قضايا وآراء

غزة.. بين التسهيلات الإنسانية والهدنة المحتملة

ماجد أبو دياك
1300x600
1300x600

سلطت مسيرات العودة في غزة وما رافقها من استخدام وسائل نضالية مبتكرة، مثل استخدام الطائرات الورقية الحارقة ضد المستوطنات المجاورة، الضوء على معاناة قطاع غزة، والتي قد تسفر في حال تفاقمها أو استمرارها عن تصعيد غير محسوب بين إسرائيل وحماس؛ قد ينتهي بنشوب حرب بين الطرفين.

ولا تريد حماس هذا التصعيد وتحاول تجنبه حتى لا تتسبب بزيادة معاناة قطاع غزة، كما أن إسرائيل تتجنب ذلك لأنها لا تتحمل خسائر جديدة في المعركة القادمة التي قد تؤدي لقتلى وجرحى إسرائيليين، فضلا عن احتمال وقوع عدد من جنود الاحتلال تحت أسر حماس، مما يزيد الضغط الداخلي على حكومة الاحتلال ويدفعها لإنجاز صفقة تبادل جديدة مع حماس.

 

لا تريد حماس هذا التصعيد وتحاول تجنبه حتى لا تتسبب بزيادة معاناة قطاع غزة، كما أن إسرائيل تتجنب ذلك لأنها لا تتحمل خسائر جديدة في المعركة القادمة


أضف إلى ذلك، أن إسرائيل تريد أن تتفرغ للجبهة الشمالية مع حزب الله في لبنان، وإيران في سوريا، ما يجعل تهديد قطاع غزة أقل أهمية لها.

الحل الإنساني

وهكذا برزت فكرة الحل الإنساني الذي سعت له إسرائيل مؤخرا بدعم من الإدارة الأمريكية برئاسة الرئيس دونالد ترمب، وقد يمهد لتهدئة بين الطرفين. وتشمل هذه التسهيلات إقامة منطقة صناعية للعمل من قطاع غزة في سيناء، وفتح المعابر الحدودية مع مصر وإسرائيل، وبناء محطة تحلية مياه، وربما أيضا السماح بفتح ميناء غزة تحت رقابة إسرائيلية أو غربية لمنع تدفق الأسلحة لحماس من خلاله.

ويتضمن تطبيق التسهيلات تجاوز حماس؛ التي لن تعارضها طالما أنها تخفف الحصار عن الغزيين، وكذلك تجاوز سلطة عباس وإفشال مخططها لمحاصرة القطاع تحت حجة منع تطبيق صفقة القرن عبر غزة!!

ويسعى عباس للضغط على حماس في قطاع غزة لدفعها لتمكين الحكومة في القطاع بالكامل بما يشمل نزع سلاحها، أو مواجهة ثورة شعبية ضدها، من أجل إنهاء الانقسام، ومنع نجاح "مؤامرة" فصل الضفة عن القطاع، وإحباط صفقة ترامب، حتى لو تطلب ذلك استخدام نظرية الطائرة المخطوفة؛ بإسقاط الطائرة بخاطفيها حتى لو أدى ذلك للمس بالمدنيين الأبرياء.

 

تطبيق التسهيلات تجاوز حماس؛ التي لن تعارضها طالما أنها تخفف الحصار عن الغزيين، وكذلك تجاوز سلطة عباس وإفشال مخططها لمحاصرة القطاع تحت حجة منع تطبيق صفقة القرن عبر غزة!


ولكن مجلس وزراء الاحتلال فشل في اجتماعه الأخير في إقرار هكذا توجه؛ بسبب عدم جدية نتنياهو وسعيه لتجنب غضب المستوطنين وضغط عائلات الجنود الأسرى لدى حماس، والذين يريدون أن ترهن الحكومة هذه التسهيلات بإطلاق حماس للأسرى أو تسليم جثثهم للعدو.

مراهنة إسرائيلية

وهناك تقديرات تقول إن نتنياهو اتخذ قرارا بالتسهيلات، ولكنه يناور ويماطل من أجل محاولة ابتزاز حماس؛ لتقديم تنازلات تتعلق بسلاحها ضمن صفقة تنبني على نجاح الحل الإنساني. وهو بذلك يخاطر من جديد بإمكانية تصعيد المسيرات؛ وتصعيد حماس لوسائلها السلمية للإضرار بالمستوطنات في غلاف غزة.

 

الخطة الإنسانية سترتبط بخطة هدنة طويلة الأمد يجري التفاوض عليها عبر وسطاء دوليين؛ لا تشترط فيها إسرائيل نزع سلاح حماس الثقيل، ولكن تكتفي فيها بإغلاق الأنفاق


ويبدو أن الخطة الإنسانية سترتبط بخطة هدنة طويلة الأمد يجري التفاوض عليها عبر وسطاء دوليين؛ لا تشترط فيها إسرائيل نزع سلاح حماس الثقيل، ولكن تكتفي فيها بإغلاق الأنفاق الهجومية ووقف التزود بالوسائل القتالية ووقف الهجمات المتبادلة، وقد تتضمن رقابة أوروبية لتطبيق الخطة.

وتشير المعطيات التي توافرت لدى الكاتب إلى أن إسرائيل تتعاطى بإيجابية مع الخطة، ولكن حماس لا تزال تدرس خياراتها؛ لأن مثل هذه الهدنة قد تسهل تطبيق صفقة القرن بتوطين الفلسطينيين في سيناء وقيام دويلة في قطاع غزة إضافة لقيام فيدرالية في الضفة مع الأردن بما يعني إنهاء القضية وتمهيد الطريق للدول العربية بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل.

 

محمود عباس سيكون خارج هذا الترتيب؛ لأنه يرفض إبداء أي تعاون معه على الأرض، بل إنه يسعى لإفشاله من الناحية العملية


ومن المعلوم أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس سيكون خارج هذا الترتيب؛ لأنه يرفض إبداء أي تعاون معه على الأرض، بل إنه يسعى لإفشاله من الناحية العملية.

عملية مخطورة

ولا شك أن التسهيلات إذا ارتبطت بالهدنة فستكون محفوفة بالمخاطر؛ لأنها قد تسهل الطريق لتطبيق صفقة القرن على الأرض. أما ّإذا اقتصر الحل على التسهيلات، فستكون سلسة وسليمة، فضلا عن إمكانية تسهيل صفقة تبادل أسرى جديدة بين حماس وإسرائيل. وربما لا تكون هذه الصفقة قريبة، رغم الضغوط الداخلية لعائلات الأسرى الإسرائيليين على حكومة نتنياهو.

 

ربما لا تكون هذه الصفقة قريبة، رغم الضغوط الداخلية لعائلات الأسرى الإسرائيليين على حكومة نتنياهو

ولكن حماس قد تكون حققت شيئين: الأول تخفيف الضغط الشعبي عليها بأنها تتحمل مسؤولية الحصار، والثاني أنها تكون قد حققت إنجازا سياسيا عبر المقاومة السلمية الحقيقية وإبداعاتها، وأن دماء الشهداء التي سالت على الجدار لم تذهب هدرا، وأنها تستطيع الاستمرار بهذا النهج حتى في الضفة الغربية، فضلا عن المقاومة المسلحة هناك.

أما إسرائيل فتكون على الأقل قد أمنت جبهتها الجنوبية لكي تستطيع مع أمريكا تسخين جبهتها الشمالية ضد إيران وحزب الله.

التعليقات (0)