مقالات مختارة

إقالة الفياض.. معركة تكسير العظام في العراق

صادق الطائي
1300x600
1300x600

قبيل انعقاد جلسة البرلمان العراقي الجديد المقرر يوم الاثنين 3 سبتمبر/ أيلول 2018، بناء على دعوة رئيس الجمهورية فؤاد معصوم. احتدم الصراع بين محوري الكتل البرلمانية الشيعية، واشتعلت حرب التصريحات بين الطرفين، إذ يدعي كل محور أنه حقق اتفاقات أهلته لتكوين الكتلة الأكبر تحت قبة البرلمان، التي ستكلف بتشكيل الحكومة. 

فبعد فشل اجتماع فندق بابل، الذي ضم محور (الصدر- العبادي – الحكيم -علاوي) في كسب الكرد والسنة إلى جانبه، تحرك نواب المحور الوطني السني (وهو ائتلاف ضم رموزا سنية مهمة بقيادة خميس الخنجر) إلى أربيل والتقوا هناك قيادات الحزبين الكبيرين في محاولة لجس النبض ومعرفة ما سيقدم من عروض من محور فندق بابل أو المحور المنافس (العامري- المالكي)، والنتيجة بقاء الحال ضبابي المعالم، ولم يعرف أحد الاتفاق النهائي الذي تم، لأن كل الأطراف مصرة على إخفاء اتفاقاتها قبل انعقاد جلسة البرلمان الأولى.

في هذا الخضم حاول محور (الفتح – دولة القانون) أن يقضم جزء مهما من ائتلاف النصر الذي يقوده العبادي نفسه، وذلك بتحريض نواب من كتلته للانشقاق والالتحاق بائتلاف الفتح، وهذا ما تم تسريبه من معلومات، التي ضخمتها كتلة دولة القانون، على لسان أحد قادتها، الذي أخبر وسائل الإعلام يوم السبت الأول من سبتمبر قائلا إن «30 عضوا من ائتلاف النصر انضموا لتحالف القانون والفتح ، كما أن الأحزاب الكردية والسنية حسموا أمر الانضمام للكتلة الأكبر، التي سيشكلها القانون ـ الفتح».

لكن الجزء الظاهر من جبل جليد الأزمة تمثل في إقالة رئيس الوزراء حيدر العبادي للسيد فالح الفياض مستشار الأمن الوطني ورئيس هيئة الحشد الشعبي من جميع مناصبه. وقد جاء في القرار الديواني الذي صدر في 30 أغسطس/آب أن سبب الإقالة يعود إلى»انخراط الفياض في ‏العمل السياسي والحزبي، ورغبته في التصدي للشؤون السياسية، وهذا يتعارض مع المهام الأمنية ‏الحساسة التي يتولاها».‏ 

ولفت البيان إلى أن «الإقالة استندت إلى الدستور العراقي الذي نص على ‏حيادية الأجهزة الأمنية والاستخباراتية وقانونية هيئة الحشد الشعبي، التي تمنع استغلال المناصب ‏الأمنية في نشاطات حزبية». كل من اطلع على بيان حكومة العبادي وأسبابه المعلنة، ضحك من الأسباب المذكورة، فالفياض كان على رأس مناصبه، مستشارا للأمن الوطني ورئيسا لهيئة الحشد الشعبي، في الوقت الذي كان يقود فيه كيانا سياسيا هو قائمة «عطاء» الانتخابية، التي خرجت من عباءة تيار الإصلاح الذي يقوده وزير الخارجية إبراهيم الجعفري، وخاض الانتخابات مؤتلفا ضمن كتلة النصر، التي يقودها العبادي، وحصل على ستة مقاعد في الانتخابات الأخيرة. لينتفض العبادي فجأة ويتذكر أن الدستور منع تسييس القوات المسلحة ومن ضمنها هيئة الحشد الشعبي!

وللحديث عن فالح الفياض لابد أن نعرف أولا من هو؟ وما هو الدور الذي أداه؟ وكيف ارتفع نجمه في سماء السياسية العراقية؟ فالح فيصل فهد الفياض يتحدر من عائلة تتزعم تحالفا عشائريا يعرف بعشائر البو عامر في الراشدية شمال شرق بغداد قرب حدود محافظة ديالى، درس الهندسة الكهربائية في جامعة الموصل وتخرج عام 1977، وتعرض للسجن مطلع الثمانينيات، إذ حُكم عليه بعقوبة السجن المؤبد، لكنه خرج بعد خمس سنوات، وتشير سيرته الذاتية المنشورة رسميا في عدد من المواقع الحكومية، إلى أنه سجن لكونه عضوا في حزب الدعوة، بينما يؤكد خصومه أن الفياض لم ينتم إلى حزب الدعوة في تلك الفترة وان عقوبة السجن كانت لأسباب جنائية وليست سياسية.
واللافت أن هناك فترة مظلمة في سيرته تمتد من تاريخ خروجه من السجن حتى التحاقه بالعملية السياسية بعد 2003، أي قرابة 20 عاما قضاها داخل عراق صدام، بدون أن يعلم أحد ماذا كان يعمل، وأين، وما هو منصبه. وبعد إطاحة نظام صدام أصبح الفياض مستشارا لإبراهيم الجعفري، الأمين العام لحزب الدعوة، وكبر في ظله وحصل على مناصبه السياسية نتيجة لعبه على حبال توازنات الانشقاقات السياسية، مثال ذلك الانشقاق الذي حصل في حزب الدعوة بين المالكي والجعفري عام 2005، إذ أصبح الفياض في هذه الفترة مستشارا للأمن الوطني، كما حصل على مقعد وزارة المصالحة الوطنية، ومع انشقاق العبادي عن المالكي عام 2014 تسنم الفياض رئاسة هيئة الحشد الشعبي حديثة التشكيل التي ولدت لمواجهة تنظيم «داعش» الإرهابي.

لكن اللافت أن الفياض ليس له أي بصمة سياسية أو مهنية، فجهاز مستشاريه الأمن الوطني تحول إلى مكان لا ماهية له ولا وظيفة واضحة، وبات جهازا مترهلا مثقلا بالفساد وتعيين الأقارب من عشيرة الفياض. وتهم التربح من التعيينات تطارد ابني أخت فالح الفياض اللذين يديران مكتبه، وعندما تم تعيين فالح الفياض رئيسا لهيئة الحشد الشعبي كانت المسألة شكلية أيضا، وهنا أيضا لم يسجل له أي بصمة تذكر، ‏لان الأمر كله كان بيد أبو مهدي المهندس الذي كان يدير كل صغيرة وكبيرة في هيئة الحشد بالتشاور مع خبراء فيلق القدس الإيرانيين .‏كما أن عدة ملفات فساد تطارد شقيق فالح الفياض النائب علي الفياض الذي فاز في الانتخابات السابقة نتيجة نفوذ أخيه السياسي. فهل كانت ضربة العبادي موجهة للحلقة الأضعف كي يخاف الأقوى من خصومه؟ 

ويبقى المخفي، وهو كبير، إذا ما تحدثنا عن رجل مثل فالح الفياض، الذي مازال غامضا لدى الكثير من المحللين، نتيجة صمته وقلة تصريحاته الإعلامية. فقد تسربت مؤخرا إشاعات وصلت حد تأكيدها من بعض الساسة بخصوص تغير مهم في تواجد قوات الحشد الشعبي في المحافظات السنية، وكان هذا الأمر مطلبا لقائمة المحور الوطني السنية، التي جمعت أغلب القوائم السنية تحت مظلتها وحازت 55 مقعدا في البرلمان الجديد، وقيل إن أحد أهم شروط ائتلاف هذه الكتلة مع قائمة النصر وسائرون هو انسحاب فصائل الحشد الشعبي الشيعي من المدن السنية، وإعادة المهجرين، وتخصيص مبالغ من الموازنة لإعمار المدن المدمرة. وهذا الأمر رفضه العبادي باعتباره قائدا أعلى للقوات المسلحة، لكن الانشقاق بدا واضحا على الأرض، لأن من يمسك الأرض من القوات يأتمرون بأوامر العامري والخزعلي وأبو مهدي المهندس وقياداتهم الميدانية، بينما لا يمثل العبادي ولا حتى الفياض سوى واجهات قانونية شكلية لا أكثر، ومن هنا اِرتأى الفياض الانتقال إلى الفريق الآخر عبر هذه الصفقة، التي روج خصومها الاتهامات على أنها تمثل صفحة أولى ستتلوها صفحات من فراغ أمني سيحدث بعد انسحاب فصائل الحشد من المدن السنية، ما يعطي فرصة لسيطرة فلول «داعش» المتربصة مرة أخرى على هذه المدن.

بينما يرى البعض أن هذا الأمر محض إشاعات وأن الفياض على الرغم من تصريحه السابق بأن مرشح ائتلاف النصر لرئاسة الحكومة هو العبادي، إلا أن التوترات التي حصلت والشد والجذب في الترشيح لرئاسة الحكومة بين المحورين المتنازعين على الأمر، الذي انحصر في أسماء مثل العبادي والمالكي والعامري، التي اعتبرت كلها أسماء إشكالية لا يمكن أن يتم التوافق عليها بين الفرقاء المحليين والإقليميين والدوليين، بينما اِرتأى الفياض في نفسه المقبولية لدى الأطراف المختلفة، وإن فرصته بالحصول على رئاسة الحكومة لن تكون هذه المرة إلا بكسره كتلة النصر والتحالف مع (الفتح – القانون) .

لكن مع تصاعد حدة التوتر أطلق مقتدى الصدر تغريدة على حسابه الرسمي في تويتر أربكت كل الحسابات، إذ دعا يوم السبت الأول من سبتمبر إلى تشكيل حكومة تخدم المواطن عبر وزارات تكنوقراط. ورفض العودة إلى المحاصصة وما وصفه بـ»خلطة العطار»، وأكد الصدر أننا «لن نعود إلى المربع الأول، ولا عودة للمحاصصة والطائفية والعرقية والفساد، والهيئات الاقتصادية، وخلطة العطار» وأشار إلى ذلك بقوله «إن عادوا فلن نشاركهم ولن نشركهم، بل سنعارضهم تحت قبة مجلس النواب»، لكن ومن طرف آخر وفي اليوم نفسه ذهب حليف الصدر إياد علاوي وقياديين في قائمته إلى أربيل لحضور اجتماع مع مسعود بارزاني، وأكد البيان الصحافي الصادر عن الاجتماع «ضرورة أن تكون الحكومة المقبلة حكومة شراكة وطنية يتم التوافق على برنامجها عبر حوار وطني تشترك فيه جميع الأطراف، وتنتج عنه خريطة طريق واضحة». ومن هذه النقطة يجب أن نفهم أن كل التوافقات المقبلة، ستمر من تحت هذه المفردة فقط (حكومة شراكة وطنية). أما الحصص، فإن النزاع عليها لم يحسم بعد.

عن صحيفة القدس العربي

0
التعليقات (0)