعدم وفاء أوروبا بتعهداتها في تنمية جنوب المتوسط، ورهانها بالدرجة الأولى على أن تتحول هذه الدول إلى دركي يحمي الحدود الأوروبية من الهجرة والإرهاب والجريمة العابرة للحدود، وتدخلها أحيانا لتقويض الاستقرار في حال إذا كان لا يتواءم مع مصالحها، كما يحدث في العديد من الدول الإفريقية جنوب الصحراء.

إذن، ثمة معضلة يستعصي حلها والتعاطي معها من لدن الساسة الأوروببيين، فمحاصرة الهجرة تقتضي تغيير السياسة الأوروبية الخارجية بشكل كامل، لجهة الانحياز لقضية الديمقراطية، بدل التقوقع في رؤية محافظة تتمحور حول الأمن، وإعادة النظر في مضمون الشراكة، والعمل على تشجيع تنمية حقيقية في جنوب المتوسط والحفاظ على الاستقرار في دول الساحل جنوب الصحراء، لكن، الإقدام على تغيير السياسات الخارجية، ينتج عنه وعي الدول العربية والأفريقية بمصالحها وسعيها لإعادة تعريفها من جديد؛ في علاقاتها مع أوروبا.

ولذلك أوروبا تختار الطريق غير المكلف، الثبات على سياستها الاستراتيجية حتى ولو كانت سببا في إنتاج الهجرة وتبرير تزايد نسبتها في العالم، والتوجه بعد ذلك إلى التفكير في مواجهة مخلفات سياساتها الاستراتيجية، حتى ولو شكلت تحديات قوية أمام الوجود الأوروبي المتكتل (الاتحاد الأوروبي)، وتقديم الحد الأدنى لضمان انخراط دول جنوب المتوسط في سياسات تبقي الهجرة في أماكنها، أو لم لا تتحول هي نفسها إلى دار إقامة بدل محطة عبور للمهاجرين كما هو الشأن بالنسبة للمغرب؟

التعليقات (0)