قضايا وآراء

قراءة في تهاوي البورصة المصرية

أحمد ذكر الله
1300x600
1300x600
عاش المستثمرون في البورصة المصرية حالة من الذعر بعد تهاوي المؤشر الرئيسي الأربعاء الماضي (19 أيلول/ سبتمبر 2018) بنسبة 3.79 في المئة، ليصل إلى 14098 نقطة، وهو أدنى مستوى للمؤشر منذ كانون الثاني/ يناير الماضي، وفقد رأس المال السوقي نحو 29.3 مليار جنيه ليصل إلى 785.649 مليار جنيه، وبهذا تكون البورصة قد فقدت نحو 90 مليار جنيه منذ بداية الشهر الجاري.

ويأتي هذا التهاوي بعد أشهر عديدة من الازدهار عاشتها البورصة في أعقاب قرار تعويم الجنيه بنهاية عام 2016، وهو ما أدى إلى انخفاض قيمة الأسهم المصرية المقومة بالجنيه مقارنة بالدولار، فضخ المستثمرون المحليون والعرب والأجانب أموالا دفعت المؤشر الرئيسي إلى تحقيق قمم تاريخية تجاوزت 18000 نقطة، ورفعت رأس المال السوقي إلى ما يزيد عن تريليون جنيه في جلسة تداول 25 نيسان/ أبريل الماضي.

ولم يكن التهاوي خلال الشهر الماضي الأول من نوعه، فقد سبقه أداء متراجع بدأ من منتصف نيسان/ أبريل الماضي، تراجع فيه أداء البورصة المصرية بصفة عامة، وان كان بصورة متدرجة ولكنها لافتة.

ويوضح الشكل التالي أداء البورصة المصرية خلال الستة أشهر الأخيرة، وذلك كما يلي:

 
(المصدر: نقلا عن التقرير النصف سنوي للبورصة المصرية)

ويوضح الشكل السابق الانخفاضات المتتالية للمؤشر الرئيسي للبورصة خلال الأشهر الستة الأخيرة وحتى 12 أيلول/ سبتمبر 2018، أي قبل أسبوع من الانخفاضات الحادة الحالية، حيث تكشف البيانات التاريخية للبورصة المصرية الخسائر الضخمة التي ضربت رأس المال السوقي للشركات المقيدة خلال تعاملات الشهور الخمسة الأخيرة، والتي قدرت بنحو 220 مليار جنيه (تقترب من ربع القيمة الإجمالية).

ووفقا للبيانات، شهدت المؤشرات تراجعات جماعية، خلال الفترة المذكورة، إذ هبط مؤشر "egx30" الرئيسي من مستوى 18363 إلى 14083 نقطة، فاقدا 4280 نقطة، بنسبة تراجع قدرها 30.4 في المئة.

وتوجد العديد من العوامل الاقتصادية والسياسية التي يمكن أن تساهم في تفسير أسباب التراجع بصفة عامة، والتهاوي الأخير على وجه الخصوص، ويمكن بيان أهم هذه العوامل في السطور التالية:

أولا: العوامل الداخلية:

يسوق المراقبون مجموعة من العوامل الداخلية الرئيسية التي سببت التهاوي الأخير في البورصة المصرية، ويمكن بيان هذه العوامل كما يلي:

1- مصادرة أموال جماعة الإخوان المسلمين (موجة تأميم):

قررت لجنة التحفظ والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإسلامية في اجتماعها الأخير استمرار التحفظ على ممتلكات وأموال 1589 فردا ينتمون إلى جماعة الإخوان، ومصادرة أموالهم إلى الخزانة العامة، بينما تمت إحالة باقي الأسماء إلى لجنة الفحص، وطلب تحريات تكميلية عنها، فضلا عن التحفظ على 118 شركة متنوعة النشاط، و1133 جمعية أهلية، و104 مدارس، و69 مستشفى، و33 موقعا الكترونيا وقناة فضائية.

واستندت اللجنة إلى نص المادة رقم 11 من قانون رقم 22 لسنة 2018، والتي نصت على "مع مراعاة حقوق الغير حسن النية يكون للجنة متى صار حكم التحفظ نهائيا التصرف في الأموال محل التحفظ على النحو المبين في القانون المدني والمرافعات المدنية والتجارية، متى كان منطوق الحكم قد نص على التصرف في المال، وذلك بنقل ملكيته إلى جانب الخزانة العامة، بناء على طلب اللجنة من المحكمة المختصة التصرف في المال".

اعتبر الكثيرون أن السلطات في مصر تطارد رؤوسَ أموال مواطنين وشركات مملوكة لمعارضين لها سياسيا، وذلك عن طريق تأميم الممتلكات المصريين بعد غياب منذ أكثر من نصف قرن رغم مخالفتها الدستور والقانون.

ولا شك أن تأميم الممتلكات يثير الفزع بين المستثمرين المصريين والأجانب ويدفع إلى نقل الأموال إلى دول أكثر أمانا، خاصة في حال عدم القدرة على التبرير القانوني للمصادرة، وأنه خضع لقانون حديث أصدر في نفس العام، وفي ظل متابعة عالمية لانتهاكات متعددة بحق المعارضة.

وتجب الإشارة في هذا السياق إلى أن قصة التحفظ على أموال الإخوان بدأت بقضية تمويل الجماعة رقم 653 لسنة 2014 - حصر أمن دولة عليا، تبعها تشكيل لجنة أولى للتحفظ وصفت بالبطلان، ثم سن قانون الكيانات الإرهابية، وتبعته اللجنة الجديدة ثم قرار المصادرة.

إذن، فملاحقة أموال الإخوان بدأت من عام 2104 وليس الآن، والقانون واللجنة الممهدين للتحفظ والمصادرة منذ ثلاثة أشهر تقريبا، ويمكن بذلك القول إن الوزن النسبي لهذا العامل على التهاوي الأخير في البورصة ضعيف إلى حد كبير.

2- القبض على علاء وجمال مبارك:


قررت محكمة مصرية السبت (15 أيلول/ سبتمبر 2018) حبس علاء وجمال مبارك، نجلي الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وخمسة آخرين من بينهم ياسر الملواني، رئيس مجلس إدارة المجموعة المالية "هيرميس" القابضة، وحسن هيكل، نجل الكاتب الصحافي المعروف محمد حسنين هيكل، العضو السابق في مجلس الإدارة، وأحمد نعيم أحمد بدر، عضو مجلس إدارة شركة النعيم القابضة للاستثمارات المالية، وأيمن أحمد فتحي حسين، رئيس مجلس إدارة البنك الوطني للتنمية، وشقيقة أحمد حسين، المؤسس لشركة سكاي القابضة للاستثمار في مركز دبي المالي العالمي.

ولا شك أن الأسماء السابقة لرجال أعمال من الوزن الثقيل خاصة في القطاع المالي، وأن عملية إعادة القبض عليهم ومحاكمتهم تشكل تهديدا لقائمة كبيرة من رجال الحزب الوطني السابق، والذين تضررت مصالحهم فعليا من جراء تغول المؤسسة العسكرية على معظم الأعمال المدنية، مما جعل البعض يرجع التهاوي الأخير في البورصة إلى القبض على هؤلاء وتأثير من حولهم.

وتجدر الملاحظة هنا إلى أنه بالفعل لهؤلاء الرجال ولمن خلفهم حيثيات اقتصادية وعلاقات تشابكية لا يمكن تجاهلها، ولكن السؤال الواجب: هل يجرؤ هؤلاء الآن، وبعد تخطي النظام لكل الخطوط الحمراء في القتل والسجن والترويع والإبعاد والتحفظ على الأموال والمصادرة - حتى لكبار القيادات السابقة في القوات المسلحة - أن يتحدوا النظام؟ وما هي قدراتهم المالية والاستثمارية للتأثير في البورصة، خاصة أن البورصة فقدت ما يعادل 200 مليار جنيه في الثلاثة أشهر الأخيرة؟ وكذلك أما كان أسلوب التراجع التدريجي أكثر أمانا في مواجهة النظام الحالي بدلا من المواجهة المكشوفة والتي قد تحمل مخاطر وجودية لهم، خاصة أن جزءا من الكعكة الاقتصادية المصرية لا تزال بأيديهم؟ وأخيرا، فكما تظهر البيانات التاريخية للبورصة المصرية السابق الإشارة إليها أن النزيف لم يبدأ الأسبوع الماضي وإنما كان عبر ما يتعدى خمسة أشهر، كان المقبوض عليهم خلالها طلقاء يمارسون أنشطتهم الاقتصادية بأريحية تامة.

ويري الباحث أن رجال مبارك يعرفون أن من مصلحتهم عدم المواجهة المكشوفة والحادة مع النظام، وأن باستطاعتهم التماهي حول شكل الإدارة الجديد، ولا يزال بإمكانهم جني أرباح كبيرة حتى في ظل التغول الاقتصادي للمؤسسة العسكرية، وأن لديهم من الأصول الثابتة والمنقولة ما يخافون عليها من سيناريو التحفظ والمصادرة.

ويجب التنويه كذلك إلى أنه بافتراض حدوث بعض التحسن في أداء البورصة خلال الأيام المقبلة، فذلك يدخل في إطار الارتداد الطبيعي الذي يحدث بعد الانهيارات الكبرى، وليس له علاقة بالإفراج عن المتهمين بقدر ما يشير إلى مراحل جني الأرباح العادية، بل ولعدم وجود أسباب منطقية للتهاوي من الأساس.

ولذلك، فإنه يمكن القول أن الوزن النسبي لهذا العامل على التهاوي الأخير للبورصة قد يبدو ضعيفا ولا يؤدي إلى مثل هذه الانهيارات الضخمة، والتي بدأت بالفعل قبل وجوده بأشهر.

3- تسريح الإعلاميين الموالين للنظام:

دأب نظام السيسي عبر عدة سنوات السيطرة على المنابر الإعلامية، وبات شائعا الآن هيمنة المخابرات على الفضائيات والصحف والمواقع، فشركة "دي ميديا" التي أطلقت قنوات "دي إم سي"، هي ملك للمخابرات الحربية ويظهر بعقد التأسيس اسم اللواء عباس كامل، مدير مكتب السيسي ومدير المخابرات الحالي، وشركة "إيجل كابيتال" تابعة للمخابرات، وهي التي تملكت مؤخرا شركة "إعلام المصريين" بكل ما تتملكه هذه الأخيرة من قنوات وصحف وشركات إعلامية (17 شركة وقناة)، عَلى رأسها شبكتا "أون" و"سي بي سي"، كما أن شركة "فالكون" للخدمات والأمن التي يرأسها ضابط المخابرات الحربية اللواء شريف خالد، تتبعها شركتان إعلاميتان هما "تواصل" و"هوم ميديا" واللتين تتملكان قنوات "الحياة" و"العاصمة" وراديو "دي آر إن".

تبقي فقط شبكة دريم المملوكة لرجل الأعمال أحمد بهجت، والمتعثرة ماليا، وظهر المالك مؤخرا في أحد البرامج، موضحا أنه سيستجيب للضغوط التي تمارس على القناة من الجهات الأمنية، وكذلك القاهرة والناس المملوكة لرجل الأعمال طارق نور، ومؤخرا استحوذت المخابرات على حصة رجل الأعمال نجيب ساويرس المقدرة بثلث إجمالي أسهم صحيفة "المصري اليوم"، ثم فرض تغيير رئيس تحريرها، على خلفية نشر الصحيفة عنوانا عن حشد الدولة للناخبين للمشاركة في انتخابات الرئاسة الأخيرة.

وبعد تملك كل وسائل الإعلام تقريبا، تم استبعاد بعض من أهم عناصر الصف الأول من الإعلاميين الذين استخدمهم النظام في تكريس السلطة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن هؤلاء لم يتم إقصاؤهم دفعة واحدة، وإنما كان عبر مرات عدة، ولسقطات تم تسويقها كمبرر للإقصاء، وإن كان ما يحدث في الشهرين الأخيرين هو الأكثر قسوة وعددا، في ظل غياب المبررات والسقطات. ولكن يبقى السؤال: هل لهؤلاء الإعلاميين القدرة على التأثير في وضع سوق المال المصرية بكل مستثمريها المصريين والعرب والأجانب.

ويري الباحث أن الوزن النسبي لهذا العامل في تهاوي البورصة المصرية هو الأضعف على الإطلاق من بين العوامل الداخلية السابق ذكرها.

4- تهيئة المسرح للطروحات الحكومية الجديدة:


صدر الإعلان الأول عن هذا البرنامج في كانون الثاني/ يناير 2016 من جانب الحكومة المصرية، والآن تقول الحكومة إنها قررت مباشرة الخطوات التنفيذية، وستبدأ بطرح حصص من خمس شركات كشفت عن أسمائها يوم الثلاثاء 17 تموز/ يوليو 2018.

واللافت أن كل الشركات المطروحة تسد فجوة في الاستهلاك المحلي في مجال نشاطها، وحققت أرباحا العام الماضي، بل وزادت أرباحها خلال النصف الأول من العام الحالي، وضمت قائمة الشركات كلا من شركة أبوقير للأسمدة والإسكندرية لتداول الحاويات والشرقية للدخان (إيسترن كومباني) والإسكندرية للزيوت المعدنية (أموك)، وشركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير.

ومن الملفت كذلك تأجيل الطرح لأكثر من مرة سابقة والذي كان مقررا أن يبدأ في منتصف 2017 على أقصى تقدير، وكانت الانتخابات الرئاسية وتأثيرها على أسعار الأسهم هو مبرر التأجيل آنذاك.

وفي آذار/ مارس 2108 أعلنت وزارة المالية على لسان أحمد كجوك، نائب الوزير، عزمها طرح الجدول الزمني في الأسبوع الأول من آذار/ مارس، وتم التأجيل الذي بررته الحكومة بأنه ضرورة لزيادة التدقيق في تفاصيل الطرح، وإنهاء بعض الإجراءات الإدارية، وكذلك إلى نقاط أخرى؛ أبرزها ضمان وجود ثلاث ميزانيات رابحة، وهيكلة الشركات ماليا، وإنهاء ملف ديون الشركات المرحلة، وحسن استغلال الأصول المتاحة بعد الانتهاء من حصرها، وهي نفس النقاط التي كان يسوقها أشرف الشرقاوي وزير قطاع الأعمال العام السابق ورفضتها الحكومة وتسببت في إقالته.

وفي نفس الشهر خرجت أصوات من مجلس الوزراء المصري تقول بخطأ التأجيل، خاصة مع وصول أسعار الأسهم لمستويات قياسية، وأن التأجيل قد يعرض الأسعار لخطر التراجع، ورغم ذلك لم تتم عملية الطرح.

يرى كثيرون أن تهاوي البورصة المصرية طيلة الخمسة أشهر الماضية بعد صعود تاريخي اقترب من 18 شهرا متتاليا، ليس له أسباب منطقية، وأن انخفاض ضخ السيولة في السوق المحلية متعمد لإحداث حالة من التراجع الممنهج استعدادا للطروحات الحكومية الجديدة، خاصة أن كل الشركات المزمع طرحها شركات رابحة.

ويرى المروجون لذلك أن صانعي السوق ودوائرهم التنفيذية، اختلقوا حالة نقص السيولة والتراجع غير المبرر خلال الفترة الماضية، وأن تراجع السوق خالف ما تشير إليه معظم التقارير بشأن تحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي، خاصة فيما يخص تراجع التضخم وتحسن معدلات النمو، وهي الحالة التي كان من المفترض أن تسبب تحسن البورصة ليس تراجعها.

كما يشير هؤلاء أن صناع السوق لم يكونوا ليقبلوا أبدا بالأسعار المرتفعة كقيم عادلة لشراء الأسهم المطروحة، وأن مصلحتهم استمرار التراجع المفتعل ليشتروا الأسهم عند سعر أقل من الأسعار السوقية، خاصة في ظل أن عملية تقييم السهم لن تجري وفق تقييم مسبق من بيوت خبرة دولية كما هو المفترض، والذي فنده تصريح وزير قطاع الأعمال العام والذي أكد أن التسعير في عملية طرح حصص في خمس شركات حكومية بالبورصة، تزيد أو تنقص 10 في المئة من سعر السوق، وفقا لما نقلته وكالة رويترز.

ويؤكد هؤلاء أن لجوء صناع السوق إلى التهاوي الضخم على صورة صدمة قوية داخل إطار عام من التراجع يبعد شبهات التلاعب، خاصة في ظل تزامن التهاوي مع مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية التي تمثل غطاء ومبرا لحدوثه، بل ويزيد هؤلاء أن القبض على جمال وعلاء مبارك ما هو إلا قنبلة دخان للتغطية على ما يقومون به من التسبب في خفض الأسعار، وجاء الإفراج السريع عن المتهمين عبر أسرع استجابة لرد محكمة في التاريخ القضائي ليدعم كثيرا وجهات النظر السابقة.

ويري الباحث أن هذا العامل من العوامل الهامة التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار، وتأخذ وزنا نسبيا مرتفعا في التأثير على التهاوي الأخير، وتدعمه السوابق التاريخية في عملية الخصخصة، بل ويدعمه أسلوب الخصخصة الجديد عن طريق الطرح في البورصة، والذي يكفي الحكومة شرور البرنامج السابق سيئ السمعة، وكذلك التساؤلات الشائكة حول عمليات تقييم الأصول، ومستقبل العمالة في هذه الشركات، ولماذا البيع من الأساس، وغيرها من التساؤلات.

ثانيا: العوامل الخارجية:

يبرز المحللون مجموعة من العوامل الخارجية التي أسهمت بدرجات متفاوتة في تهاوي البورصة في جلسات الأسبوع الحالي، ولعل أبرزها ما يلي:

1- مزيد من الاشتعال للحرب التجارية أمريكية الصينية:


أعلنت الصين الثلاثاء (18 أيلول/ سبتمبر2018)، عن فرض رسوم جمركية جديدة على سلع أمريكية بقيمة 60 مليار دولار، ردا على أحدث تعريفات جمركية فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الواردات الصينية. وقالت وزارة التجارة الصينية إن "التعريفات الجديدة ستتراوح نسبتها ما بين 5 في المئة و10 في المئة، اعتمادا على نوع المنتج وستدخل حيز التنفيذ في 24 أيلول/ سبتمبر الجاري.

ويأتي هذا الإجراء الصيني بعد يوم واحد من إعلان ترامب، فرض رسوم نسبتها 10 في المئة على واردات صينية بقيمة 200 مليار دولار إلى الولايات المتحدة.

ويرى المراقبون أن رحى الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية لن تقتصر أضرارها على الدولتين فقط، وإنما ستمتد إلى باقي العالم، خاصة في ظل إصرار ترامب على تقويض نظام التجارة العالمي الحالي، ودخوله في سجالات تجارية وتهديدات على جبهات متعددة، من بينها دول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها ألمانيا، ومن ورائها تركيا في أزمة القس الأمريكي الشهيرة.

ويعزو البعض تهاوي البورصة المصرية إلى هذه الحرب التجارية وإلى القرارات الأخيرة من الصين والولايات المتحدة، وإلى حالة القلق والترقب العالمي للنتائج السلبية للتجاذبات ما بين العملاقين، والتي من شأنها أن تقلل معدل نمو حركة التجارة الدولية طبقا لتأكيدات منظمة التجارة العالمية، وهو ما يؤثر سلبا على حركة المرور وبالتالي العوائد في قناة السويس.

وتجدر هنا الإشارة إلى أن حجم التشابك بين الاقتصاد المصري والعالمي ليس بالكبير، في جانبي الصادرات والواردات، وبالتالي فإن مصر بحجم اقتصادها شديد المحدودية - مقارنة بالاقتصادات العالمية الكبرى والمتوسطة - وحجم صادراتها الضئيل ووارداتها التي تبدو محدودة والمتقلصة بفعل رفع الجمارك لأربع مرات متتالية، وتعويم الجنيه، وارتفاع معدلات التضخم، خاصة بالنسبة للسلع الاستهلاكية الأساسية لا تنعكس عليها المتغيرات العالمية بشدة، ولا بهذا التأثير المبالغ فيه كما حدث في البورصة.

كذلك مما تجدر الإشارة إليه، أأن الحرب التجارية بدأت فعليا في 22 آذار/ مارس 2018 حينما وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مذكرة تنفيذية لفرض رسوم جمركية على الصين بسبب ما وصفه بممارساتها التجارية غير العادلة، وبموجب هذه المذكرة فرضت السلطات الأمريكية رسوما جمركية بنسبة 25 في المئة على قائمة بنحو 1300 منتج صيني. لماذا استمر التقدم التاريخي للبورصة المصرية حتى بداية أيار/ مايو الماضي وتحطيمها لكل الأرقام القياسية، رغم استمرار السجال الأمريكي الصيني وارتفاع حدته؟

يرى الباحث استنتاجا من كل ما سبق، أن الوزن النسبي للحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة في التهاوي الأخير للبورصة المصرية ضعيف.

2- ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية:

أعلن مجلس الاحتياطي الاتحادي (الفيدرالي الأمريكي) نهاية آذار/ مارس الماضي، رفع أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس. وقال الفيدرالي الأمريكي، في بيان على موقعه، إنه رفع معدل الفائدة الأساسي إلى نطاق يتراوح بين 1.5 في المئة إلى 1.75 في المئة. وفي بيان لاحق أشار الفيدرالي الأمريكي إلى أنه ما يزال يدعم المسار التدريجي لرفع الفائدة هذا العام، ويتوقع رفع أسعار الفائدة ثلاث مرات إضافية في العام الجاري، بدلا من تقديراته السابقة برفعها مرّتين فقط، كما توقّع أن تسجل الفائدة 2.9 في المئة في 2019، مقابل 2.7 في المئة في تقديراته السابقة، على أن تقترب من 3.4 في المئة بنهاية 2020.

وفي الحالة المصرية ارتفاع سعر الفائدة الأمريكية له الكثير من المضار، أهمها نزوح الأموال إلى الخارج بحثا عن الملاذ الآمن، خاصة لو كان في الموطن الأصلي للدولار والمرتفع فيه سعر الفائدة، وهو ما دفع المحللين إلى تبرير التهاوي الأخير في البورصة بارتفاع أسعار الفائدة والدولار الأمريكي.

ولكن تجدر الإشارة إلى أن الارتفاع في أسعار الفائدة ودولار الأمريكي بدأ برفع الفيدرالي معدل الفائدة مرتين متتاليتين في عام 2017، وبدأ مسارا صعوديا من آذار/ مارس 2018، وهو ما يعني مرور أكثر من خمسة أشهر على هذه القرارات، مما يشير بوضوح إلى ضعف تأثير هذا العامل على التهاوي الأخير للبورصة المصرية، وإن كان ذا دلالة أكثر معنوية في تبرير نزوح الاستثمارات في أدوات الدين المحلية نحو أسواق بديلة.

3- الأزمة المالية السعودية:

في بداية نيسان/ أبريل الماضي، قالت مصادر مصرفية إن السعودية أغلقت قرضا مجمعا قيمته 16 مليار دولار لإعادة تمويل تسهيل ائتماني بعشرة مليارات دولار موقع في 2016. وتضم الصفقة قرضا بقيمة 8.35 مليارات دولار، وتمويلا بنظام المرابحة بقيمة 7.65 مليارات دولار.

بدأت الحكومة السعودية الاستدانة من الأسواق الدولية من خلال قروض وسندات قبل عامين، من أجل تعويض ما فقدته خزائنها بسبب انهيار أسعار النفط، وسداد عجز الموازنة العامة البالغ 56 مليار دولار، وتراكمات الدين العام البالغة 117 مليار دولار.

كما ألغت السعودية في نهاية آب/ أغسطس الماضي الطرح المحلي والعالمي لشركة النفط العملاقة "أرامكو" في البورصات العالمية، والمعول عليه لبناء اقتصاد صعودي متنوع.

القروض والطرح لأصل عام في البورصة يشيران لأزمة تمر بها المملكة، نتج عنها رفع الأسعار، وأعباء كثيرة على الوافدين، تسببت في عودة الكثير منهم إلى بلدانهم.

ولا شك أن الاقتصاد المصري سيتأثر بأي أزمة اقتصادية سعودية، لا سيما في اعتماد النظام المصري على الداعم السعودي كمساند خاصة على المستوي الاقتصادي - الاستثماري والمعونات - وكذلك في ظل وجود أكثر من مليوني عامل مصري في المملكة.

لا يمكن تجاهل المساندة الاقتصادية السعودية للنظام الحالي في مصر، ولا أهمية المملكة في استيعاب عدد ضخم من العمالة المصرية، ولكن من الصعب القول إن البورصة المصرية تهاوت بفعل مشاكل اقتصادية تتعرض لها المملكة، خاصة أن المساعدات السعودية لمصر ما زالت تتدفق، والتزاماتها بتوريد النفط عبر شركة أرامكو لم تتغير حتى اللحظة.

ولذلك، يرى الباحث أن الوزن النسبي لهذا العامل على تهاوي البورصة المصرية يمكن اعتباره ضعيفا للغاية.

4- اضطرابات الأسواق الناشئة:

الأسواق الناشئة أو الدول الناشئة، هي تلك الدول التي تمتلك بعض خصائص الدول المتقدمة ولكن لا تتوافق مع جميع معاييرها. وتتمتع شعوب تلك الدول بدخول منخفضة أو متوسطة، وتشكل حوالي 80 في المئة من سكان العالم وحوالي 20 في المئة من اقتصادات العالم.

وتعاني الكثير من الأسواق الناشئة خلال الفترة الماضية من تقلبات اقتصادية عنيفة، وتأتي على رأسها الأرجنتين والتي اضطرت لرفع أسعار الفائدة بنهاية آب/ أغسطس الماضي إلى 60 في المئة في أعقاب مواصلة العملة المحلية خسائر مروعة.

جاءت الأزمة في الأرجنتين بعد هزات في عدة أسواق ناشئة الأخرى، اهتزت بشدة في الشهر الماضي، حيث حدث تحطم مماثل في تركيا حين انخفضت الليرة بنسبة 4.4 في المئة، وتدخل المركزي التركي على أثرها برفع سعر الفائدة 6.5 في المئة دفعة واحدة، ولم يستمر التأثير الإيجابي للقرار سوى بضعة أيام، ولم تلبث الليرة إلا أن عاودت الانخفاض مرة أخرى.

كما سجلت العملات في المكسيك وجنوب أفريقيا خسائر أيضا، في حين تدخل البنك المركزي البرازيلي لدعم الودائع مع مزادات مبادلة إضافية.

بالطبع، اضطرابات الأسواق الناشئة ورفع أسعار فوائدها لها تأثيرات سلبية على مصر، ومن أهمها نزوح الأموال الساخنة المستثمرة في أدوات الدين العام إلى الخارج طمعا في أسعار الفائدة المرتفعة في أسواق أخرى.

بالفعل، وطبقا للتصريح الأخير لوزارة المالية المصرية، فقد خرج من مصر 6.1 مليار دولار في خلال الأربعة أشهر الأخيرة، وهو ما دفع المراقبين إلى اعتبار اضطرابات الأسواق الناشئة إحدى المبررات لتهاوي البورصة المصرية.

وتجدر الإشارة كذلك إلى أن أزمة الأسواق الناشئة بدأت مع مطلع عام 2015، واشتدت في العامين الأخيرين. فعلى سبيل المثال، بلغ معدل الفائدة في الأرجنتين 40 في المئة منذ ثلاثة أشهر، وتوالى انخفاض عملتها المحلية منذ مطلع 2017 وحتى الآن. وكذلك فقدت الليرة التركية ما يقارب 150 في المئة من قيمتها عبر الثلاثة أعوام الأخيرة، واضطر المركزي لرفع سعر الفائدة بمعدل 2 في المئة لما يزيد عن شهرين.

لذا يمكن القول إنه رغم طول الفترة الزمنية التي عانت منها الأسواق الناشئة، إلا أن التقلبات خلال الشهر الماضي كانت الأكثر عنفا، وهو ما يرجح أن تكون أحد أهم الأسباب المؤثرة في تهاوي البورصة المصرية، ويمثل وزنها النسبي الأكبر بين كل العوامل المحلية والخارجية، مع الأخذ في الاعتبار مجموع الأوزان النسبية الضعيفة، إضافة لما يلي ذكره من عوامل.

الخلاصة، رغم وجود الكثير من العوامل الاقتصادية الداخلية والخارجية، والتي يمكن أن يعزى إليها التهاوي الأخير في البورصة المصرية، إلا أن تهيئة المسرح للطروحات الحكومية الجديدة، بالتلاعب في الأداء والأسعار، واضطرابات الأسواق الناشئة، يعتبران العاملين الأكثر تأثيرا من وجهة نظر الباحث على التراجع المستمر للبورصة المصرية، وإن كان التجهيز للطروحات الجديدة يمثل وزنا نسبيا أعلى.

والسؤال الأبرز الآن: هل يمكن أن تتوجه الحكومة بالبيع في ظل الانهيار الحالي لأسعار الأسهم؟ وإذا كان، فهل توجد شبهات تواطؤ بين صناع السوق ودوائرهم التنفيذية ومن سيشتري الأسهم المزمع بيعها؟

عموما، الأيام القادمة ستكشف عن القرار الحكومي، ولكن التأكيد على بعض النقاط التالية:

- ليست هناك حاجة ملحة للبيع، والبنوك المحلية لا تزال قادرة على الوفاء باحتياجات عجز الموازنة العامة للدولة.

- الاحتياطي في البنك المركزي، بغض النظر عن تكونه من الاقتراض الخارجي، يكفي لسد الاحتياجات الملحة حتى تتعافي أسعار الأسهم.

- مبرر إلغاء عطاء السندات للمرة الثالثة على التوالي في ظل حاجة الدولة وتخطيطها؛ بتحويل الديون قصيرة الأجل إلى طويلة الأجل، حجة على الحكومة وليس لها. فمن ناحية الحكومة - كما ذكرت سابقا - لديها بنوك محلية قادرة على الوفاء، وهامش الفرق بين ما يطلبه المستثمرون (18 في المئة تقريبا) وما تعرضه الحكومة (14 في المئة تقريبا) كبير، ويروج البعض أنه متعمد لإفشال العطاءات، لا سيما في ظل أسعار الفائدة العالمية، مما يوفر مبررا للحكومة للبيع.

- مبرر أن عملية تقييم السهم تجري وفق تقييم مسبق من بيوت خبرة دولية، يكذبه تصريح وزير قطاع الأعمال العام والمشار إليه آنفا.

- مبرر أن الحكومة لو أرادات البيع في أسعار منخفضة ما لجأت إلى الانهيار الكبير، كما حدث هذا الأسبوع، بل كان يمكن أن تتروى عبر انخفاضات متدرجة.. مردود عليه أن آلية الصدمة أسرع وأقل ألما، وتخدم هدف الالتباس والغموض.

- إعادة القبض على جمال وعلاء مبارك، والتركيز على ما يحدث في الأسواق الناشئة، والفشل غير المعتاد في طرح السندات، رغم أنها بالونات دخان شديدة الكثافة، تخدم فكرة البيع في ظرف تهاوي الأسعار، وإتمام البيع سيؤكد ذلك.

في النهاية: يرجو الكاتب أن يكون كل ظن هؤلاء إثما، وأن تتراجع الحكومة عن قرار الطرح على الأقل في الوقت الحالي، مبددة كل الشكوك وعلامات الاستفهام التي تحيط بقرار الطرح الآن.
التعليقات (0)