قضايا وآراء

3 يوليو.. البغل في الإبريق

حمزة زوبع
1300x600
1300x600

اعتقد الجنرال عبد الفتاح السيسي أن بمقدوره المرور بفعلته التي أعد لها العدة في 30 حزيران/ يونيو وأعلن عنها صراحة في 3 تموز/ يوليو 2013، وأن الانقلاب هو نزهة في ليلة صيف على شاطئ النيل في ساعة الغروب. وربما أوحى له خياله المريض أن مصر بتاريخها سوف تخضع وترضخ وتركع تحت قدميه! ولم لا؟ فهو يرى نفسه فارس أحلامها، وأن مصر شعبا ووطنا صارت ملك يمينه.

المفاجأة أن أحلام الجنرال الطائش أصبحت كابوسا يطارده ليل نهار، وأصبح المسكين ينام قليلا ويقلق كثيرا؛ لأنه لا يعرف كيف يخرج من عثرته التي وضعته في ورطة تشبه ورطة دخول "البغل في الأبريق" وهو عنوان لمسرحية قديمة أخرجها وقام بدور البطولة فيها فايز حلاوة وزوجته تحية كاريوكا، وإن كانت المسرحية تتحدث عن الروتين وفساد البيروقراطية، إلا أن العنوان هو موضع التشبيه.

أحلام الجنرال الطائش أصبحت كابوسا يطارده ليل نهار، وأصبح المسكين ينام قليلا ويقلق كثيرا؛ لأنه لا يعرف كيف يخرج من عثرته التي وضعته في ورطة تشبه ورطة دخول "البغل في الأبريق"


فحين تدخل بغلا بحجمه الكبير في إبريق صغير سوف تثور أسئلة كثيرة؛ ليس أولها عن كيفية إخراجه من الإبريق، بقدر ما يكون السؤال الأول كيف دخل أو أدخل هذا البغل الكبير في الإبريق الصغير.

لقد دخل الجنرال في إبريق ضيق ولن يستطيع الخروج منه حيا أو سليما، وكلما همّ قوم، حتى من بين رفاقه، بمحاولة مساعدته وإخراجه بدون آثار جانبية، وجدوا أنفسهم تحت طائلة الاتهامات بالعمالة والتخوين ومحاولة الانقلاب.

البغل العسكري الحالي تخلص من كل رفاق السلاح الذين أيدوه في انقلابه، ولعلهم أدركوا ولو متأخرين أن البغل كبر وتضخم داخل إبريق الانقلاب؛ الذي لم يتغير حجمه ولا معدنه. فالإبريق مصنوع من حديد أو نحاس، وليس من مادة مرنة أو لينة يمكن تطويعها أو إعادة تشكيلها... الانقلاب مادة صلبة، والبغل يريد أن يكبر، وكلما حاول وجد نفسه محاصرا بالإبريق الذي وضع نفسه أو وُضع فيه.

من المهم أن تدرك طبيعة الواقع والمتغيرات وتصنع طريقة تتناسب مع المتغيرات، لكن الجنرالات يريدون من الواقع أن يتغير، ومن المجتمع أن يتبدل ليكون على مقاسهم..

أراد بغل الانقلاب تطويع مصر لكي تكون على مقاسه، ونسي البغل أن مصر أكبر بكثير من حجمه الضئيل، وأنه مهما حاول فسيظل الشعب يطارده ويلاحقه. وأعني بالشعب كل الشعب، وليس الأمر مقصورا على فئة أو طائفة.

لم يفلح الجنرال في تطويع أقرب الجنرالات إليه، لذا بادر بعزلهم وفرض الإقامة الجبرية عليهم والتشكك في نواياهم


في الذكرى الخامسة للانقلاب، لم يفلح الجنرال في تطويع أقرب الجنرالات إليه، لذا بادر بعزلهم وفرض الإقامة الجبرية عليهم والتشكك في نواياهم، واعتقل ثاني أرفع رتبة عسكرية، وهو الفريق سامي عنان، وعزل وزير الدفاع المحصن بالدستور، وهو الفريق صدقي صبحي، وجاء بالرجل الذي عاونه في اعتقال الرئيس الشرعي للبلاد محمد مرسي، وأبعد مدير مكتبه اللواء عباس كامل وكلفه بإدارة المخابرات العامة، رغم أن عباس كامل (وفق ما جاء في تسريبات قناة مكملين) هو الذي أفشى بقرار ترشيح المجلس العسكري للسيسي قبل أن يجتمع المجلس، وأبلغ به نائب رئيس الديوان الملكي في السعودية.

أطاح السيسي برئيس الأركان محمود حجازي، رغم صلة الأرحام التي تجمعهما، وجاء بلواء آخر من الوزارة وليس من قادة الجيوش العسكرية. وأخيرا، لم يجرؤ السيسي على تعيين مدني لإدارة مكتبه، فأتى بلواء ليكون بمثابة عينيه التي يرى بها العالم.

بعد خمس سنوات، يتعثر البغل في الإبريق وفي الاقتصاد، ويحيل كل مشكلاته وكوارثه، وعلى رأسها نقص مياه نهر النيل، على رئيس البرلمان ورئيس الوزراء، وكليهما مجرد دمية يحركها السيسي وعباس كامل.

بعد خمس سنوات لم ينزل على الشعب المن والسلوى، ولم ير الناس الخير في الطرقات، ولم تتعجب الجن والإنس مما يجري في مصر؛ اللهم في شيء واحد هو قدرة المصريين على السكوت حتى الآن على هذا الذي يحكمه، رغم أنه محشور في الإبريق.

بعد خمس سنوات انتهت الحياة المدنية، وجاء السيسي بجنرالاته، ثم تخلص منهم كما تخلص من جبهة الإنقاذ؛ الواحد تلو الآخر.

بعد خمس سنوات لم ينزل على الشعب المن والسلوى، ولم ير الناس الخير في الطرقات، ولم تتعجب الجن والإنس مما يجري في مصر


بعد خمس سنوات، دفنت تمرد تحت تراب بيادات العسكر، وانتهى عصر إبراهيم عيسى وعمرو أديب ومحمود سعد وعمرو الليثي ومعتز الدمرداش، وحتى توفيق عكاشة، ليبقى السيسي وأحمد موسى ومفتي "الدمار" السابق، علي جمعة.

بعد خمس سنوات، مصر بلا هوية، وبلا قيادة حقيقية.

بعد خمس سنوات، مصر بلا حاضر، فلا تسألني عن المستقبل.

الجنرال في الإبريق، والحل ليس في البحث عن طريقة لإخراجه، وليس أيضا السؤال عن السبب في إدخاله. فالحل سهل جدا، وهو إلقاء البغل والإبريق في البحر، فلا البغل لنا به حاجة ولا الإبريق يلزمنا.

بعد خمس سنوات، لا سؤال عن شيء سوى كيف ننقذ مصر.

السؤال لمن يدرك حجم الفاجعة التي نحن فيها: كيف يحكمنا جنرل محشور في إبريق؟

التعليقات (2)
Zaki amar
الأربعاء، 04-07-2018 12:01 ص
بغل بامتياز ... لكنو ثقيل قوي
مصري جدا
الثلاثاء، 03-07-2018 04:39 م
تمنيت من كتاب الاخوان ان يكونوا اكثر جدية وواقعية ،،، فإن لم يستطيعوا اسقاط الانقلاب حتى اليوم ،، ولن يستطيعوا لصعوبة الوضع الحالي عليهم ،،، فالاولى اعادة النظر في الفترة القريبة الماضية والانطلاق منها للوضع القائم والقادم ،،،، اما التناول السياسي وكانهم في عهد مبارك يمارسون المعارضة الاعلامية فهذه اكبر خدمة لنظام الانقلاب ،،، ان يبقوا كما هم في الماضي بطريقة تناولهم ويبقى النظام كما هو في السلطة ،،،