مقالات مختارة

حل سياسي سوري مع تعزيز عسكري؟

وليد شقير
1300x600
1300x600

تشذ الأزمة في سوريا عن قواعد السعي نحو الحلول كافة. حديث كل القوى والدول المتورطة في حربها عن أن لا حل عسكريا فيها وأن الحل السياسي هو الأساس، إلى درجة بات معها ممجوجا تكرار هذه العبارة من قادة دوليين وإقليميين، يرتكبون ما استطاعت أسلحتهم من قتل وتدمير في الوقت نفسه.

حتى البديهية القائلة بأن الحل العسكري يرمي إلى تمهيد الطريق للحل السياسي، بمعنى تعديل ميزان القوى لمصلحة التفاوض، لا يجد طريقه إلى الترجمة العملية في الميدان السوري. وإذا كانت كل جولة عسكرية تنتهي بتفاوض، فإن السنتين الأخيرتين شهدتا أن القتال كان ينتهي في منطقة ما، من أجل فرض استسلام على أحد الطرفين، تحت عنوان «المصالحة».

القاعدة في بلاد الشام باتت قول الشيء والتصرف بنقيضه.

ومع تسجيل صدق بعض الفرقاء، لا سيما سوريي المعارضة المعتدلة في تطلعهم إلى الحل السياسي، فإن الموجة الجديدة من الكلام عن هذا الطموح، تترافق مع تناقضات يصعب معها تبدل الأحوال.

فلاديمير بوتين يعلن ضرورة الانتقال إلى الحل السياسي، والعمل على انسحاب كل القوات الأجنبية من سوريا، بما فيها الروسية، في الوقت نفسه الذي يرسل إليها بطاريتي صواريخ أس 300 مع ما تتطلبه من خبراء وضباط روس لتدريب جيش النظام عليها، وللإشراف على استعمالها. فمن المؤكد أن الوحدات السورية التي ستوضع في عهدتها ستكون تحت قيادة روسية، وأنظمة تحكم لاستخدامها يقودها ضباط روس، حتى بعد تأهيل الضباط السوريين. قرار استعمالها المفترض روسي قبل أن يكون سوريا. ولم يكتف الكرملين بتعزيز وجوده الصاروخي، بل أدخل إلى سوريا أيضاً أنظمة إلكترونية للرصد والتتبع والتعطيل، لم يسبق أن استخدمت خارج الاتحاد الروسي، ما يدل على أن الميدان السوري ما زال ميدان اختبار للأسلحة المختلفة في مواجهة الترسانة الأمريكية المتطورة، في سياق المبارزة بين القوتين الكبريين على استعراض القوة على المسرح الدولي والإقليمي.

يقود ذلك إلى زيادة عديد القوات الروسية لسنوات مقبلة، لا انسحابها.

وبينما يعلن القيصر أن الوضع في إدلب لن يحتاج إلى عمليات عسكرية كبرى، تدخل أرتال جديدة من الدبابات التركية إلى المحافظة بناء على الاتفاق بين موسكو وأنقرة.

بالموازاة، يصدر ممثل وزير الخارجية الأميركي الخاص للتواصل حول سورية السفير جيم جيفري ونائب مساعد وزير الخارجية المبعوث الخاص إلى سورية جول رايبورن بياناً الثلثاء الماضي بأن «لا بديل للحل السياسي فيها وأن أولئك الذين يسعون للحل العسكري لن ينجحوا إلا في زيادة احتمال التصعيد الخطير واتساع نطاق الأزمة داخل المنطقة وخارجها»، وفي اليوم التالي يعلن وزير الدفاع جيمس ماتيس من باريس عن زيادة «عدد الخبراء الأمريكيين» في سوريا، بعد قرار البقاء فيها إلى حين القضاء على «داعش» وانسحاب إيران منها. فالسفيران الأمريكيان يريدان حلّا «لسوريا الجديدة بلا ارتباطات مع النظام الإيراني ومليشياته».


ترافقت كل هذه المواقف مع تأكيد إسرائيل أنها لن تتوقف عن ضرب الوجود الإيراني في الميدان السوري، على رغم تسلم الجيش السوري بطاريات أس 300.

على رغم التهيؤ لعقد اجتماع للجنة صوغ الدستور السوري، وعلى رغم الحديث عن انطلاقة جديدة للوساطة الأممية من أجل الحل السياسي في سوريا عبر تعيين موفد جديد بدلا من ستيفان دي ميستورا، يصعب الاقتناع بأن الدول الكبرى تتهيأ لإنهاء مأساة السوريين، وسط هذه التناقضات بين ترويجها للحل السياسي وتصرفاتها العسكرية على الأرض. وهي ليست المرة الأولى التي تفعل ذلك على مدى السنوات السبع الماضية.

ومع أنه لاحت في الأفق إمكانية لإطلاق عملية سياسية مع المبادرة الروسية لإعادة النازحين، لأنها تفتح الباب على تفاوض بين الدول الكبرى للتفاهم على سلة إجراءات بالتوازي بين العودة والبدء بسحب القوات الأجنبية، وبين الحل الانتقالي الذي ينص عليه القرار الدولي الرقم 2254، إلا أن موسكو بنت مبادرتها على قصر من الرمل، لأنها لم تستطع تقديم ضمانات يركن إليها لضمان هذه العودة خارج المظلة القمعية والوحشية للنظام، الذي يلاحق العائدين لإخضاعهم وإذلالهم، ولأنها لم تتمكن من ضمان الانكفاء الإيراني من إجزاء مهمة، بناء لاتفاق هلسنكي بين بوتين ودونالد ترامب، اللذين يحتاجان لاجتماع جديد.

ينتظر أن تستهلك الأزمة السورية موفدا دوليا جديدا بعد دي ميستورا وكوفي أنان والأخضر الإبراهيمي، كي يتناغم مع تقاسم البلد مناطق نفوذ بين الدول المنغمسة فيه. وإذا كان من أمل بالحل السياسي فإن مؤشره الأول بدء انسحاب القوى الأجنبية، بانكفاء إحداها تمهيدا لانكفاء غيرها. العكس يحصل الآن.

 

عن صحيفة الحياة اللندنية

2
التعليقات (2)
متفائل
السبت، 06-10-2018 10:11 ص
السؤال هو : هل هناك حركة في اتجاه ما تبقى من المجتمع السوري ، بمعنى من يفكر اليوم فعلا في توجيه المجهود السياسي والعسكري باتجاه يتناغم مع حركة المجتمع ، وليس باتجاه فصيل بعينه ، أمريكا وروسيا وعملاءهم لا يهمهم سوريا بقدر ما تهمهم مصالحهم ، اسألوا هذه الأطراف بمن فيهم حكام الرياض وأبو ظبي عن الملايين من اللاجئين السورين ، يأكلون ، ينامون ، يتعلمون ، حاجاتهم ، أدواتهم ، كسوتهم ، غذاءهم ، مستقبلهم ، مرضاهم ، جرحاهم ، عرضهم وسلامتهم ، من يهتم لذلك من دون من ، ولا تشهير إعلامي ، مثل ذلك هو من صميم الحركة باتجاه سلامة المجتمع الذي ضحى بأغلى ما يملك ، سيكولوجية الأمريكيين والروس يجب أن تؤخذ في الحسبان ، أما المغلوب فوجب الالتفات إلى قواعده المجتمعية الصلبة. أما الحركات المنفردة فلا تعبر سوى عن عج صاحبها عجا رهيبا .
عبدالله العثامنه
السبت، 06-10-2018 07:48 ص
الاباحيون : استباحوا سوريا؛ تصدّرت الدعارهُ باحاتهم.