قضايا وآراء

مؤامرة أوسلو.. خطيئة السلطة وخطأ حماس

ماجد أبو دياك
1300x600
1300x600
لم يعترف مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 بمنظمة التحرير الفلسطينية، وتم تشكيل وفد أردني- فلسطيني مشترك شاركت فيه شخصيات فلسطينية من الداخل، مثل فيصل الحسيني وحنان عشراوي وغيرهم.

ونشأت بعد ذلك قناة تفاوض سرية شارك بها أحمد قريع ومحمود عباس وعدد من قيادات المنظمة، ليسفر ذلك في النهاية عن توقيع اتفاق أوسلو بين الرئيس الفلسطيني الراحل ورئيس الوزراء الإسرائيلي المقتول إسحاق رابين، في 13 أيلول/ سبتمبر 2013 في واشنطن.

وكانت الكارثة الأكبر في الاتفاق أنه رحّل كل القضايا الجوهرية في الصراع (القدس - اللاجئين - المستوطنات - الدولة الفلسطينية - الترتيبات الأمنية..) إلى ما يسمى مفاوضات الحل النهائي، وأعطى للفلسطينيين في المرحلة الانتقالية حكما ذاتيا في غزة وأريحا، على أن تقوم السلطة بحماية أمن الاحتلال ومطاردة المقاومين وتسليمهم للاحتلال أو تقديم معلومات عنهم!
الكارثة الأكبر في الاتفاق أنه رحّل كل القضايا الجوهرية في الصراع (القدس - اللاجئين - المستوطنات - الدولة الفلسطينية - الترتيبات الأمنية..) إلى ما يسمى مفاوضات الحل النهائي

والكارثة الثانية تمثلت بقبول القيادة الفلسطينية باعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني، دون الاعتراف بحق الفلسطينيين بتقرير مصيرهم والحصول على دولة مستقلة، ولو على 22 في المئة فقط من أرض فلسطين التاريخية في أضعف الأحوال!

تحول جذري وحصاد مر

ومثلت الكارثة الثالثة بإدانة المنظمة تاريخها النضالي عبر إدانة ما يسمى بالإرهاب وأعمال العنف الأخرى، وتعهدها بتعديل بنود الميثاق الوطني لتكريس هذا الالتزام، وهو ما تم بالفعل!

ولذلك، فإن اعتراف إسرائيل بالمنظمة جاء مفرغا من مضمونه؛ لأن هذه الأخيرة فقدت مضمونها النضالي وأساس قيامها، بل والأخطر من ذلك هو إيجاد سلطة تخدم الاحتلال أمنيا، وإدماج عشرات الآلاف من المناضلين في الأجهزة الأمنية التي كرست لخدمة الاحتلال، بعد أن كانوا يقضّون مضاجع الاحتلال بالعمليات الفدائية!!

وتجدر الإشارة إلى أن ما دفع بالمنظمة لاستعجال توقيع الاتفاق هو خوفهم من تقدم حماس لقيادة الشعب الفلسطيني، وما يشكله ذلك من خطر على القيادة ودورها.
ما دفع بالمنظمة لاستعجال توقيع الاتفاق هو خوفهم من تقدم حماس لقيادة الشعب الفلسطيني، وما يشكله ذلك من خطر على القيادة ودورها

والآن، وبعد مضي 25 عاما على الاتفاق المشؤوم، لم يحصل الفلسطينيون على شيء في سبيل الاستقلال وتكوين دولة، فقد توسع الاستيطان إلى مستويات غير مسبوقة، فيما رفض العدو عودة اللاجئين، فيما يجري الآن الترتيب لتوطينهم في المنافي التي لجأوا إليها. أما القدس، فقد تعرضت لموجة تهويد كبيرة تكللت باعتراف الولايات المتحدة بالمدينة عاصمة للاحتلال.

ولئن اعترف مهندسو أوسلو ومقاولوها الصغار بفشل هذه الاتفاقية في تحصيل حقوق يمكن الاستناد إليها للحصول على دولة مستقلة ذات سيادة، فإن هذا الاعتراف جاء متأخرا مع أنهم لم يتوقفوا للحظة واحدة عن التنسيق الأمني مع الاحتلال، فتحولت السلطة إلى وكيل للاحتلال في الأراضي الفلسطينية، وقسمت الشارع الفلسطيني ومنعت أي توحد على برنامج وطني فلسطيني قائم على المقاومة.

خطأ حماس

وفي إطار أوسلو وليس بعيدا عنه، شاركت حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006، وحصلت على نسبة أهلتها لتشكيل حكومة للسلطة دفعت بإسرائيل والغرب إلى رفضها وحصارها، وما لبث ذلك أن تحول إلى محاولة انقلابية قام بها محمد دحلان؛ دفعت بحماس إلى طرده من غزة بالقوة، بعد أن أجهضت انقلابه لينشأ بعدها كيانين فلسطينيين في غزة والضفة.

واعتقدت حماس أنها ستقود تغييرا في برنامج السلطة التي أنشئت من أجله (خدمة الاحتلال)، ولكن ذلك لم ينجح.

وقادت حماس غزة لوحدها وقاومت العدو، فيما تآمرت السلطة عليها طمعا في هزيمتها أمام حروب الاحتلال في 2008 و2012 و2014. ولكن الحركة صمدت أمام العدو وسطرت ملاحم بطولية مبهرة، ودفع ذلك السلطة الفلسطينية بزعامة محمود عباس إلى محاصرة غزة وتضييق الخناق عليها، في ظل فشل المصالحة الفلسطينية التي لم يردها عباس إلا مدخلا لتركيع حماس وإرضاء الإسرائيليين.

ولم تسفر مشاركة حماس في السلطة إلا لمزيد من الحصار والحروب التي أنهكتها، وأدت إلى معاناة شديدة لسكان القطاع بسبب حصار إسرائيل ومصر والسلطة. ورغم تنازل حماس عن حكم غزة، إلا أن مطمح عباس كان ولا يزال هو تجريدها من السلاح وإلحاق غزة بسلطة التنسيق الأمني، كي يعتمده الإسرائيليين كزعيم فلسطيني قادر على قيادة الفلسطينيين في عملية السلام الموهومة التي لم تأت بشيء حتى الآن.
لم تسفر مشاركة حماس في السلطة إلا لمزيد من الحصار والحروب التي أنهكتها، وأدت إلى معاناة شديدة لسكان القطاع بسبب حصار إسرائيل ومصر والسلطة

يرى كثيرون أن حماس كان يجدر بها العمل خارج السلطة وقيادة حراك وطني وشعبي ضد اتفاق أوسلو وتبعاته، لا أن تكون ترسا في عملية فاشلة، ولكن البعض يرى أن حكم غزة مكنها من تشكيل حالة مقاومة ترفع من سوية الشعب وتقوده نحو التحرر والاستقلال، وذلك رغم مؤامرات دول عربية والسلطة عليها بهدف إنهاك الشعب بالحصار.

وتحاول حماس تشكيل حالة نهوض فلسطينية جديدة بإشراك جماهير غزة في المسيرات الشعبية نحو الحدود مع الاحتلال، وهو ما دفع الاحتلال لطلب هدنة يتم التفاوض عليها الآن.

المؤامرة لم تكتمل

وهكذا شكل أوسلو مؤامرة على حقوق الشعب وتطلعاته، ومحاولة لقطع الطريق على مقاومته الباسلة وإخراج مواضيع القدس واللاجئين والاستيطان من الاتفاق، إلا أنه وصل لطريق مسدود بسبب تعنت الاحتلال.

إضافة لذلك، لا تزال قضية القدس بوصلة للشعب والأمة، تشهد عليها الهبات المتتالية ضد محاولات العدو تهويدها. وكذلك يرفض الفلسطينيون مشاريع التوطين ويتمسكون بحقهم في العودة، فضلا عن إيمانهم الراسخ بحقهم في مقاومة المحتلين الغزاة بكل ما أوتوا من قوة.

وفيما تعاني السلطة من حالة انهيار في ظل مرحلة دونالد ترمب التي تحاول فيها تمرير ما يسمى بصفقة القرن، فإن ذلك لا يشكل نهاية المطاف ولا مرحلة هزيمة للشعب الفلسطيني الذي سيظل شوكة في حلق المحتلين في غزة والضفة.
التعليقات (0)