كتاب عربي 21

عندما تنبأ الغنوشي بثورة خاشقجي!

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600
أصبحت روح جمال خاشقجي بمثابة الكائن الخرافي الذي يلاحق الكثيرين. وفي الأيام الأخيرة، أطلت روحه في تونس بطريقة لم تكن متوقعة.

عندما تم الإعلان عن كون الرجل دخل القنصلية السعودية في إسطنبول ولم يخرج، لم يصدر أي رد فعل رسمي في تونس، حيث لازمت مختلف الأطراف في البداية الصمت والترقب.

كانت حركة النهضة الطرف المعني أكثر من غيره في الساحة التونسية بالتفاعل مع هذه الجريمة البشعة، بحكم العلاقة القوية التي تربط القتيل براشد الغنوشي وبحركة النهضة التي دافع عنها إلى آخر أيامه. مع ذلك، أمسك الغنوشي لسانه حتى لا يرتكب خطأ اتصاليا تكون تداعياته سلبية على حركته وعلى البلاد، رغم أنه في أعماقه وبين المقربين منه كان بوده أن يتحرر من مختلف القيود لينفجر في وجه قاتليه.

استمر هذا الموقف فترة من الزمن، واكتفت الحركة ببيان عام نددت فيه بهذا الاغتيال، وطالبت بكشف الحقيقة، وهو الحد الأدنى الذي لا يمكن أن تلام عليه. إلا أن المسألة لم تقف عند هذا الحد، إذ في خطاب مكتوب توجه به مؤخرا رئيس النهضة إلى كوادر حركته، قارن فيه بين خاشقجي والبوعزيزي، واعتبر أن قتله بتلك الطريقة سيحدث ثورة. ورغم أنه "لم يذكر اسما ولم يشر لأي دولة"، كما أوضح ذلك المكتب الإعلامي لحركة النهضة في بيان أضاف فيه أن "الأمر يتوقف عند العبرة من الحادثة الفظيعة، ووجه الشبه كان فيما أحدثه إضرام شهيد تونس محمد البوعزيزي للنار في جسده من موجة تعاطف دولي معه". رغم هذا التوضيح، إلا أن الأمر سرعان ما تحول إلى كرة ثلج تلاحق قيادة النهضة، وتزيد من إثارة الشبهات حول نواياها.

استغلت قيادة النداء الحليف السابق لحركة النهضة هذه الحادثة لتشن هجوما قويا ضد الغنوشي وحركة النهضة، وذلك في بيان استنكرت فيه "تدخل رئيس حركة النهضة في علاقات بلادنا الدبلوماسية بما يمسّ المصلحة الوطنية ويقحمها في سياسة المحاور". واعتمد الحزب في ذلك على زاويتين؛ تتعلق الأولى بدق إسفين جديد بين الغنوشي والرئيس السبسي بحجة أنه تدخل في صلاحيات رئيس الجمهورية المسؤول دستوريا عن رسم السياسة الخارجية، وأما الزاوية الثانية فتتعلق بتعميق الفجوة بين حركة النهضة والمملكة العربية السعودية؛ بالقول إن الغنوشي بتصريحه سيفسد العلاقات الوثيقة بين البلدين، وهو ما من شأنه أن يضر بمصالح تونس العليا.

لم يكتف جماعة "النداء" بإصدار بيان قوي اللهجة، وإنما قام وفد برئاسة نجل رئيس الجمهورية بزيارة مقر السفارة السعودية بتونس للتعبير عن رفض ما صدر عن العنوشي. وبذلك أصبحت النوايا واضحة، حيث أرادت قيادة "النداء" إشعار سلطات المملكة بأن الجهة الوحيدة التي يمكن الوثوق فيها هي رئيس الجمهورية والمؤسس لحزب نداء تونس. وبالتالي، اعتبار حركة النهضة جهة مشكوكا فيها، ولا يمكن اعتبارها شريكا حقيقيا لتعزيز العلاقات الثنائية.

هذا التحرك اعتبره الغنوشي "أمرا غير مسؤول وغير أخلاقي، ولا أفق له". فهو غير مسؤول نظرا لكونه صادرا عن حزب اشترك معه - ولا يزال - في إدارة الحكم، كما أنه "غير أخلاقي" باعتباره ضربة موجعة في الظهر من جهة كانت قبل فترة وجيزة تقف مع النهضة في خندق واحد. لكن القيادي في نداء تونس رضا بلحاج؛ تدخل في قناة الإخبارية السعودية ليهاجم حركة النهضة، ويقول إنها "عادت إلى طبيعتها غير الديمقراطية، وأظهرت نوايا عدوانية وانقلابية"، وهو ما يؤكد بأن الخصومة بين النهضة والنداء قد أصبحت مفتوحة على مصراعيها، وأن كل الوسائل مشروعة لتدمير الخصم وإضعافه.

لم يقف الأمر عند رد فعل حزب نداء تونس، وإنما سارعت أيضا وزارة الخارجية بإصدار بيان أكدت فيه "حرص تونس على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى"، وشددت على "عراقة العلاقات التونسية السعودية وتميزها".

هكذا اضطر الشيخ الغنوشي إلى إعادة صياغة موقفه من جديد في خطوة تراجعية، حين سارع للقول، في تصريح لوكالة الأناضول التركية، بأن "العلاقات بالسعودية جيدة وأخوية"، ونوه بأن تشبيهه لخاشقجي بمحمد البوعزيزي، مفجر الثورة التونسية، لم يقصد به "التدخل في شؤون دولة، أو الإشارة إلى أمر يخص هذا النظام أو ذاك"، ووصف العلاقه مع السعودية بـ"الجيدة والأخوية ونحن نتمنى لها كل الخير".

كما أعرب عن أسفه "إزاء قيام بعض الأطراف بتحريف كلامه بهدف بث الفتنة بيننا وبين رئاسة الجمهورية (التونسية)، وبيننا وبين المملكة". والمعلوم أن علاقة النهضة بالسعودية لا تزال مجروحة، وأن المحاولات التي بذلها الغنوشي من أجل تطبيع العلاقة مع الرياض لم تسفر عن نتائج ملموسة. وقد ارتفع سقف الشكوك بين الطرفين باستلام الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، وهو المعروف بعدائه للإخوان المسلمين ولمختلف مكونات الإسلام السياسي، بما في ذلك حركة النهضة. وهو لا يرغب شخصيا في الدخول في أي حوار معها، معتبرا أن الطريق الوحيد للتعامل مع تونس هو السبسي الذي قال له ذات يوم عندما قام هذا الأخير بزيارة دولة للرياض، وكلفه والده الملك سلمان بالتحدث رسميا مع الرئيس التونسي: "سيدي.. أنت في مقام الوالد.. أنتظر منكم النصيحة، وأن تأمروني بما ترونه لدعم بلادكم وأنا سأنفذ أوامركم".

هكذا وجد الغنوشي نفسه في موقع صعب، إذ في السياسة كم من تصريح يوقع صاحبه في مطب لن يخرج منه بسهولة. فالدبلوماسية سلاح ذو حدين؛ لأنها تحتاج من صاحبها أن يسير فوق حبل رقيق. وتبقى العبرة من وراء ذلك هي النتائج.. المستقبل وحده هو الكفيل بالإجابة..
التعليقات (3)
قاسم بوقداح
الثلاثاء، 06-11-2018 12:10 م
غنوشكم هذا هو عثرة في طريق انعتاق تونس من جلاديها
تميم
الإثنين، 05-11-2018 04:17 ص
الغنوشي اطلق هذا التصريح حول خاشقجي لكي يرضي ولي نعمته تميم طال عمرو
متفائل
الإثنين، 05-11-2018 12:31 ص
و هل تنبأ الغنوشي بثورة تونس ؟ وهل توقع الذي حدث فعلا ؟ لعل الغنوشي أدرك كفاية أن دماء البوعزيزي اختلطت بدماء خاشقجي من حيث لم يتوقع ، لا السبسي ، ولا السيسي ، ولا ابن سلمان ، ولا حتى الروس والأمريكان ، فلا هي تسونامي ولا هي زلزال ، و لا هي من توقعات أردوغان .