قضايا وآراء

مَنْ يقتل مسيرة الثورة المصرية؟!

محمد ثابت
1300x600
1300x600
خفتت الأحلام والأماني في قطف ثمار الثورة المصرية، بخاصة من التيارات الإسلامية المتحالفة مع جماعة الإخوان المصرية، ولحقت كلمة ومفردة "النصر" بسابقاتها من "أبشروا" و"الموجة الثورية" و"القصاص" و"التطهير" حتى "الشرعية" و"الاصطفاف"..

ووصل الأمر إلى حدود عليا أبعد تخص مرير الواقع المصري، سواء أكان للمقيمين في الداخل، أو الذين تقيم مصر في الداخل منهم لكنهم خارجها، بل وصل الأمر إلى حدود يراها صاحب هذه الكلمات أكثر مرارة عبر مقالات ومداخلات هنا وهناك لوصف الواقع المصري الحالي وتبادل لرمي للاتهامات وكأنها كرة جمر، أو قطعة فحم ملتهبة.. فكل فريق يلقي بها في حجر وقرب الآخر؛ معلنا تبرأه من التقصير والخلل والزلل اللذين قادانا اليوم إلى حكم عسكري بالغ القسوة يمسك برداء مصر كلها، بل يشعل حرائق الحديد والنار في جميع أرجاء البلاد!

ولدينا في الغالب الأعم المستقر؛ طرفان يكتبان ويجددان الأحزان على نشطاء المصريين ومثقفيهم في كل حين: ذكرى أحداث محمد محمود، 30 من حزيران/ يوينو، 3 من تموز/ يوليو، ذكرى تولي الدكتور محمد مرسي الرئاسة، أحداث الاتحادية.. وهلم جرا.

أما الطرف الأول المدافع بشدة عن المسار الثوري معلنا تبرأه من الانقلاب الذي استقر بفعل مرور أكثر من خمسة أعوام عليه، والطرف هذا إن انتقد المسار (بخاصة الإخواني) في الثورة حينا، لم ينس أحيانا أخرى أن يوجه سهام نقد يستحقها الانقلاب الذي صار نظاما. وهؤلاء المدافعون، مع تسليمنا بسلامة نياتهم، لا يضعون في النهاية مسارا ولا مجرد تخيل لنهاية الوضع المتعثر القائم للثورة المصرية، بل يهمهم في المقام الأول مجرد الدفاع عن المسار الثوري المفتقد وإظهارهم دعمهم القوي له. وللأسف فإن الكثيرين منهم صار الأمر لديهم عبارة عن عمل ومهنة ولقمة عيش يقتاتون منها في ظل توازنات إقليمية سمحت لهم بالاستمرار، بعد أن خفتت حدة قناة شهيرة كانت تناصر المعارضين للانقلاب في مصر، بل أغلقت نافذتها التي كانوا يُطلون منها.

الطرف الثاني هم مناصرو الانقلاب الذي تحول لنظام، ولو كان هشا. وهؤلاء على أصناف، ففيهم المتربح أبدا، الذي لا يفيق له ضمير وناصر المخلوع "مبارك" من قبل، ومنهم المضغوط عليه لافتعال "حوارات" تطول مع مناصري الدكتور "مرسي" والحالمين بالثورة.

ومؤخرا، وفي ظل استمرار قهر مصريي الداخل، وتيه وضياع مصريي الخارج، وفي ظل حالة ثورية "بائسة" على أرض الواقع إلى ما لا نهاية، خرج أحد الكُتّاب المصريين المحسوبين على الفريق الأخير ليعلن أن الإخوان مسؤولون عن كل ما أصاب الثورة المصرية من انتكاسات، مشبها العسكريين بـ"القطار"، وهو التشبيه الأمثل الأوجه للمستسلمين لمسار القوة الرافضين توجيه اللوم الكافي لهم. وفي المقابل، خرجت أقلام الطائفة الأولى لترد بمنتهى القوة اللفظية وأحيانا متمادية.

والأزمة الكبرى أن المقال الذي يحمّل الإخوان المسؤولية كاملة والمقالات التي ترد بقوة، وسياقاتها، ومِنْ كتب فيها من قبل، والكتابات المضادة وسيناريوهاتها، ومَنْ كتبوا فيها من قبل ومن بعد.. الجميع لا يملك "وصفة" أو حتى "مجرد فكرة" تنفض مصر بها عن نفسها شر الموقف الملغز؛ ففريق يدافع عن العسكريين ويغفر لهم القتل وما تبعه من خطايا، وآخر يدافع عن الإخوان ويغفر لهم التسرع في اتخاذ كثير من القرارات المصيرية التي سالت بعدها دماء كثير من أحسن كوادرها، وأدت إلى موقفها البالغ الضعف الحالي الذي لم يؤثر عليها، فحسب، بل على الأمة كلها.

والإشكالية الماضية تمثل حقيقة متعارف عليها منذ قديم الزمان من اختلاف التنظير عن مجال العملي، بخاصة عندما يخص الأمر شعبا يقارب الـ100 مليون. والأمر لا يخص مسيرة تحرر من قبضة عسكرية جهنمية في مصر، فإنما الواقع يوضح أن لا مسار من الأساس باقٍ لمحاولة استعادة محاولة ثورة وليدة.. يخبر السياق أن العسكريين تنبأوا بها وناصروها من أجل زحزحة المخلوع "حسني مبارك" عن الحكم بعد دعمه لابنه "جمال" ليحكم من بعده، وأن العسكريين هم الذين أداروا الدفة الثورية لحسابهم من بعد.. وأن جماعة الإخوان إذ يعتب العاتبون أو يدافع المدافعون ليس الحكم والرئاسة من آلياتها أو تنظيراتها المستقرة، وإن حاولت الأمر منذ عام 1954م، وأنها لم تستفد مما جرته عليها المحاولة من وبال آنذاك، وكررت المحاولة في 2012م بعدم وعي وقراءة للتاريخ.

فإن ارتكن النقاد للجماعة اليوم إلى أنها كانت من أكثر التيارات والفصائل المصرية تنظيما، (ولذلك فإن العتب شديد عليها) بقي أن الأفضلية كانت "نسبية"، فلم تسفر في النهاية عن نتيجة.. وإن عتب العاتبون عليها، بقي أن الجماعة لم تصبح في موقف يسمح لها بالرد الحقيقي المعبر على أرض الواقع لا على صفحات المواقع الإخبارية أو الخاصة بالتواصل الاجتماعي.

أما المطلوب حقيقة، والأفضل من اجترار الماضي والبكاء على اللبن المسكوب، فهو النصح للجماعة باتخاذ خطوات عملية تحفظ عليها ما تبقى من قدراتها من أجل النهوض بمصر والأمة من جديد، وكيفية اتخاذ الخطوة الأولى نحو الأمر، وبالتالي الخروج من إشكالية الصراع الدامي مع العسكريين؛ بصدق الإخوان مع أنفسهم أولا وتبينهم لمواضع أقدامهم، وإخلاصهم لله ونبذهم وترك بعضهم الخلافات والمكاسب الدنيوية التي يربحها البعض منهم، ومن ثم الرغبة في إعلاء صوت السلامة للمجموع والتدبر لحال مصر وقبضة العسكريين التي تلفها.. وإلا فما معنى السؤال عمن خان مصر وأوصلها إلى هذا المآل إن لم يكن سيؤدي لإجابة تخفف عن المصريين وتنصر محاولة ثورتهم.. ولو بالخطو القليل اليسير نحو المستقبل؟

إن صاحب هذه الكلمات ليخشى أن يكون الاستسلام العملي للواقع المصري الجاري.. والتعمق في التنظير له من أطرافه، يؤدي ولو بحسن نية من البعض إلى المزيد من استمرار وتأزيم وتعقيد الواقع المصري والجناية على محاولة الثورة المتعثرة حتى اليوم!
التعليقات (1)
مصري جدا
الأربعاء، 18-07-2018 11:16 م
باختصار ،،،، النخبة المصرية المدنية والاسلامية والعسكرية اليوم هي جزء اساسي من المشكلة وليس الحل ،،، لا امل في الحل طالما هم على منصة القيادة في مربعاتهم ،، الحل في جيل جديد من القيادات يناسب طبيعة المرحلة وحجم التحديات ،،، غير ذلك ضياع وقت ،،، ولا حل ،،، وسنمضي نكتب وونظر ونجادل ونهاجم وندافع ونبرر ،، وتمر السنوات والحال لا اقول كما هو بل الاسوآ ،،، تثبيت الانقلاب لاركانه ،،، تأكل اركان المعارضة بشقيها المدني والاسلامي ،،، واطالة عمر دولة العسكر بايدينا ،،، الحل في الحل ،،، ارحلوا جميعا واتركوا الساحة لمن بعدكم ،،، نعم منصة قيادة جديدة يعني فترة زمنية اطول لكن في نهايتها الحل ،،، ام واقعنا اليوم فلا حل بالمطلق ،،،