قضايا وآراء

عندما تصبح السذاجة أُمنية!

عدنان حميدان
1300x600
1300x600

من كثرة ما نجد حولنا من أناس يعيشون وكأنهم خارج الكوكب تماما؛ تصيبك حالة انفصام حقيقية وأنت تسأل هل أحزن عليهم أم أحسدهم؟! هل أحزن عليهم لأنهم لا يعلمون شيئا عما يحيط بهم، أم أحسدهم على الدرجة العالية من اللامبالاة والسلبية التي يتمتعون بها؟ 


وصلنا من قسوة ما نقرأ ونشاهد أن أصبحت الأمور عندنا بالغة التعقيد، إن قُدِّمَ لك طعام دهمتك حسابات الصحة والكوليسترول، إن ذهبت إلى مكان قفزت لذهنك معايير الجودة والخدمة، وإن أردت قليلا من الترفيه بمتابعة مقطع تلفزيوني سيطرت عليك نزعة تصنيف ذلك الممثل، بل حتى لو أردت أن تريح نفسك بسماع تلاوة من القرآن سارعت لعقلك محاكمة مستعجلة لذلك القارئ ومواقفه السياسية المختلفة، وعلى سيرة السياسة تصبح أمورك بالغة التعقيد وأنت تبحث عن مصادر مستقلة تستقي منها الأخبار بموضوعية! بل إن تركت ذلك كله وانصرفت لتشجيع منتخبات كروية عالمية هاجمك البعض بناء على التاريخ السياسي والعسكري للفريق الذي اخترت تشجيعه! 


أحيانا ترغب أن تكون معرفتك بذلك كله أقل من سطحية وبسيطة، لماذا لا أكون مثل كثير من الناس يعيشون حياتهم بأي طريقة وكيفما اتفق، يتجنبون السياسة وإكراهاتها، يرضون بما يحدث لهم باعتباره ضربا من الرضاء بالقضاء والقدر، يحمدون الله أن بلادهم أفضل من كثير من دول أخرى مزقتها الحروب والدماء، وهم عموما قليلو الثقافة والاطلاع بما يحيط بهم، وإن أعجبتهم حكمة نشروها ورددوها حتى لو كان قائلها أفخاي أدرعي! أصلا هم لا يعرفون من يكون وغير مستعدين لبذل أي جهد لمعرفة ذلك تجنبا لوجع الرأس.


هم من النوع الذي يستمع لذلك الداعية أو المقرئ ويتابع تلك القناة ويأكل ذلك الطعام ويجلس في تلك الجهة دون أفكار مسبقة تعطل عليهم ـ حسب رأيهم ـ  نشوة الاستمتاع باللحظة القائمة.


ماذا سيحدث للعالم إن تجاهلتُ ما يدور حولي وعشت يومي آكل وأشرب وأنام؟ وفِي النهاية لا يكلف الله نفسا إلا وسعها! وعليه أقنع نفسي أن هذا هو وسعي وهذه هي استطاعتي خصوصا أن لي ظروفا مختلفة عن غيري، يمكن بسهولة أن يجد أي منا قائمة طويلة من الاستثناءات التي لا تنتهي لظروفه وبيئته وبلده وطبيعة حياته وعائلته.. الخ.


ولكن تعود فتستيقظ على حقيقة كونك إنسانا من لحم ودم ينبغي أن تشعر بأخيك الإنسان، وتميز بين الحق والباطل وترفض المنافقين والدجالين وتسعى للجودة والتحسين وتدافع بكل ما أوتي من قوة عن ذلك "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ".


الفساد الحقيقي في الأرض في تسيد الباطل وما يرافقه من جهل وسطحية وسذاجة وإمعية ونفاق للظالم، ولكن هذا لا يعني المبالغة في تصنيف الناس ورفض ما لديهم جملة واحدة بسبب موقف هنا أو تصريح هناك، ففصل الملفات مسألة ضرورية والبحث عن القاسم المشترك بيننا مسألة أكثر إلحاحا في ظل ما تعانيه أمتنا من شرذمة وانقسام.


نعيش حياتنا ونفرح لما يفرح له الناس ونحزن لما يحزنهم ونبحث عن الخير في نفوسهم، ولكن نكون على درجة عالية من الحذر بنفس الوقت من أن يكون أي منا ذلك الهامشي الطارئ على مجتمعه، الذي لا ترى له أثرا إن مر، وحياته غرائزية بل أمرّ، إن عاش لم يؤثر بأحد وإن مات لا يتأثر لموته أحد يذكر.

التعليقات (3)
عمر خليل
الأربعاء، 19-09-2018 05:16 م
اشكركم على هذه المقالات الراقية
مصري جدا
الأربعاء، 19-09-2018 02:12 م
موضوع الطرح جيد ويتسم بالعمق والبساطة في أن واحد ،،، واتصور اننا بحاجة لنتعلم كيف نعيش ونحيا في دنيا الناس بما يسعدنا ويرضى الله ،،، الحياة الطبيعية بعيدا عن اللامبالاة والسطحية واحيانا الغيبوبة ،، وبعيدا ايضا عن هوس حشر الدين فيما يخصه وما لا يخصه ،، نعم هناك امور يختص بها الدين وهناك مساحات اخرى متروكه للناس يتعاملون فيها برصيد الخبرة الانسانية ،،، من هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم في موضوع تابير النخل انتم اعلم بشؤن دنياكم ،،، لا نريد ان نكون كالذين حرموا على الناس كل شئ الفن والرياضة والقيادة ثم تحولوا 180 درجة فاحلوا ما حرموه من قبل ،، ما يؤكد ان هذه المساحة اصلا لا صلة للدين بها ،، نعيش كما يعيش الانسان السوي نفرح ونحزن ونسمع ونشاهد ونقرأ لكن بما لا يخالف منظومة القيم والاسلامية والانسانية ،، لا نقف بالمطلق عند جنس ولون ودين وفكر احد ،، لكن نقف وبقوة عند مضمون المكروح والمعروض ومدى اتفاقه او اختلافه مع منظومة القيم ميزان الحياة ،،، نريد ان نعيش ونقدم نموذجا وسطيا هادئا ،، في كل شئ
نسرين ابو قرع
الثلاثاء، 18-09-2018 07:39 م
كلام في الصميم