قضايا وآراء

من سيحكم عملية الانتقال في مصر؟

شريف أيمن
1300x600
1300x600
بدأ الانقسام السياسي بمصر أثناء الإعداد للاستفتاء على الإعلان الدستوري في آذار/ مارس 2011 بعد أيام قلائل من تكاتف الجميع لإسقاط نظام مبارك، وظن الجميع أن ما جرى سيمهّد لإسقاط نظام يوليو 1952 بأكمله، لكن نظام يوليو كان متواجدا في كل قطاعات الدولة العسكرية والأمنية والقضائية والإدارية والسياسية والاجتماعية، عبر التنظيم الطليعي تحديدا الذي مثّل البذرة الخبيثة لنبتة خبيثة يصعب اجتثاثها، فعمل ورثة النظام وحُماته على الدفاع عنه، فبَذَرُوا الخلاف بين رفاق الميدان وتدخلت الدولة بكل أجهزتها، وتُوّجت المساعي بإعلان 3 تموز/ يوليو 2013 المشؤوم.

كانت تلك لحظة إعلان وفاة التنظيمات السياسية غير الرسمية وعدم قدرتها على إدارة الخلافات بينها، وعدم قبول أطرافها للغير، بل عدم قبول التنظيم الواحد للاختلاف الداخلي من الأعضاء ضد خطوات النظام الجديد، كان المُفتَرَض أن تأتلف التكوينات السياسية بعدما تبدّت نية النظام في قمع واستهداف الجميع، لكنهم أمعنوا في خصومتهم الخاصة على حساب المصلحة العامة، بينما توحدّت قوى دولة يوليو على هدفها ونحّت الخلافات الداخلية لتحقيق مصلحتهم، مما يثير تساؤلا كبيرا حول مدى صدقية المعارضة المصرية في دعواها القيمية واستهدافها للصالح العام.

هذه الحالة السياسية الانقسامية ليست جديدة في المسار السياسي الوطني المصري، فحركة عرابي هُزمت من داخلها حين وقع الاختلاف حول من سيحكم، وفقد الوفد قياداته في أربع انشقاقات بين أعوام (1920 - 1952) فقط، بسبب الخلافات الشخصية رغم وجود خطر الاحتلال أو الحرب العالمية الثانية التي جرت معارك منها على أرض مصر، ثم تحكّمت الخلافات في الفترة ما بين يوليو 1952 إلى مارس 1954، ليستقر وضع الاستبداد حتى كانون الثاني/ يناير 2011، وأعادت المعارضة المصرية الكَرَّة لتبدأ مرحلة ما بعد يوليو 2013.

كانت هناك عدة محطات يمكن الاستفادة منها لتوحيد مسار المعارضة، وكانت أهمها أزمة تيران وصنافير، ومحطات الإجراءات الاقتصادية غير المراعية لاحتياجات المجتمع، لكنها مرت دون وجود نية حقيقية لصنع ائتلاف يقف أمام السلطة المستبدة، ثم كانت محاولة الانتخابات الرئاسية الأخيرة مرحلة أخرى، لكن تم وأدها بقسوة النظام من جهة، وعُلوّ الانتماء الذاتي للتجمعات السياسية على حساب الانتماء الوطني العام من جهة أخرى، بل إن عمليات التنسيق السياسي الواسعة كانت تجري على مستويات شديدة المحدودية دون إخطار قواعد التنظيمات السياسية بوجود تنسيق مع طرف كان مؤيدا أو معارضا لإجراءات يوليو 2013، خوفا من ردود أفعال القواعد ضد قياداتهم من كل الأطراف، ليحصد الجميع ثمرة بذرة الشقاق التي أنبتتها كل الأطراف.

إزاء ذلك الوضع أصبحت كل التنظيمات السياسية المصرية غير الرسمية عاجزة أمام أي محاولة للتغيير، فتحركت أطراف من قلب الدولة وأصبح مرشح التغيير "من حيث الإمكانية" في مصر الفريق الأسبق سامي عنان، في دلالة واضحة لمأزق المعارضة المصرية، التي لم تعد تقدر على الفعل "بإرادتها" لا بإرادة النظام السياسي.

الإشكال الذي تقدمه المعارضة بأطيافها لرفض الائتلاف، يتعلق بالخلافات التي جرت ما بين 2011 إلى 2013، ولكن إذا صَفا القصد لتغيير الوضع السياسي، فيمكن وضع قواعد مشتركة تستند إلى أسس الاحتكام إلى الشارع، وجعل الشارع هو الضمانة لعدم الانحراف عن المسار، ويمكن وضع ضمانات أساسية في وثيقة مبادئ تنتقل لنصوص دستورية حال فاعلية الحراك، مع الاتفاق على مراحل أولية لمدة محددة تكون فيها قيود "منطقية، ولا تحرم أحدا من حقوقه".

يمكن صياغة هذه المراحل بالبدء بوثيقة دستورية مؤقتة، ثم يتم عقد الانتخابات الرئاسية ثم المجالس النيابية ثم المحليات، ليتم التمهيد لتجهيز دستور دائم.

والتصوّر ينبني على تقديم الانتخابات الرئاسية لأن المجتمع وتشكيلات القوة فيه يحتاجون لمؤسسة تجمعهم وتفصل بينهم، وفي الحالة المصرية المنقسمة التي تحتاج للتدرج، لا يمكن لمجلس نيابي متنوع أن يقوم بهذا الدور، ووجود رئيس عليه ما "يشبه التوافق" يمكّنه من هذا الدور، ثم يتم استكمال المؤسسات عبر المجالس النيابية التي تحتاج لزيادة صلاحياتها وجعل الصلاحيات حقيقية وغير مفرَّغة من مضمونها، وعبر السلطة النيابية يتشكّل الجهاز التنفيذي برضا ودعم ممثلي المجتمع، وعقب استكمال المؤسسات وبداية تشكّل ملامح سلطة سياسية تأتي الوثيقة الحاكمة للجماعة السياسية عبر جمعية منتخبة شعبيا، بشكل مباشر، أو غير مباشر كانتخابهم من أعضاء المجالس النيابية.

هذه خارطة طريق بديهية لا تحتاج لجهد في تطبيقها، بقدر ما تحتاج لجهد في تصفية النوايا لبلوغ هذه الصورة، وحتى الآن لا تبدو من المعارضة المصرية نية صادقة لتجاوز النَزَعات الذاتية، فأصبحنا أمام الحالة المقابلة، وهي تدخّل أطراف من الدولة.

القصد من تدخل أطراف من الدولة، ليس عملية تغيير عاجلة أو متعمّدة لصالح الشارع بشكل جذري، وإن كان ذلك مطروحا فهو في دائرة الاحتمالات الأقل تصوّرا، لكن قد يكون التدخّل بهدف كبح جماح سلوكيات معينة، أو الحفاظ على مستوى معين من الإجراءات الأمنية أو الاقتصادية، أو غير ذلك من إجراءات التدخل المحدودة التي تهدف للحفاظ على مصالحهم الخاصة، وهذه الصورة أصبحت الأقرب للحصول في ظل تنامي الخلافات السياسية، وفي ظل تصوّر يفترض أن تجمعات المعارضة ليس لديها من الرشد ما يجعلها تتوازن في خطابها بما يحفظ مزايا نسبية لكل توازنات القوة بالدولة، كالمؤسسة العسكرية والأمنية ورجال الأعمال والتيارات الاجتماعية الكبيرة الدينية "صوفيين وسلفيين وإخوان وغيرهم" وغير ذلك من كتل القوة كَبُرَ حجمها أو صَغُر.

إن عملية الانتقال بمصر أصبحت رهينة بقوى الدولة الآن، ولا يمكن للمعارضة أن تكون فاعلة إلا إن اعتمدت على الظهير الشعبي، ولا يبدو حتى الآن أنها تثق بهم رغم أن تجربة يناير تقول أن الشارع كان فاعلا وظهيرا قويا، ولم يخذله سوى نخبته السياسية بانحطاطها وأنانيتها.
2
التعليقات (2)
شريف أيمن
الجمعة، 03-08-2018 05:19 ص
في الحقيقة بيانات يوليو الأولى تحدثت عن "حركة الجيش" ثم أصبحت "الحركة المباركة" ثم أصبحت "ثورة الجيش" واستقرت على "ثورة 23 يوليو" واعتبارها ثورة الشعب أما يناير فهناك خلاف حقيقي حول توصيفها، هي فعل ثوري، لمنها لم تؤدِّ لتغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية، وربما حدث هذا بسبب انقلاب يوليو 2013، ربما أختلف مع الإخوان، لكن ترك تجربتهم حتى تستمر للنهاية ويحكم عليها الناس عبر الصندوق تعتبر أبجديات الديمقراطية.
مصري جدا
الأربعاء، 01-08-2018 01:54 م
ضبط المصطلح هام ،،، اصحاب يوليو 52 يؤكدون انها لم تكن حركة او انقلاب بل هي ثورة ،،،، واصحاب ثورة يناير مازالوا مرتبكين ،، يقولون عنها مرة ثورة ومرة انتفاضة ومرة غضبة ومرة تجربة ،،،،