قضايا وآراء

أمريكا وإيران وخريطة القوى الإقليمية الجديدة

حمزة زوبع
1300x600
1300x600
قلت في مقالات سابقة عن شكل العالم الجديد إن كثيرا مما هو متعارف عليه في العلاقات الدولية والدبلوماسية سيتغير، كما ستتغير موازين القوى وخريطة التحالفات، خصوصا بعد وصول ترامب إلى السلطة، وغزو روسيا لسوريا، وانزلاق السعودية في الوحل اليمني، ناهيك عن محاولة السعودية غزو قطر بدعم إماراتي ومصري ومباركة من ترامب شخصيا، ولولا وقوف وزير خارجيته تيلرسون في وجه هذه المغامرة لكُنا اليوم ننتظر قرارا من الأمم المتحدة ومجلس الأمن لتشكيل قوة عسكرية لتحرير قطر، على غرار ما حدث في عام 1990 حين غزا صدام حسين الكويت؛ وجيء بالقوات الغربية من كل صوب وحدب لتحرير الكويت.

قبل عام ونيف وصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية في احتفالية كبيرة؛ كان غرضه منها جمع المال، وقد فعل، وكان غرض من دعاه (سلمان وولده محمد) هو التلويح لإيران بأنها ستواجه حلفا قويا من عدة دول، وأن السعودية الجديدة ستكون هي رئيس مجلس إدارة المنطقة...

عاد ترامب بالمال والصفقات، وزادت ورطة السعودية في اليمن، بل إن الحوثيين قد وصلت صواريخهم وطائراتهم المسيرة إلى عاصمتي السعودية والإمارات، ولا تزال السعودية تبحث عن مخرج. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن السعودية وبعض حلفائها قد ظنوا أن هناك تحركات وشيكة من أجل اعلان الحرب الوشيكة على إيران، ولمَ لا؟ فترامب يهدد ويتوعد ويكتب تغريدات يفهم منها أن ايران قد باتت في مرمى نيرانه وقواته المسلحة...

انتظر الجميع تشكيل قوة عسكرية أو محور عسكري إقليمي، تحرك البعض صوب الكيان الصهيوني لعله يوافق على الاشتراك في الحرب المحتملة مقابل أن تضغط السعودية ومصر على الفلسطينيين من أجل القبول بصفقة القرن، وهي كلمة السر لبيع القضية والتخلي عن القدس.. وإذ فجأة لا شيء على أرض الواقع... فقد تراجع السيسي وغسل يديه من تعبير صفقة القرن، وهو الذي قام بصكه على الملأ في اجتماعه مع ترامب في البيت الأبيض، وفجأة خرجت تصريحات تقول إن الملك سلمان استعاد ملف فلسطين والقدس من ابنه الشاب (...) وأنه لن يتخلى عن القدس..

ما الذي يجري؟

تدرك أمريكا أن العرب السنة لا قيمة لهم، وقد بات واضحا لكل ذي عينين أن ترامب، وفي ساعات قليلة حصل على المليارات، بينما أمريكا التي حاصرت ايران لعقود لم تحصل منها على شيء..

العرب السنة لديهم النفط الذي تتحكم في كميات انتاجه أمريكا والبيت الأبيض.. ولكن ليس لهم رأي فيم يجري في المنطقة.

بعض حكام العرب السنة وقفوا في البداية مع ثورة الشعب السوري وطالبوا برحيل الأسد، ولما أعلن الكيان الصهيوني أن من مصلحته الإبقاء على الأسد، رفعت السعودية يدهاـ واستدعت روسيا لكي تقوم بما عجز عنه بشار وإيران وقواتهما...

وقف بعض حكام العرب السنة ضد الثورة العربية في مصر واليمن وسوريا وليبيا... وفي اللحظة التي يشير لهم سيد البيت الأبيض بإصبعه أو يومئ لهم بإشارة من عينيه أو إحداهما، إذ بهم وقوفا منتصبين...

العرب السنة، وعلى رأسهم السعودية، ليس لديهم خطة ولا هدف إلا توريث الحكم، ومحاربة الديمقراطية، وسحق الشعوب، وملء البطون، وتزوج النساء وزيادة عدد الأمراء حتى يحصلوا على حصة أكبر من ثروات الأوطان...

بينما إيران هي الدولة المركزية والمرجعية للشيعة حول العالم..

ايران دولة تدافع عن منتسبي المذهب الشيعي بكل قوة، وحكومات المنطقة يعرفون أن الإساءة لشيعي واحد تعني الإساء لكل الشيعة في كل مكان...

إيران صمدت في وجه الحصار الأوروبي والعربي الأمريكي لثلاثة عقود، ونجحت في تطوير منظومة نووية اعترف العالم بها بعد مفاوضات شاقة، وحين أراد ترامب التلويح باستخدام القوة لإجبارها على تغيير الاتفاق، وجد نفسه أمام حائط صد كبير، فتراجع وحاول التقرب من إيران. وسوف يلتقي الإيرانيون قريبا مع الأمريكيين ليعيدوا ترسيم حدود القوة في المنطقة رغم أنف حكام السعودية ومصر والإمارات؛ لأن من يملك القوة يملك الكلمة ويستطيع أن يفاوض... أما من لا يملك حتى آبار النفط التي تخرج من باطن أرضه، فليس له كلمة ولا وزن.

من يتابع تزلف ترامب وإعلانه المتكرر أنه يرغب في لقاء الإيرانيين بدون شروط يدرك معنى ما أقوله وما قلته، وأكرره مرارا.. كلمة سر العالم الجديد والقديم هي القوة...

ترامب باع الوهم للسعودية، فقد حصل على المليارات مقابل تمكين ابن سلمان من السلطة، بينما كانت أحلام ابن سلمان تتجاوز فكرة تمكينه من رقاب أبناء العمومة لتعميده وليا لعهد المنطقة، وقد كشفت تصريحاته قبل عام تقريبا عن جهله بالجغرافيا السياسية وبموازين القوى في المنطقة، فأفرط في التصريحات التي تهدد إيران وتتوعدها بأن الحرب ستكون في عقر دارها، فإذا به اليوم يشتري منظومة دفاعة بمليارات الدولارات لصد صواريخ الحوثي طويلة المدى.

الأخبار المتداولة تتحدث عن لقاء مرتقب بين ترامب ووروحاني في مقر الأمم المتحدة، يعني لقاء "رأس برأس" وليس استدعاء، كما جرى مع ابن سلمان قبل أشهر قليلة، حين استدعي للبيت الأبيض في مشهد مهين، حيث قام ترامب باستعراض قدرته على بيع الأسلحة للزبون... فمحمد بن سلمان هو مجرد زبون، بينما روحاني لن يكون زبونا بطبيعة الحال..

لقاء ترامب وروحاني أو المسؤولين الإيرانيين والأمريكيين لن يكون سهلا، وستعترضه عقبات وسيواجه تحديات وبطبيعة الحال هنالك تنازلات، ولكن الأمر سينتهي باتفاق جديد يجعل من المنطقة فريسة سهلة بين أنياب إيران والكيان الصهيوني الذي أدرك أن مسألة غزو إيران ليست بالأمر السهل، خصوصا وأن إيران على بعد أميال من الكيان، سواء في سوريا أو لبنان، وحتى وإن لم تقم حرب بينهما فالردع هو الذي يمنعها وليس الضعف والخوف.

إيران تتوغل وتنتشر ضمن حسابات دقيقة، بينما السعودية تتزحلق وتنزلق ضمن حسابات ضيقة وضيقة جدا، وحين يغيب مشروع السنة السياسي، فمن الطبيعي أن ينتشر ويزدهر مشروع الشيعة ومشاريع غيرهم.

لا لوم على إيران... فاللوم كل اللوم على الذين دعموا الانقلابات وحاربوا الثورات...

اليوم... تواجهون إيران وحدكم بعد أن فقدتم شعوبكم واستبدلتموهم بأمريكا.

ها هي أمريكا ترفع عنكم الغطاء... فماذا أنتم فاعلون؟
التعليقات (2)
هشام ميشلان
الأربعاء، 08-08-2018 09:02 م
الجزء الثاني / السبب الرابع : العلاقات السعودية الإيرانية ما بعد سقوط النظام الملكي فى إيران تغير تماما ، فالدولة فى إيران وفقا لدستورها إسلامية شيعية بالفكر الجعفري ، والنظام فيها جمهوري وثوري فى آن واحد ، ولها نظام مركب ديني ومدني ، والدولة السعودية منذ قيامها الثالث ، هي الأخرى دولة دينية ملكية وفقا للنظام الأساسي لها ، وهما تصدران المفاهيم الدينية للعالمين العربي والإسلامي كل حسب فلسفته ، ولهما نفوذ متعاظم في كل المناطق ، فقد نجحت السعودية في اختراق العقل المسلم في كل مكان ، حتى في الدول التي لها عمق تاريخي في فهم الإسلام وفقهه ، فقد انتشر الفكر السلفي في مصر حيث الأزهر الشريف ، وفي المغرب العربي حيث الزيتونة ، وفي بلاد الشام حيث المسجد الأموي ، وما زالت ترعاهم من خلال مؤسساتها التعليمية والخيرية والدعوية ، والسياسة ليست جمعية خيرية ، ولا يعمل صاحب السياسة مشروعا بلا ثمن ، و من الجهة الأخرى نجحت إيران في نشر الفكر الشيعي ، وخاصة فلسفة الخميني من خلال فكرة ولاية الفقيه ، فذهب هذا الفكر إلى الخليج العربي ، في السعودية نفسها ، واخترق الفكر الشيعي اليمني القريب من أهل السنة والجماعة المذهب الزيدي ، وتواجد الفكر في البحرين كقوة سياسية ، وأصبح في لبنان القوة الأولى للمقاومة من خلال حزب الله ، وامتد نحو مصر عن طريق حب المصريين لآل البيت ، وإلى سوريا حيث احتضن الفكر الشيعي الإيراني العلويين والدروز ، ويتم كل ذلك عبر تخطيط من الدولة فى إيران ، فنحن هنا أمام قوتين محوريتين إحداهما سنية والأخرى شيعية ، ولكن الذي تبين لنا بعد الرصد هو أن السعودية بدأت تتنازل عن مناطق نفوذها بدون ثمن ، وبلا رؤية استراتيجية ، بينما إيران نجحت بشكل عملي تجاوز فكرة الانقسامات بين الشيعة ، فحاولت استخدام ورقة الشيعة فى كل مكان دون أن تلتفت إلى الخلافات الجوهرية بين التفريعات الشيعية المختلفة ، ومن هنا نلاحظ التماسك في الموقف الإيراني ، بينما نلاحظ التخبط في المواقف السعودية ، ترى السعودية إيران عدوا استرتيجيا في لحظة من التاريخ ، ولكن لأسباب غير مفهومة يتحول الخطاب من العداء الإستراتيجي إلى الأخوة الإسلامية ، وهذا ما كان فى عهد الملك عبد الله حين تبنى مشروع " الحوار" ، وجمع المئات من العلماء والمفكرين في مكة المكرمة تحت رابطة العالم الإسلامي ، وحضر المؤتمر السيد رفسنجاني الرئيس الأسبق للجمهورية الإيرانية ، وهو من الشخصيات الهامة والمؤثرة في السياسية الإيرانية ، ثم رأينا فيما بعد التحول النوعي الذي يعيد المياه إلى ما كانت عليها سابقا ، فهذا النوع من التخبط طغى بشكل مخجل على الرؤية السعودية و عند المؤسسات الدينية والسياسية ، ولهذا لا يستطيع المتابع أن يفهم التغير المفاجئ للموقف السعودي الحالى حيال إيران ، بل وليس من السهولة فهم استقبال الحكام الحاليين في السعودية لرموز الشيعة ، وقد قاطعوا قطر لهذه التهمة ، بل ورأينا أن السعودية طلبت من جهة ثالثة الوساطة ما بينها وبين إيران ، وكانوا فى وقت قريب يروجون في المعترك السياسي والديني أن "مجوس " إيران أخطر من أي عدو في المنطقة. فقد اتفقوا مع ترامب على مواجهة "حلفاء الشر " التي تقودها إيران ، ولكن حين علموا بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تقاد من خلال المؤتمرات السلطوية الاستبدادية ، وإنما عبر مؤسسات لها قراراتها الإستراتيجية ، علموا بأنهم أصبحوا عراة و مكشوفين . السبب الخامس : التخبط في ملف التعامل مع " الإسلام السياسي " ، وهذا الملف هو الأخطر عند السعوديين ، والسبب هو أن الإسلام السياسي يقدم رؤية تختلف عن رؤية السعودية للعمل السياسي الإسلامي ، ومن هنا فالسعودية تحسب ألف حساب لهذا الإتجاه ، فقد حاولت السعودية منذ زمن طويل كما تقول الدراسات المستقلة احتواء الإسلام السياسي لأسباب أيديولوجية فى زمن جمال عبد الناصر ، كما حاولت السعودية تدجين الفكر الإسلامي ليفقد هويته الإصلاحية ، وقد نجحت في بعض المراحل و فشلت في أخرى ، حيث أن هناك قراءة للإسلام السياسي للممارسة السياسية ، وهو أن الشرعية تستمد من الشعب ، وليس من النص فقط ن كما تدعي الفلسفة السلفية الرسمية ، والجيل الجديد من أهل الخليج أمامه خياران ، أحدهما هو الإنحياز نحو الدين ، ولكن بفلسفته المتطورة والمنطقية ، وهذه الفلسفة يحملها الإسلام السياسي ، وهو ما يجعل الخيار السعودي الرسمي تجاه الإسلام السيايي صعبا ، والخيار الثانى هو الإنحياز نحو النظام العلماني ، وهو أمر يتناقض مع البنية الفكرية للنظام السعودي من أساسه ، و من أجل ذلك فإن السعودية تحارب الإسلام السياسي ، ليس للدفاع عن الوهابية ، وإنما خوفا من سلطتها التي بدأت تهتز بعد الربيع العربي ، فهذا الخوف غير المبرر أعماها عن رؤية الحقائق فى الخريطة السياسية كما هي ، فتتخبط في علاقاتها الدولية لتعلن الحرب على اقرب دولة معها فى الفكر و هي قطر ، أو تعلن غزوا دوليا على جارتها الفقيرة اليمن ، بل وتعلن حربا عالمية على الوهم المسمى بالإرهاب و الذي تجسده في جماعة الإخوان المسلمين لكسب ود و دعم النظام الانقلابي في مصر ، وتمنح مئات المليارات لأقوى دولة فى العالم بلا ثمن سياسي . إن الخوف من النتائج المتوقعة من الربيع العربي ، ومن مطالب الشعوب للحياة الكريمة من حرية ومساواة أمام القانون هو الذي جعل الدولة السعودية تفقد أعصابها فى هذه اللحظة التاريخية الحرجة ، ولكن لا يعرف صانع القرار فى السعودية أن عامل الوقت ليس في صالحه ، وأن المشكلة ليست قطر ، أو الجزيرة ، أو الإسلام السياسي أو الإخوان المسلمين ، وليست المشكلة فى الفقه الذي أنتجه الدكتور يوسف القرضاوي الذي وصف سابقا عند المؤسسات الدينية فى السعودية بالمترخص ، ولاحقا بالمتطرف ، بل المشكلة تتمثل في غياب الرؤية الإسترتيجية عن صاحب القرار في هذه الدولة العتيقة ، إن عدم فهم الواقع السياسي بشمولية ، وعدم فهم المستجدات بالطرق العلمية و بعقلية متفتحة ، وعدم التماسك في القرار السياسي ، وغياب المنطق من الفعل السياسي ، كل ذلك أدى إلى التخبط فى القرار السعودي المتعلق بالخارج ، بل وأدى أيضا أن يطرح بعض الكتاب في الغرب تساؤلات منها ، هل اقترب سقوط النظام السعودي ؟ وهل ولي العهد الجديد " الأمير محمد بن سلمان " سيكون آخر مسمار لهذا النظام الهرم ؟، هذه هي أسباب كراهيتي للنظام السياسي ، أو الحكام الجدد في المملكة العربية السعودية ، فأنا لا أكره السعودية كدولة ، أو كشعب ، فالشعوب العربية ما يجمعها أكثر بكثير مما يفرقها من قادة عديمي الخبرة و اللياقة و قابلية الفهم أو التفهم أو التفاهم .
هشام ميشلان
الأربعاء، 08-08-2018 09:01 م
الجزء الأول / يطرح السعوديون مؤخرا سؤالا وجيها ! و هو : لماذا بدأ عدد الشعوب العربية التي تكرهنا في تزايد مضطرد !؟ ، سؤال مهم يستحق مني كمواطن عربي كنت أحب السعودية ، فأصبحت اليوم أكرهها ، أن أجيب عنه من خلال وجهة نظري السياسية و تجربتي الشخصية ، و للجواب على هذا السؤال ارتأيت أن أكون صريحا و منصفا في نفس الوقت ، فالسعودية دولة محورية ، لديها الموقع الإستراتيجي الجغرافي الذي يتوسط العالم الأسلامي ، كما أنها دولة غنية ، فهي الدولة الأولى المصدرة للنفط عالميا ، المحرك الأساسي للإقتصاد العالمي ، وهي بالنسبة للعالم الإسلامي العمق الديني و الروحي ، حيث يقع الحرم المكي والمدني تحت سيادتها ، كما أنها تحتل المرتبة الرابعة في المنطقة بعد إيران و تركيا وإسرائيل من حيث القوة العسكرية . هناك أسباب خمسة جعلتني أكره السعودية ، و هي أسباب أحبطتني نفسيا نظرا للمكانة التي كانت تحتلها في نفسي ، منها الأخطاء السياسية القاتلة التي تورطت فيها القيادة السعودية الحالية ، مما يدل على غياب الرؤية الإستراتيجية فى العلاقات الخارجية لهذه الدولة المحورية ، و يدل على غياب الفكر التشاوري ، حيث طغى الاستبداد بالرأي ، بل وغياب الحياة المؤسساتية تماما ، و ذلك من أهم عوامل نجاح أية دولة فى العصر الحديث . السبب الأول : السعودية كدولة قامت على الفكر الديني السلفي ، حيث تأسست على عقد جرى بين رجلين مهمين ، أحدهما سياسي وهو الملك محمد بن سعود ، والثاني ديني وهو الإمام محمدبن عبد الوهاب ، ولهذا فهي دولة دينية حيث عاهد المؤسس الأول للدولة السعودية الأولى على إقامة الشريعة وفق الفلسفة السلفية أمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وبايع الشيخ بدوره بالسمع والطاعة للأمير المؤسس ، فقامت الدولة السعودية الثالثة التي أسسها الملك عبد العزيز ، وبقي العهد ما بين الأولاد والأحفاد فى الأسرتين ، أو ما بين المؤسستين الدينية والتنفيذية . لكن التصريح الذي صرح به السفير الإماراتي السيد العتيبة لوسائل الإعلام فى الولايات المتحدة الأمريكية حيث قال : إن السعودية والإمارات يسعيان فى إقامة دول علمانية فى المنطقة ، والخلاف بين دول الحصار ودولة قطر فلسفي ، وليس سياسي، و هذا يتناقض مع بنية الدولة السعودية شكلا و موضوعا ، ويهدم الأساس الذي تقوم عليه السعودية كدولة ، فالعلمانية وفقا للتعريف المخفف لها مناقض لما هو موجود فى السعودية من وجود مرجعية دينية للدولة ، ومن وجود دور أساسي لعلماء الدين في الحكم والقضاء والحسبة ،من أجل ذلك تعتبر هذه الخطوة غبية و متسرعة استراتيحيا ، و هدما للدولة السعودية التي قامت تاريخيا على رؤية دينية صرفة ، وليس من الحكمة السياسية أن تهدم رؤيتك الذاتية لإرضاء القوى الخارجية ، وهي قراءة سطحية في تنزيلها على السعودية أولا ، وفى الخليج العربي ثانيا ، ذلك لأن الموروث الثقافي ليس مهيئا لقبول مثل هذا الخطوة ، فهي سواء تمت بمعرفة الدولة السعودية أو بعدم معرفتها ، فإنها دلت على تعثر السياسة الخارجية للسعودية ، وتهدم ما بنتها السعودية فى العقود الماضية . السبب الثاني : بناء العلاقة الإستراتيجية مع دولة الإمارات دون دولة قطر ، وهذا يدل على عدم الإلمام بالواقع السياسي فى المنطقة ، السعودية دولة سنية ، وهي من مدرسة محمد بن عبد الوهاب ، وابن تيمية رحمهما الله ، بينما الإمارات العربية المتحدة تمثل هي الأخرى دولة سنية ، ولكن فلسفتها صوفية ، ومن المذهب الأشعري ، وكانت وراء المؤتمر الذى جرى وقائعه في الشيشان بالتعاون مع روسيا ، وهو الذي توصل بأن السلفية ومعها الإسلام السياسي ليسا من أهل السنة والجماعة ، و قطر تعتبر كذلك دولة سنية ، ولكنها قريبة من الفكر الإسلامي السلفي ، والمذهب السائد فيها هو المذهب الحنبلي ، وفي قطر مسجد يعتبر من المعالم الأساسية فى الدولة وهو مسجد " الإمام محمد بن عبد الوهاب " ، وبهذا نرى من حيث البنية الفكرية أن قطر أقرب إلى السعودية من الإمارات العربية المتحدة ، ولكن غياب الرؤية الإسترتيجية يدل على قصور معرفي سياسي للقادة الجدد في السعودية ، كما أن قطر دعمت السعودية فى محنتها في المحاكم الأمريكية ، ولم يسجل للإمارات هذه الوقفة فى لحظتها ، وزار الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود الدوحة عاصمة قطر ، وتم استقباله بحفل كبير و رقص الرقصة العربية المعروفة بالسيف ، لكن المفاجأة كانت كبيرة بعد أشهر من الزيارة حيث قطع العلاقات مع قطر ،و هذا يعتبر غدرا و خيانة لا تليق بأخلاق العرب ، ناهيك عن أخلاق المسلمين ، حيث أن حاجة قطر للسعودية قوية ، وحاجة السعودية لقطر كذلك قوية ، ولكن حاجة الإمارات للسعودية مرحلية ، و تجعل من السعودية دولة وظيفية يتم استخدامها للوصول إلى المغانم السياسية ، بل و الاستعمارية ، فلا يخفى سعي الإمارات فى استعمار المنطقة عن طريق احتلال الموانئ فى اليمن ، وجيبوتي ، والصومال ، و إريتريا ، ولاحظنا مدى الخلاف السياسي والإستراتيجي بين السعودية والإمارات في اليمن ، ومن الأسباب الرئيسية التي جعلت عاصفة الحزم تفشل هو هذا الخلاف ، و السعودية اليوم تبحث عن مخرج من اليمن بأي ثمن . السبب الثالث : هو أن اليمن بالنسبة للسعودية يمثل العمق الإستراتيجي ، من حيث القوة السكانية الكبيرة لليمن و كلهم عرب أقحاح على مساحة جغرافية واسعة ، و تداخل ما بين الشعبين من حيث الديانة والمذهب والعرق ، ولكن الذي لم يكن فى الحسبان أن ثورة سوف تقوم فى بلاد العرب ومن بينها اليمن ، والتي لها حدود طويلة مع السعودية ، و الذي كان يحيرني ، كيف تكون اليمن أفقر دولة فى العالم العربي تجاور السعودية أغنى دولة فى العالم و ليس في العالم العربي ، و هذا ينم عن عدم الصدق و الإخلاص في الأخوة ، و ظهر ذلك جليا عندما لم تتحمل الدولة السعودية ما يجرى لهذا البلد المهم و هو اليمن ، من ثورة شعبية سلمية تحمل للمنطقة مشروعا جديدا ، فبدأت السعودية أخطاءها السياسية تتوالى منذ ذلك اليوم ، حيث وقفت السعودية مع حكومة المخلوع على عبد الله صالح بكل ما أوتيت من قوة ، وعملت معه فى إفشال الثورة السلمية التى رفضت حمل السلاح ضد صالح ، والسبب هو أن السعودية حسبت بأن حركة الإصلاح " فرع الإخوان المسلمين " فى اليمن وراء الثورة ، ومن هنا رأينا كيف عملت مع الحكومة ، بل وحاولت إنقاذ النظام من السقوط حتى لا يكون البديل " الإسلام السياسي "، ولم تقف السعودية عند هذا الحد ، فقد أعطت الضوء الأخضر للحوثيين ، ولكنها لم يكن في حساباتها وجود الملف الإيراني بالزخم الذي ظهر به ، و هذا يدل على جهل و غباء و تفرد سلطوي و غياب مبدأ الشورى الذي تتغنى به نهائيا ، فوجدت نفسها أمام إيران في الحدود معها بعد سحق المعارضة ، ورجال الثورة فى اليمن ، فكانت عاصفة الحزم بلا رؤية وروية و حكمة و لا حنكة لا سياسية و لا عسكرية ، فأصبحت تتحمل مسؤولية سبعة ملايين يعيشون اليوم تحت خط الفقر وفقا لبيانات أممية ، و مسؤولية جعل الحوثيين قوة في خاصرة الدول العربية ، مع أن نسبة وجودهم لا تتجاوز 5% من عدد السكان ، إنها السياسة السعودية الخرقاء التي لا تستشير في الأمور الكبرى مع الأشقاء .