مقالات مختارة

الخطاب المفلس

حسن البراري
1300x600
1300x600

بعد سلسلة الهزائم التي مُنيت بها الدبلوماسية السعودية، كان البعض يأمل أن تنتهز الرياض فرصة التظاهرة الأممية في الأمم المتحدة لتنحاز إلى مصالح السعودية الوطنية الحقيقية وتبدأ بفتح صفحة جديدة مع باقي العرب لدفع الأذى والتقليل من الخسائر. لكن بدلا من ذلك اختار وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن يوظف منصة الأمم المتحدة ليهاجم قطر مرة أخرى متهما إياها بأنها مأوى الإرهابيين، وهي تهمة لم يعد يصدقها السذج فما بالك بالعقلاء؟!

ومن دون وعيّ يردد عادل الجبير مقولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن دول الخليج ما كانت ستبقى لولا الدعم الأمني من قبل الولايات المتحدة بدلا من أن يختلف معها ويعبر عن شخصية المملكة باعتبارها من أكبر الدول العربية وأقواها. وعوضا عن التصدي لهذا المقولات التي تحمل في طياتها استهانة بأكبر هذه الدول الخليجية يصب عادل الجبير جام غضبه على دولة قطر ويقول إن النظام القطري سيسقط في ظرف أسبوع لولا قاعدة العديد الأمريكية، لكنه لا يقول لنا كيف تمكن هذا النظام القطري من الاستمرار والبقاء والازدهار لعقود طويلة قبل وجود قاعدة العديد؟!

خلال عملي في معهد السلام الأمريكي بواشنطن ككبير باحثين، اشتبكت مع الكثير من الإستراتيجيين الأمريكيين المختصين بملف الإرهاب، والحق أن أيا منهم لم يشر إلى أي دور لقطر في تمويل ورعاية الإرهاب وكانت الانتقادات تأتي دوما باتجاه الرياض، وكان الأمر لافتا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إذ لم تعد السعودية بنظر الأمريكان كما كانت في السابق. وعلى الرغم من النشاط السعودي الهائل لتغيير الصورة السلبية – تارة عن طريق تقديم مبادرة السلام العربية عملا بنصيحة توماس فريدمان وتارة برعاية حوار الحضارات – إلا أن السعودية بقيت متهمة بخلق ظروف الإرهاب. وما قانون جاستا إلا تتويج لفشل السعودية في تغيير صورتها، فتأييد 99 عضو مجلس شيوخ من أصل مائة لقانون جاستا يعني أن هناك إجماعا أمريكيا على إدانة السعودية.

وبناء على ذلك، يستغرب الواحد منا إصرار السعودية على زج اسم قطر في الولايات المتحدة وكأن الأمريكان سذج لا يعرفون شيئا أو ينقصهم فيتامين 12 بشكل جماعي حتى ينسوا هجمات نيويورك غير المسبوقة. فهل اتهام قطر الممنهج سيلغي الإدانة الأمريكية الجمعية لدور السعودية في خلق ورعاية ظروف التطرف ومن ثم الإرهاب؟!

لا ندافع عن قطر في هذا المقال بقدر ما نأمل أن تستيقظ الرياض من غياهب الوهم وتبدأ بخلق أرضيات مشتركة مع دول الجوار لتعبئة جهد عربي جماعي لدرء الأخطار أيا كان مصدرها، فالخطر الفارسي لا يبرر التحالف مع الصهاينة الذين يحتلون أرضا عربية ويتنكرون لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على ترابه الوطني.

يمكن تفهم التخوف السعودي من النفوذ الإيراني ويمكن حتى الاتفاق مع الرياض على أن هناك حاجة لمواجهة النفوذ الفارسي لكن لا يمكن للسعودية أن تقنع أحدا بضرورة الوقوف سدا منيعا بوجه إيران في وقت تحاصر فيه دولة خليجية لا تحتل أرضا عربية ولا تتلقى مساعدات من أي دولة عربية أو أجنبية.

بكلمة، الخطاب السعودي يشوبه عدم الاتزان، وهو خطاب مفلس يفرق ولا يجمع. واللافت أن استمراء السعودية معاداتها لقطر يبعث على القلق، فالأولى أن تتودد الرياض لقطر لعل الأخيرة تساعدها في التقليل من خسائرها الإقليمية المتتالية في مواجهة الإيرانيين. فكما أن السعودية هي دولة محورية – نتمنى أن تستعيد عافيتها وتعود إلى رشدها قبل فوات الأوان – فكذلك قطر التي لم تقف يوما من الأيام إلا في الصف العربي خدمة لقضايا العرب.

عن صحيفة الشرق القطرية

0
التعليقات (0)