مقالات مختارة

إدارة ترامب تحبس أنفاسها

عثمان ميرغني
1300x600
1300x600

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يستطيع أن يضيف إلى إنجازاته الاقتصادية إنعاشه لصناعة الكتب، لا سيما في أمريكا. فمنذ تقلده الرئاسة انشغلت دور النشر بسيل من الإصدارات عنه وعن إدارته، بأقلام صحافيين وأكاديميين، أو خصوم ومسؤولين سابقين، أو حلفاء سياسيين. أحصيت 18 كتابا من الكتب الصادرة عن ترامب خلال العامين الماضيين، ولا أزعم أن هذا العدد المذهل يغطي كل ما صدر عنه.

قليل من هذه الكتب أحدث ضجة تقلق الإدارة، مثل كتاب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) المقال جيمس كومي «ولاء أعلى» الذي وزع أكثر من 900 ألف نسخة، أو كتاب مايكل وولف «نار وغضب» الذي وزع نحو مليوني نسخة. لكن البيت الأبيض يحبس أنفاسه هذه الأيام ترقبا لكتاب الصحافي الأمريكي المرموق بوب وودورد الذي يحمل عنوان «الخوف... ترامب في البيت الأبيض» ويصدر يوم الثلاثاء المقبل، وسط توقعات بأن يحدث هزة لها ارتداداتها.

مجرد وجود اسم وودورد على غلاف الكتاب يجعل الناس يستعيدون ذكرى فضيحة «ووترغيت» التي أسقطت رئيسا جمهوريا قويا هو ريتشارد نيكسون. لذلك نسمع مقارنات اليوم، مع بعض الفوارق المهمة بالتأكيد، بين ما تواجهه إدارة ترامب من مصاعب وتحقيقات، والأوضاع التي عاشتها إدارة نيكسون مع فضيحة «ووترغيت».

وودورد، بكتابه الجديد يبني بلا شك على رصيده الهائل الذي اكتسبه منذ «ووترغيت»، ودوره مع زميله كارل بيرنشتين في متابعة وكشف فصول الفضيحة التي هوت بنيكسون وهزت أمريكا، بل أصبحت علامة فارقة في تاريخها السياسي، ومعلما في مجال الصحافة الاستقصائية. كما أنه يواصل بهذا الكتاب نهجه مع غالبية الرؤساء منذ نيكسون، فإذا استثنينا جيرالد فورد وجيمي كارتر ورونالد ريغان، فإنه أصدر كتبا عن كل الرؤساء اللاحقين من جورج بوش الأب إلى بيل كلينتون ثم جورج بوش الابن، وباراك أوباما، والآن يأتي الدور على ترامب.

المفارقة أنه مثلما كانت إدارة نيكسون تحت الحصار والقصف الإعلامي بسبب تداعيات «ووترغيت» التي ارتبطت أيضا بمحاولات «تجسس» انتخابي بغرض التأثير في النتائج، فإن إدارة ترامب تواجه اليوم حصارا بسبب تداعيات التدخل الروسي للتأثير في انتخابات الرئاسة الماضية والتحقيقات الجارية حول القضية بقيادة روبرت مولر الرئيس الأسبق لمكتب التحقيقات الفيدرالي.

ثمة تشابهات أخرى بين نيكسون وترامب؛ فكلاهما اشتهر بسرعة الغضب والفظاظة أحيانا، وعدم الثقة بمن حوله، ومحاولة تجاوز السلطة القضائية. وكل منهما عاش علاقات متوترة مع الصحافة ومع عدد من كبار المساعدين والمستشارين، وعانى من أجواء صاخبة في أوساط إدارته.

البيت الأبيض سارع هذا الأسبوع لشن حملة على كتاب وودورد شارك فيها ترامب نفسه بتصريحات وصف فيها الإصدار بأنه «كتاب آخر رديء»، ووصف الكاتب بأن «لديه كثيرا من مشكلات المصداقية».

وأتبع ذلك بتغريدات على «تويتر» أشار فيها إلى أن بعض الكلام المنسوب في الكتاب لأعضاء كبار في إدارته مثل الجنرال جيمس ماتيس وزير الدفاع، والجنرال جون كيلي كبير موظفي البيت الأبيض نفاه الأشخاص المعنيون، متهما وودورد بـ«محاولة الاحتيال على الجمهور»، وبأنه يخدم مصالح الحزب الديمقراطي، وذلك في إشارة إلى معركة انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل التي يحاول فيها الديمقراطيون انتزاع السيطرة على الكونغرس من الجمهوريين.

من جانبه، أصدر الجنرال كيلي بيانا نفى فيه أن يكون وصف الرئيس «بالأبله»، عادا هذا الكلام بأنه محاولة للإساءة إلى الناس القريبين من الرئيس. كذلك أصدر الجنرال ماتيس بيانا نفى فيه استخدام أي عبارات مسيئة في حق الرئيس قائلا إن الكتاب «نتاج خيال خصب».

وكان وودورد قد ضمن كتابه رواية منسوبة إلى مسؤولين وموظفين في البيت الأبيض وتسجيلات من محاضر رسمية مفادها أن ترامب أمر ماتيس بالترتيب لاغتيال الرئيس السوري بشار الأسد وأركان حكومته ردا على استخدام أسلحة كيماوية ضد المدنيين في دوما العام الماضي. إلا أن ماتيس، وفقا للكتاب، تجاهل توجيه الرئيس وأبلغ أحد كبار مساعديه بأنه لن يفعل شيئا من ذلك، واستخدم عبارات قاسية في مناسبات أخرى لوصف الرئيس وطريقة تفكيره.

وودورد جهز نفسه للرد على حملات البيت الأبيض فظهر في مقابلات خلال الأيام الماضية للترويج للكتاب وشرح الأسلوب الذي اعتمد عليه في التقصي والتسجيل وتجميع مئات الوثائق والمحاضر الرسمية، وإجراء مقابلات مسجلة مع مسؤولين حاليين وسابقين في الإدارة، موضحا أن عنوان الكتاب مصدره كلام لترامب نفسه يعكس فلسفته في فرض الاحترام بالخوف.

صحيفة «واشنطن بوست» التي يعد وودورد أحد نجومها، شاركت أيضا في الرد على حملة البيت الأبيض ذهبت إلى حد وضع تسجيل صوتي على موقعها الإنترنتي مدته 11 دقيقة، يحوي نص مكالمة هاتفية جرت منتصف الشهر الماضي بين ترامب وبوب وودورد ودارت حول الكتاب وإبداء الرئيس أسفه لأنه لم يلتقِ بالكاتب لشرح وجهة نظره، بينما يرد هذا الأخير بأنه طلب عبر عدة قنوات ترتيب لقاء من دون جدوى.

كل هذه تبدو مجرد بروفات للضجة الكبرى المتوقعة مع نزول الكتاب إلى الأسواق الأسبوع المقبل، وتداول ما يقال إنه يحتويه من «مادة متفجرة» عما يدور في دهاليز البيت الأبيض.

عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية

0
التعليقات (0)