قضايا وآراء

أنت أيضا ... يمكنك أن تقول لا

عمرو عادل
1300x600
1300x600
لكل منا لحظة ما على الأقل في حياته يقرر فيها أن يقول لا، ولسبب ما وربما مناقضا حتى لنفسه يمكنه أن يضحي بحياته في سبيل هذه اللا؛ يكون رفضا قاطعا حاسما مهما كانت النتائج، وهذا الوصف لألبير كامو للإنسان المتمرد، هذا الشخص الذي بقي طول الوقت لا يعترض ثم فجأة يتحول إلى هذا الرفض الصلب جدا وكأنه يقول كفي... لن أكمل مهما كان الثمن.

هذه هي الصورة الأكثر وضوحا للتمرد، وهناك حالات أقل قوة من تلك الحالة المثالية، فيوجد بيننا من لا يلتزم دائما بكل القواعد، تأتي لحظة ما ويصر أيضا على الرفض الحاسم غير القابل للنازل سنتيمتر واحد عن الموقف الذي اتخذه، لقد فعلت فتاة طائرة السويد ذلك في تحد واضح لقواعد الترحيل في بلادها عندما أصرت على إيقاف الطائرة ورفضت كل الضغوط لتغيير موقفها حتى استطاعت تحقيق ما تريد.

ما يثير الاهتمام في تلك الحادثة هو تتابع انفعالات الفتاة وكذلك ردود فعل الركاب سواء التي اعترضت وربما حاولت الاعتداء على الفتاة، وكذلك التي ساندتها علانية، فالطائرة هي مجتمع صغير قد يكون معبرا عن نموذج أكبر بقدر ما من الدقة، فالفتاة لم يظهر عليها اعتياد مثل هذا التحدي للنظام العام والقواعد، كما أنها لم تظهر صلبة المراس طيلة الوقت، وغلبتها دموعها وصوتها المرتعش من الضغط وربما الخوف؛ إلا أنها لم تتراجع أبدا وأصرت على استكمال مهمتها.

لقد رفضت الانصياع للضغوط الكبيرة التي تعرضت لها للتراجع، وكانت وحدها ولم يساندها غير شخص واحد في البداية ثم ازداد عدد المؤيدين مع الوقت، فدائما ما يكون الوقت في صالح من يصر على الرفض وخاصة إذا كان لموقفه بعدا إنسانيا، كما رأينا في نهاية الموقف عند انتصارها عددا كبيرا من المصفقين لم نكن لنعرفهم أبدا لولا أن حققت انتصارها، فهم ظلوا صامتين حتى لحظة النهاية.

وكذلك وجدنا المعترضين، المعترضين بعنف وقوة، والمعترضون بالهتاف والضغط النفسي على المتمردة إن صح التعبير التي أصرت على تحدي النظام، فوجدنا من يحاول اختطاف الهاتف الذي تبث منه الفتاة، وأيضا كان هناك من يرفع صوته اعتراضا بأنهم مرتبطون بمواعيد أخرى بإسطنبول.

وسط كل هذا الضغط والدعم والصراخ وحتى الاعتداء؛ بقيت رافضة؛ رفضت التراجع وتأكد المسؤولون أنها لن تتراجع وأذعنوا لها في النهاية، ربما تحاسب الفتاة وتحبس أو تدفع غرامة كبيرة؛ لا أعلم القانون السويدي في تلك النقطة: إلا أنها نجحت في إظهار قضية ما بقوة أمام العالم، تماما كما فعلت صحفية مصرية أمام العالم في ألمانيا ضد مجرم الحرب السيسي منذ ما يزيد عن عام، إلا أن فتاة الطائرة السويدية كانت أكثر تحديا لأنها اخترقت القواعد من أجل العدالة من وجهة نظرها.

هل يمكننا فعل ذلك دائما؟ ليس الأمر بهذه البساطة بالتأكيد؛ فهناك ثمن ما سيدفع نتيجة التمرد والرفض، فلنتخيل سويا حدوث مثل ذلك الأمر من شخص مصري في طائرة مصرية؛ سيكون الثمن بالتأكيد حياته وربما حياة بعض القريبين منه، فهناك قيمة غائبة في مصر عند الطبقة الحاكمة منذ زمن ألا وهي رفض كلمة لا بكل أشكالها ورفض أي مساحة لتحدي لقواعد النظام حتى لو كان متوافقا مع النظام السياسي، فأي رفض بأي شكل هو رفض للنظام وإهانة له، لذلك يكون الرد عليه ساحقا مدمرا بلا رحمة خاصة إذا كان معلنا.

فحالة مصر بشكل خاص والمنطقة العربية عموما مزرية بخصوص هذه النقطة، لذلك تجد من الصعوبة أن يحدث تحد علني للنظام، ولكن لا زال الرفض ممكنا للجميع، فقط لابد أن تحدد مساحة الرفض الممكنة لك مهما كانت صغيرة ومحدود، ليست بالضرورة أن تكون في شراسة فتاة طائرة السويد؛ ولا علنية وتحد الصحفية فجر المصرية، فقط يمكنك أن تقول لا حتى دون أن يسمعها أحد.

الرفض أول طريق الغضب والرغبة في التغيير، والخطوة التالية القدرة على الفعل المرتبط بكلمة لا، وإذا كانت السجون المصرية هي مكان كل من يعلن عن رفضه؛ فلسنا مجبرين على إعلانها، ولكننا ربما مجبرون على تطوير رفض الواقع للعمل على تغييره تماما كالمسار الذي اتخذته فتاة الطائرة ولكن دون تحد معلن للنظام، فكلنا يمكننا أن نقول لا ولكن كل منا بطريقته الخاصة.
0
التعليقات (0)