قضايا وآراء

أردوغان والجبرتي ومبارايات أحزان العرب

محمد ثابت
1300x600
1300x600
جرت الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تركيا الأحد الماضي (24 حزيران/ يونيو)، في نظام مُحكم بدأ منذ الصباح حتى الخامسة من مساء اليوم نفسه. وتم فرز الأصوات في ساعات محدودة في المساء، ليتم إعلان النتيجة.. فلا يستطيع معارض الاحتجاج، ليقينه أن النتائج كانت تعلن مباشرة عبر شبكة إعلامية دقيقة، لم تكن تغفل قرية نائية أو مركز اقتراع ولو كان على الحدود من البلاد؛ فضلا عن ارتفاع نسبة التصويت لـ87.15 في المئة، مما يعكس وعيا جماهيريا تركيا هائلا.

ورغم أن الانتخابات كانت رئاسية برلمانية معا، جعلت حزب "العدلة والتنمية" في مفترق طرق جديد يواجه خطرا صعبا طال حتى رئيسه "رجب طيب أردوغان"، إلا أن كاتب هذه السطور إذ شهد انتخابات رئاسية تركية سابقة في تركيا في 10 من آب/ أغسطس 2014م، تلتها انتخابات برلمانية في 7 تموز/ حزيران 2015م، وهي الانتخابات التي لم يتسن للحزب الحاكم الحصول على الأغلبية المطلوبة، فتمت إعادتها في أجواء قلقة في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه، حتى إذا انتهت الانتخابات البرلمانية جاء الاستفتاء على التعديلات الدستورية لتحول تركيا إلى سلطات أوسع لرئيس الجمهورية في 16 نيسان/ أبريل 2017م، ثم محاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف تموز/ يوليو من العام نفسه.

ستة استحقاقات مختلفة فاز فيها "أردوغان" وحزبه منذ آب/ أغسطس 2014م حتى اليوم، وكل مرة كنتَ تشعر بقوة أن الحزب ورئيسه على المحك، وينتاب الملايين القلق عليهما، حتى إذا جاءت الانتخابات الأخيرة شعرنا بشيء من الارتياح على نحو خاص. فالذي يدرك طبيعة وشخصية الرئيس التركي، يلحظ بقوة ميله إلى تحدي الصعاب وعدم انتظارها، بل ملاقاتها في أقرب طريق وفرصة.

ورغم مشاركة صاحب هذه الكلمات في أفراح الشعب التركي الصاخبة مساء الأحد الذي تمت الانتخابات فيه وأُعلنت النتائج، إلا أن صراخ الجماهير باسم الرئيس التركي "أردوغان"، بقدر ما أثار إعجابه برجل استطاع جمع مختلف ألوان من طيف الشعب التركي حوله، وأشعرهم بالاطمئنان والراحة من همّ الانقلابات المرير السابق، حيث كلفت الأخيرة البلاد والعباد استشهاد ومطاردة وإصابة الملايين.. إلا أن ترديد الملايين لاسم "أردوغان" لفوزه بنسبة تقارب 53 في المئة أشعر الكثيرين، بالإضافة لصاحب الكلمات بالخطر على التجربة التركية.

ومع التسليم بوجود نسبة عصية على التوافق، حتى مع ما تراه من إنجازات قوية على أرض الواقع، وهي النسبة التي تزيد على 47 في المئة من الأتراك، إلا أن الخطر الأكبر يأتي من رهن المشروع التركي الخاص بحزب "العدلة والتنمية" (كله) بشخص الرئيس فحسب، بحيث تصير "الكاريزما" الخاصة به؛ والمحبة الجماهيرية الطاغية مرهونة ومرتبطة بشخصه، فيما تهدد جهود الملايين، سواء من أبناء الحزب التركي الحاكم اليوم، أو الذين قادوا البلاد إلى هذه المكانة، تهدد جهود الجميع إمكانية غياب "أردوغان" لا قدر الله.

قبل الانتخابات التركية بأيام قليلة، وفي نهاية مباراة السعودية وأورجواي مساء 20 حزيران/ يونيو الجاري، ولما تأكد المعلق الخليجي من هزيمة الفريق العربي، أعاد على الملايين طرح وجهة نظر تتمثل في تحويل لقاء السعودية ومصر الكروي بعد أيام إلى "مهزلة" تفسد فرحة القائمين على كأس العالم بتعادل الفريقين 7/7 أو 8/8 مثلا، وهو الاقتراح الذي قال المعلق إنه لمغرد مصري.

وفي اليوم التالي للانتخابات التركية (الاثنين الماضي)، أعدمت السلطات المصرية صبيحة ذلك اليوم، بدم بالغ البرودة، الشاب "عبد الرحمن إبراهيم محمد"، المعروف بـ"عبد الرحمن الجبرتي" في سجن الزقازيق العمومي، بتهمة قتل رئيس مباحث قسم الجنانين بالسويس في آذار/ مارس 2013م، ودون انتظار نتيجة الطعن على الحكم الذي تقدمت به أسرة الشاب، في سابقة قانونية مريرة تطعن ميزان العدالة في مصر في مقتل.

في يوم الاثنين نفسه، جرت مباراة السعودية ومصر في كأس العالم 2018م في أجواء هامشية. فالفريقان انتهى أمرهما في كأس العالم بهزائم متتالية في جميع المبارايات، والمبارة بينهما تحصيل حاصل ليس أكثر، أما المفاجأة فهي ما تردد عن أن السعودية "اشترت" نتيجة المباراة لصالحها.

ومع قلقنا حول مصير التجربة الديمقراطية التركية في ظل عالم متلاطم متداخل، لا يحب لهذا البلد أن يزدهر أو أن يسير قدما إلى الأمام، إلا أن حال البلاد الحالي المانع بإحكام لتوقيع أحكام إعدام على أبرياء أو حبسهم، يطمئن القلوب والعقول إلى حين نرجو الله أن يمتد.

أما حال العرب في الهزل واللعب قيل الجد فيصيب بما هو أكثر من الإحباط، فوضى ومقتل لخيرة الشباب على يد السلطات المصرية، فيما بلد بحجم السعودية مشغول بالفوز في مباراة هامشية.

وما يزيد الشعور بضراوة الواقع العربي والمصري وقسوته، ما تشهده العين وتخبره من تخبط وتفلت متكررين من قبل البعض على الأراضي التركية نفسها، بخاصة في جانب العمل والمال.

اللهم احفظ التجربة التركية وأعن بفضلك وحولك الرئيس "أردوغان" على الوقوف في وجه التحديات بعد الفوز الانتخابي، وأيضا اختيار قيادات بديلة تقوم مقامه ما تغيرت الأمور والأجواء لا قدر الله، وأعن اللهم المخلصين من العرب والمسلمين وشرفاء العالم على مواجهة الأخطار الحقيقية المحدقة بهم بنزاهة، والبعد عن السفاسف من الأمور وعدم الإنصاف.
التعليقات (0)