كتاب عربي 21

كرامة المواطن أساس سيادة الوطن

طارق أوشن
1300x600
1300x600
لم يكن مستغربا أن يقول صالح الجسمي إن أساس السفر إلى مدينة مراكش المغربية هو "الكازينوهات المنتشرة للعب القمار والسهرات الماجنة والفتيات والدعارة"، قبل أن يضيف مخاطبا المغاربة: "أنتم من سمحتم بذلك في بلادكم وبعدها تقبضون على الرجل (يعني المغني عيضة المنهالي) للتشهير به والشماتة فيه". 

كما لم يكن مستغربا أن ينشر عيضة المنهالي صورته واضعا رجلا على رجل في الطائرة الخاصة التي أقلته من المغرب، بعد الإفراج عنه على إثر قرار متابعته في حالة سراح، وعليها عبارة "تم الوصول لدار زايد" وصورة أخرى للطائرة الخاصة وعليها علم دولته الإمارات مرفوقة بعبارة "يبقى علمها فوق ما ينوصله". فللاثنين الحق في التمادي في تمريغ سمعة مدينة بحجم مراكش التاريخية وأهلها، لأن واقع الحال يقول إنه لا كرامة لشعب في بلد تناسى أن كرامة المواطن أساس سيادة الوطن.

قرارات مُكلّفة

قبل أسابيع صرح الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية أن قرار إغلاق جمارك مدينة مليلية، المحتلة بالمناسبة من الجار الإسباني، "قرار سيادي" اتخذه المغرب لإنعاش ميناء الناظور الجديد. لم تستسغ الحكومة المحلية هناك القرار المغربي مطالبة من الحكومة المركزية التدخل بالنظر إلى الخسائر المادية التي يلحقها القرار باقتصاد المدينة. لم يهتم هؤلاء بالضرر الواقع على الاقتصاد المغربي جراء تهريب السلع من الجيب المحتل فقد تعودوا على إهانة المهربين والمهربات وإهدار كرامتهم فوق إلحاق الخسائر بالاقتصاد الوطني دون أدنى احتجاج أو اتفاقية تحفظ كرامة ممتهني "التهريب المعيشي". الغريب في الأمر أن الطرف المغربي يدفع بتبرير السيادة وهو يشهد يوميا على امتهان كرامة أبنائه متناسيا مرة أخرى أن كرامة المواطن أساس سيادة الوطن.

الإحساس بالكرامة أساس اللحمة الداخلية الكفيلة وحدها بحفظ السيادة في مواجهة أية ضغوط أو اعتداءات. 

في الصحراء، حيث يعيش جزء من المغاربة على واقع هدر للحقوق أدى في مرحلة تاريخية إلى إعلان الانفصال حلا وحيدا للانعتاق، تتوالى زيارات الوفود الأجنبية لتبين حقيقة احترام الدولة حقوق مواطنيها الأساسية وكأننا مجرد "مستعمَرة" في حاجة لشهادة حسن سيرة وسلوك. وفي الشمال، حيث ووجهت احتجاجات اجتماعية بشبهة السعي للانفصال، لم تتوانى هولندا في إشهار تقارير تشكك في صدقية الرواية المغربية وفي عدالة الأحكام التي صدرت على المتظاهرين. 

لم يجد المغرب غير الاحتجاج مرتين دون قدرة على التأثير، فالقرار في نظره "تدخل سافر في السيادة المغربية وإقحاما غير مبرر لهولندا في الشؤون الداخلية والقضائية للمملكة، وهو محق في ذلك لا ريب. تناسى المغرب مرة أخرى أن كرامة المواطن أساس سيادة الوطن.

مواقف مُهينة

في العام 2014، أعربت الحكومة المغربية عن استنكارها، بشدة، الكلمات الجارحة والعبارات المهينة، المنسوبة لسفير فرنسا بواشنطن فرانسوا دولاتر، الذي شبه المغرب بـ "العشيقة التي نجامعها كل ليلة، رغم أننا لسنا بالضرورة مغرمين بها، لكننا ملزمون بالدفاع عنها". 

كانت تلك التصريحات المنسوبة للسفير الفرنسي ملخصة للنظرة الاستعمارية الفرنسية لمستعمرة استقلت عن حكمها المباشر وظلت خاضعة لها على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية دون قدرة على استكمال السيادة والدفاع عنها. في نفس السنة تعرض وزير الخارجية المغربي للتفتيش بطريقة "مهينة" بمطار شارل ديغول واكتفى المغرب باعتذار من نظيره الفرنسي. 

السيادة الوطنية لا تفعل إلا في حالات خاصة لدرجة اتخاذ قرارات توقيف التعاون الأمني والقضائي بين البلدين، كما في حالة حضور سبعة من أفراد الأمن الفرنسي إلى سفارة المغرب بباريس لتبليغ عبد اللطيف الحموشي، مدير إدارة مراقبة التراب الوطني وقتها، استدعاءه للاستماع اليه في شكاوى تزعم ممارسة التعذيب في مقرات المخابرات المغربية رفعها مواطنون مزدوجو الجنسية. سنة كاملة من القطيعة تخللتها مناوشات أنهتها الهجمات الإرهابية التي هزت باريس واستطاعت المخابرات المغربية، بقيادة الحموشي، فك شفرتها باعتراف الفرنسيين.

وقبل أيام تعاود فرنسا المناوشة عبر استدعاء صحفيين مغاربة، دون احترام الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، للمثول أمام قضائه في قضية سب وقذف رفعها مصطفى أديب، الضابط المغربي اللاجئ بباريس، على خلفية مقالات اعتبرها مسيئة. الغريب في الموضوع أن الإستدعاء طال الرجل الثالث في هرم الدولة، رئيس البرلمان باعتباره مديرا لإحدى الصحف المتهمة في القضية وإن لم يكن مديرا لها وقت نشر المقالات. هنا قفز مصطلح خرق السيادة مجددا وتصدر العناوين، وما كان له أن يتصدر لولا ارتباط القضية بالمؤسسة العسكرية والأمنية.

مصطفى أديب ضابط سابق في سلاح الجو تم تجريده من انتمائه العسكري على خلفية ما يعتبره ضريبة لمواجهته للفساد قبل أن يستقر به المقام بباريس لاجئا.  بدأت القصة بزيارة، اعتبرت مهينة، قام بها مصطفى أديب لغرفة الجنرال عبد العزيز بناني بمستشفى فال دوغراس الفرنسي، حيث سلم عائلته باقة ورد "رخيص" وترك له رسالة اتهام بـ "الفساد وقتل الأبرياء"، وهو ما اعتبر "اعتداء معنويا" على الرجل واستدعى تدخل فرنسا للملمة الموضوع. لكن القضاء الفرنسي كان له رأي آخر على ما يبدو لدرجة خرق اتفاقية وقعها الرئيس هولاند شخصيا وتقتضي المرور عبر القنوات الديبلوماسية في حال الحاجة إلى الاستماع لمغاربة في قضايا مرفوعة بالتراب الفرنسي.

لا يمكن للمواطن المغربي إلا أن يصفق للموقف المغربي، لكن الدولة مطالبة بإعطاء المثل في احترام الحقوق الأساسية للمواطنين صحفيين كانوا أو غير صحفيين، وأن تساوي في التعامل بين الصحافة الموالية التي تنطق بلسان الدولة ومن يعارضها على صفحات الجرائد وشاشات الأخبار.

كرامة المواطن أساس سيادة الوطن. وما دون ذلك مجرد أضغاث أحلام وحق يراد به باطل فلا سيادة في بلد تهدر فيه كرامة المواطنين والمؤسسات.
التعليقات (0)