مقالات مختارة

موقف العرب من القدس

حسن البراري
1300x600
1300x600

ما زال الغموض يكتنف موعد الإعلان عن «صفقة القرن» التي وعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن تكون أساساً لتسوية نهائية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويعتقد ترامب والثلاثي كوشنر وغرينبلانت وفريدمان بأن الفرصة قد لاحت لدفع العرب للقبول بالاحتلال الإسرائيلي وإضفاء الشرعية عليه. وكأن هناك مكافأة للتوسع الإسرائيلي الذي جاء كتعبير عن سياسة عابرة للحكومات والأحزاب في إسرائيل من أجل دفع المجتمع الدولي للتعامل مع منطق الأمر الواقع.


الرد العربي على قرار الرئيس ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل وبعدها افتتاح المقر الجديد للسفارة الأمريكية بالقدس كان باهتاً! وعدا عن مفردات الشجب والإدانة لم يحدث شيء إذ فاز الأمريكان ومعهم الإسرائيليون بالإبل، ولعل الانتظار الساخر لمندوبة الولايات المتحدة بالأمم المتحدة نيكي هيلي لسقوط السماء يكشف عن استخفاف أمريكي واضح بعواصم البؤس في الدول العربية الوازنة التي يتهمها الشارع العربي بأنها جزء من التفاهم مع ترامب. 


فما كان للرئيس ترامب أن يقدم على خطوة من هذا النوع لو كان لديه أي خشية من هذه العواصم العربية.


كتبت وغيري بأن العرب يقاربون الولايات المتحدة بأجندات وأولويات مختلفة، وهو أمر يعرفه صنّاع القرار في واشنطن، ولذلك لا يمكن الحديث عن تأثير عربي في القرار الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية، والمطروح الآن – حسب التسريبات عن بنود صفقة القرن – عاصمة في قرية أبوديس شرق القدس الشرقية (ومن باب الضحك على الذقون يمكن للعرب تسميتها القدس). ويصر الكاتب الإسرائيلي في صحيفة هآرتس زفي بارعيل بأن الفكرة هي سعودية، أي أن اقتراح قرية أبوديس عاصمة للفلسطينيين هي كل ما تفتق به عقل تيار الحزم في المملكة العربية السعودية. والمفارقة أن مصر ترفض فكرة أبو ديس، ولا نعرف إن كان هذا الرفض هو نتيجة لقراءة مصرية عميقة لمآلات الأمور أم هو موقف لابتزاز السعودية لدفع الأموال لمصر، وهو أمر ستكشف عنه الأيام.


في الأردن الوضع مختلف، فهناك رأي عام أردني ضاغط لرفض صفقة القرن وبخاصة عندما يتعلق الأمر بمدينة القدس والوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، والأردنيون بشكل عام لا يثقون بالموقف السعودي ويتهمون ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بتقديم التنازلات الكبيرة لإسرائيل لعل الأخيرة تساعد الأمير في سياسته الإقليمية التي لم تسجل أي نجاحات تذكر.

 

وبالنسبة للأردن فإن أي حل غير حل الدولتين ووفقا لمرجعيات عملية السلام سيشكل تراجعاً وربما تهديدا لمصالح الأردن وهو أمر يعيه الأردنيون قيادةً وشعباً. وهناك تيار جارف في الأردن يربط بين الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها الأردن ومواقفه القومية الصلبة وبخاصة في موضوع القدس، وعليه فإن دفع اقتصاد الأردن إلى حافة الهاوية يأتي ضمن خطة سعودية لتطويع الأردن للقبول بصفقة القرن.
والتخاذل لا يتوقف على مسألة الصراع حول القدس، بل يتجاوز ذلك في الانسياق خلف خطة إسرائيلية لفصل قطاع غزة فصلا سياسيا واقتصاديا عن الضفة الغربية وهو أمر – كما يؤكد عليه زفي بارعيل – يتحمس له ولي العهد السعودي بينما يتحفظ عليه والده الملك سلمان خوفا من الانتقادات العربية. ومن دون شك، تشكل المواقف السعودية تراجعا كبيرا عن مبادرة السلام العربية التي اقترحتها السعودية عام 2002 علما بأنها لم تكن جادة وإنما أرادت تشتيت الانتباه عن تسليط الإعلام الأمريكي على دور السعودية في أحداث الحادي عشر من سبتمبر.


بكلمة، لو كان هناك موقف عربي واضح لما امتلك ترامب الجرأة في مجرد التفكير بصفقة القرن التي ستكون بكل تأكيد على حساب الحق الفلسطيني الذي لا يسقط بالتقادم ولن تتمكن كل معاول الهدم في المنطقة من التنكر له.

 

الشرق القطرية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل