كتاب عربي 21

أما آن الأوان لوستفاليا عربية-إسلامية؟

قاسم قصير
1300x600
1300x600
تواجه اليوم أربع دول كبرى وأساسية في العالمين العربي والإسلامي، وهي إيران وتركيا ومصر والسعودية، أزمات متعددة داخلية وخارجية، في ظل استمرار الحروب والصراعات في المنطقة، وازدياد الضغوط الأمريكية والتخوف الكبير من اندلاع مواجهات جديدة قد تدخل المنطقة في حرب شاملة شبيهة بالحرب العراقية-الإيرانية في الثمانينيات.

وليست هذه الدول الأربع فقط هي التي تعاني من أزمات اقتصادية وسياسية وتحديات أمنية واجتماعية، بل إن معظم دول الإقليم أصبحت جزءا من هذه الصراعات، وتحولت إلى ساحات للمواجهة المباشرة وغير المباشرة. وهذا ما نلاحظه في ظل ما يجري في اليمن لبنان وسوريا والعراق والبحرين وليبيا وقطر، مع احتمال تمدد الصراعات إلى دول أخرى، كتونس والجزائر والأردن والمغرب والكويت.

فهل آن الأوان للبحث مجددا بمشروع وستفاليا عربية-إسلامية لوقف كل هذه الصراعات والخروج من المأزق الحالي؟ أم أنه لم يعد بأيدينا القدرة على اتخاذ القرار بوقف هذه الصراعات، وسنظل وقودا لحروب وأزمات جديدة تؤدي للمزيد من الخراب والدمار في بلادنا؟

ولا بد من التذكير بأن من أوائل الذين طرحوا الدعوة لعقد معاهدة وستفاليا عربية-إسلامية؛ كان القيادي في حزب الله النائب الدكتور علي فياض، ومما قاله في العام 2013: "نحن نعيش في مرحلة لم يعد يسعنا أن نطل على الواقع السياسي الإقليمي أو المحلي دون الإطلالة على الواقع الإسلامي والوضع الدولي. وإذا أردنا أن نعالج المسألة العربية المعاصرة، فهناك جانبان:

الأول، يتصل بالتحديات الفكرية والاجتماعية والسياسات العامة، والثاني يتصل بالتصورات الاستراتيجية السياسية. وهذا الجانب مهم، وقد دعوت إلى ما يشبه "وستفاليا عربية إسلامية" (وستفاليا هي الاتفاقية التي عالجت الواقع الأوروبي بعد الحروب الدينية)، وذكرت سابقا أنه يمكن إنشاء نظام عربي-إسلامي جديد في ظل تراجع الدور الأمريكي وتعاظم الدور الشعبي. ويهدف هذا التصور لإقامة نظام إقليمي عربي-إسلامي جديد يرعى مصالح جميع الدول والفئات، ولمنع حصول حرب دينية-مذهبية تمتد لثلاثين عاما.

وقد كان لدى الدكتور فياض مشروع متكامل حول هذا الطرح، وجرت مناقشته في الأوساط الداخلية للحزب ومع بعض النخب الثقافية العربية والإسلامية، ولكن الظروف السياسية آنذاك واشتداد الصراعات في المنطقة لم تسمح بتبني المشروع أو متابعته.

وجرت الدعوة لمثل هذه المعاهدة العربية-الإسلامية من قبل شخصيات فكرية عديدة في العالم العربي والإسلامي، وجرى تبنيه من قبل منتدى التكامل الإقليمي في بيروت، وأصبحت جزءا من أوراق عمله الدائمة. وكان الكاتب والباحث اللبناني سعد محيو قد أصدر كتابا شاملا في هذا الإطار تحت عنوان: "العرب والإيرانيون والأتراك والأكراد: تكامل أم انتحار؟". وفي موازة ذلك، أقيمت عدة لقاءات وحوارات فكرية وسياسية في تونس والأردن ولبنان؛ تدعو إلى تبني هذا المشروع، لكن للأسف حتى الآن لم تتم الاستجابة لهذه الدعوة، والمنطقة لا تزال تعيش أجواء الصراعات والحروب، والتي قد تشتد وتتمدد في المرحلة المقبلة.

واليوم، إذ تواجه الدول الأساسية في المنطقة، وخصوصا إيران وتركيا والسعودية ومصر، المزيد من التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية والاجتماعية، وعدم قدرة أية دولة لمواجهة هذه التحديات بشكل منفرد، وفي ظل انقسام المنطقة بين محورين، الأول ترعاه روسيا وتسعى لجذب عدد من الدول إليه، والثاني ترعاه أمريكا، والتي تحاول فرض مشاريعها على المنطقة، وفي ظل سعي روسيا وأمريكا لتقاسم النفوذ في المنطقة على حساب الدول العربية الإسلامية، تصبح الحاجة الملحة من أجل الدعوة مجددا لحوار مباشر بين هذه الدول الأربع الكبرى: إيران وتركيا ومصر والسعودية، وصولا لعقد معاهدة وستفاليا عربية-إسلامية جديدة. ومن الواضح أن العديد من الدول الأوروبية والجهات الدولية تشجع مثل هذا الطرح، وبدل أن نتقسم هذه الدول بين محورين روسي أو أمريكي تتحول إلى قوة فاعلة في المشهد الإقليمي والدولي.

وقد لا يكون المجال في هذا المقال للحديث عن تفاصيل مثل هذه المعاهدة وشروطها، وما يمكن أن تتضمنه من بنود، لكن القاعدة الأهم التي يجب اعتمادها للوصول إلى مثل هذا الاتفاق التاريخي وجود إرادة حقيقية لتحقيق التسويات وإقامة الحلول لأزمات المنطقة وتقديم التنازلات المتبادلة بحيث تحفظ مصالح وحقوق شعوب ودول المنطقة على قاعدة حل النزاعات الشهيرة: رابح-رابح، وأن لا يكون هناك مهزوم أو خاسر.

طبعا سيقول الكثيرون إن هذه الدعوة مثالية أو خيالية وغير واقعية، وأن الظروف الحالية لا تسمح بحصولها، لكن في المقابل نقول: إن وصول كل هذه الدول إلى الحائط المسدود، وتخبطها في مشاكلها، وعدم قدرتها على الوصول إلى حلول لأزماتها الداخلية والخارجية.. قد يكون الدافع الأقوى للقبول بمثل هذا الطرح المثالي.
التعليقات (7)
مُواكب
الخميس، 30-08-2018 02:47 ص
يُودعنا المُعلق المُنسحب الذي أُسميه " المُندس "بدمعة حزن على مصير إدلب المحاصرة ! هل هناك رسالة أوضح من هذه؟ إنها تذكرة المُندس للمسلمين السنة بالواقع المُفجع الذي نعيشه، على سبيل المثل، في إدلب هذه المرة. لكن هناك رسالة أوضح له ولعلي مملوك وجميل حسن وغيره من أقطاب الدولة النصيرية : لن تعودوا لخداعنا أبداً ! ما أن لفظ المُندس اسم مُفتي المقبور حافظ أسد، محمد سعيد رمضان البوطي، حتى عرَّف عن نفسه: قبر من قُبور علي مملوك المستقبلية، ولِيسأل المُندس نفسه : ألم يقبر علي مملوك قبله الكثيرين كأبو القعقاع والبوطي وقائمة لا تنتهي من الأسماء؟ نحن الُمُسلمين السنة مكشوفين على الطيران الروسي وعلى غدر أشرار الخليج، السعودية والإمارات، وعلى حرب إبادة مُستمرة تشنها علينا الشيعة الدموية الهمجية القاتلة، لكننا أصبحنا أصحاب قضيتنا، نخدمها كما نستطيع بدون خونة أو مُندسين.
اينشتاين
الخميس، 30-08-2018 12:23 ص
إذا كانت تحليلاتي لم تعجب إخواني ، ومنهم : مواكب و (جميل واسمر ) وآخرين ، وانحناء مني أمام دماء السوريين الأبرياء الزكية ، سأنسحب ولن أعود للتعليق مرة أخرى على مستوى المنبر الحر " عربي 21 " وأكفيكم ضجيج " اينشتاين " مرة واحدة ، أتمنى أن بسود الاحترام وحسن الظن بين إخواني السوريين خصوصا أولئك المحاصرين داخل حدود إدلب الأبية ، شكرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
اينشتاين
الأربعاء، 29-08-2018 11:50 م
أخي مواكب أسامحك لأنني من المكتوين بنار الفتنة قبلك بسنوات وضحية من ضحايا مخابرات الاستبداد ، فقط لتعلم أنني لا أفرق بين دماء السوريين الأبرياء بسبب براميل الظالم بشار الأسد وقنابل الطيران الروسي الذي لم يفرق بين أفغانستان ولا سوريا ولا أي أرض من أراضي المسلمين ، وبين دماء العراقيين والإيرانيين أيام ثمانينيات القرن الماضي بسبب الاستبداد والطغيان ، الشعوب المسلمة المسحوقة هي التي دفعت وتدفع الفاتورة اليوم ، ماذا قدمت الرياض وأبو ظبي للسوريين يا أخي مواكب ؟ الجبير وابن سلمان ومحمد بن زايد لا يمانعون بقاء بشار الأسد الذي ضحى بشعبه الأبي ، ليس حبا في بشار ، ولكن اتقاما من الشام التاريخ والحضارة ، أقسمت لكم ولم تصدقوني ، أمعنتم في الاتهام ، ماذا لو كنت إلى جانبكم ؟ إذا أردتم فعلا الانتصار للحق فلتقابلوا الحجة بالحجة ، أما السب والشتم ( حزب الشيطان ) وما إلى ذلك فإنها لا تشعل ولن تشعل شمعة واحدة داخل النفق المظلم الذي أدخلونا جميعا فيه ، إذا كان ولا بد من توجيه اللوم إلى قاسم قصير فلنتوجه إليه بالسؤال : هل وقوف حزب الله إلى جانب النظام في مواجهة شعبه يدخل في حدود قوله تعالى : " يا أيها الذبن إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ... " الآية 7 من سورة محمد . وفي الوقت ذاته أتوجه إليك يا مواكب هل المواجهة المسلحة داخل المجتمع الواحد هي من التدافع الذي تحدث بخصوصه القرآن في قوله عز وجل : " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين " . الآية 251 من سورة البقرة . سامحك وحفظك الله يا أخي مواكب .
مُواكب2
الأربعاء، 29-08-2018 09:08 م
واحد من الذين سبقوني بالتعليق، يُسمي الشيعة بالأُخوة ، يعني شيعة الضاحية الجنوبية وشيعة الخامنئي بمن فيهم القادمين من باكستان و أفغانستان لنصرة بشار أسد! أسأل هذا المعلق: هل جفت دماء المسلمين السنة التي يهدرها أُخوته الشيعة بغزارة دموية لا تبدو لها حدود أو نهاية؟ لم أُصدق قسمه بالله ثلاث مرات أنَّه ليس من عناصر علي مملوك أو جميل حسن، وفي تعليقه اليوم البرهان القاطع على انتمائه للمخدرات السورية. وليعلم عنصر المخابرات هذا أن القسم بدون ضرورة هو من قِلَّة الأدب.
مُواكب
الأربعاء، 29-08-2018 06:13 م
أقرأ ما يكتبه الأستاذ قاسم قصير لمعرفة ما يدور في ذهن مُثقف شيعي من حزب الشيطان الرجيم. للأسف، فإن سخافة أطروحاته تنمُّ عن الفراغ الأخلاقي، وقبله الفراغ الديني، الذي يعيشه حزب روسيا الإيراني. قليل من الناس يتداول مغزى تشكيل حلف شيعي روسي. قناعتي الشخصية أن تجارة المخدرات العالمية، التي يكاد يحتكرها بوتين لنفسه، والتي تأكل منها الضاحية الجنوبية اقتضت العناق بين الشيعة والأُرتودكس الروس.