ملفات وتقارير

كيف أصبحت مصر من أسوأ الدول في "انتشار القمامة"؟

40 ألف شخص يلقون حتفهم بسبب مشكلات مرتبطة بالتلوث في جميع أنحاء مصر كل عام- جيتي
40 ألف شخص يلقون حتفهم بسبب مشكلات مرتبطة بالتلوث في جميع أنحاء مصر كل عام- جيتي

تصاعدت أزمة التلوث البيئي بمختلف أنواعه في مصر، وسط انتقادات خبراء في مجال البيئة غياب وجود تشريعات تنظم مسؤولية حل أزمة التلوث، وفي مقدمتها مشكلة انتشار القمامة في العاصمة القاهرة، وجميع محافظات الجمهورية، وأنها باتت تشكل تهديدا حقيقيا على الصحة العامة للمصريين.

 

وفي نهاية عام 2017، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للبيئة، في تقرير لها، وفاة 40 ألف شخص؛ بسبب مشكلات مرتبطة بالتلوث في جميع أنحاء مصر كل عام، وأن القاهرة من أكثر المدن تلوثا من حيث حجمها، وأن 12% فقط من المناطق الحضرية بها معايير جودة الهواء.

ومنذ انتهاء تعاقد الحكومة المصرية مع شركات أجنبية لإزالة القمامة من الشوارع في 2017 بعقد امتد 15 عاما، تفاقمت أزمة القمامة بشكل متسارع أدى إلى انتشارها على صورة تلال متراكمة في المدن القرى وتخومها أيضا.

فراغ تشريعي

وأصدر الجهاز المركزي للتعبئة العـامة والإحصاء، الاثنين، النشرة السنوية لإحصاءات البيئة، وصل "عربي21" نسخة منها، بين فيه أن مصر تقدمت في تقييم الأداء البيئي من المركز 104 عام 2016 إلى المركز 66 عام 2018، وسط تشكك بعض الخبراء.

وعلى الرغم من إصدار البرلمان المصري مئات القوانين والقرارات، لا يوجد قانون يتطرق لتلك الأزمة، إذ أقر وزير البيئة السابق، خالد فهمى أن التشريعات المنظمة للقمامة والنظافة والمخلفات غامضة، ولا تحدد المسؤوليات بدقة ووضوح، وهناك تداخل فى الاختصاصات.

ووفق لجنة الإدارة المحلية بالبرلمان، فإن مصر أصبحت من أسوأ الدول في العالم في انتشار القمامة، مطالبة بضرورة أن تتقدم وزارة البيئة بتشريع لحل مشكلة القمامة في مصر.


أسباب الأزمة

 

وعزا الباحث في الهندسة البيئية ومعالجة المياه، عمر الحداد، مشكلة البيئة في مصر إلى ثلاثة أسباب رئيسية: "أولا عدم تقدير خطورة المشكلة وتأثيرها المباشر على صحة المواطنين، ثانيا عدم الإنفاق على المشكلة؛ لأنها لا تعدّ مشكلة خطيرة عند المسؤولين، ثالثا وهو الأهم، ونتيجة منطقية لما سبق، لا يوجد اهتمام بالبحث العلمي في مجال البيئة في مصر".

وأضاف لـ"عربي21": "ما يعني أنه حتى الأماكن البسيطة التي فيها اهتمام بالأمر، ما زالت تستخدم أساليب عتيقة في معالجة المخلفات وحماية البيئة... فمن الطبيعي أن نكون بهذا المستوى"، داعيا إلى "الاستثمار في مجال القمامة بدلا من اعتبارها عبئا كبيرا. فعلى سبيل المثال، كانت الصين تستورد كل عام كميات ضخمة من القمامة من بريطانيا لإعادة تدويره، وفي نهايات 2017 توقفت الصين عن هذا الأمر، فدخلت السويد سوق معالجة النفايات البريطانية، وكلا من الصين والسويد تحصل على عوائد جيدة جدا من القمة البريطانية المستوردة".

وانتقد عدم وجود رؤية في مصر للاستفادة من القمامة، قائلا: "تتخلص الحكومة من القمامة بحرقها، ما يؤدي لمشاكل صحية ضخمة جدا لكل من يعيش بالقرب من هذه الأماكن، لاحظ أن الصين مثلا منعت استيراد القمامة البريطانية؛ لأن عندها اكتفاء ذاتيا من القمامة، ومصانعها تعمل بكامل طاقتها لمعالجة المخلفات محليا، ما يوفر فرص عمل ضخمة وثروة اقتصادية هائلة".

أزمة بلا إرادة لحلها

وعلق مدير برنامج حماية البيئة بجمعية التنمية الصحية والبيئية، عبد المولى إسماعيل، بالقول: "لا أعرف مدى دقة الرقم الذي ذكره الجهاز المركزي بخصوص ترتيب مصر في الأداء البيئي، ولكن نحن بحاجة إلى ترتيب أفضل من ذلك؛ لأن هناك مشاكل بيئية كبيرة بحاجة إلى حلول ومعالجة سريعة، فتكلفة التلوث البيئي عالية".


وأضاف، في تصريحات لـ"عربي21"، أن "التلوث البيئي له دور في زيادة عدد الوفيات سنويا؛ بسبب ارتباطه بأمراض صحية مختلفة تتعلق بالجهاز الهضمي؛ بسبب ملوثات المياه والأطعمة والتنفس الناجمة عن تلوث الهواء نتيجة مخلفات المصانع وعوادم المركبات، وغيرها".

واعتبر أن من أهم مظاهر التلوث "انتشار القمامة نتيجة غياب الإرادة لحل مشكلة القمامة، التي تشكل أزمة كبيرة في مصر، لكنها تعدّ كنوزا في المجتمعات المتقدمة من خلال إعادة التدوير، ويمكن تحقيق مبالغ طائلة من ورائها، وهناك بعض الدول التي تستورد القمامة لهذا الغرض".
 
واستدرك بالقول إن "أحد أسباب انتشارها هو خصخصة جمع القمامة من خلال شركات خاصة تفتقد لإدارة الأزمة بشكل متكامل، فكل دورها هو نقل القمامة من الشوارع إلى مكان آخر، ولكن لا يتم إعادة التدوير، وإلقاء القمامة في المنطق الصحراوية له تأثيرات خطيرة على التربة، والمجاري المائية، ونقاء الهواء"، لافتا إلى أن "تكلفة نتائج التلوث البيئي أعلى بكثير من تكلفة حل أزمة التلوث".

التعليقات (0)