كتاب عربي 21

أزمات السوق المصرية المتكررة تصل للبطاطس

ممدوح الولي
1300x600
1300x600
منذ شهر كانون الثاني، يناير من العام الحالي، حذرت شعبة الخضر والفاكهة في الغرفة التجارية، من حدوث ارتفاع بأسعار البطاطس خلال العام الحالي، نتيجة إحجام كثير من المزارعين عن زراعته خلال موسم زراعته في كانون الثاني/ يناير وشباط/ فبراير الماضيين، مما يُتوقع معه نقص المعروض وبالتالي ارتفاع الأسعار.

وجاء هذا الإحجام من هؤلاء المزارعين عن زراعة البطاطس بسبب الخسائر التي تعرضوا لها خلال العام الماضي، عندما اضطروا لبيع المحصول بأثمان بخسة لا تفي بتغطية تكاليف الإنتاج، التي زادت مع زيادة اسعار التقاوى المستوردة نتيجة تعويم الجنيه المصري وقلة عدد المستوردين، وزيادة سعر الوقود والنقل والمبيدات، حتى أن البعض قدم المحصول كعلف للحيوانات بديلا عن بيعه للتجار.

وساهم نقص استيراد كميات التقاوي في انخفاض المساحة المنزرعة أيضا، وخلال موسم الإنتاج تعرض المحصول لعوامل جوية معاكسة، وانعكس كل ذلك على نقص الإنتاج. وتزامن ذلك مع انخفاض الإنتاج الأوروبي لعوامل جوية هناك، مما زاد من الطلب التصديري للبطاطس المصري، ورافق ذلك ارتفاع الطلب المحلي الصناعي على البطاطس، والنتيجة انخفاض الكمية المتاحة للاستهلاك المنزلي وللمطاعم، مما زاد من السعر.

وجرت العادة على انتهاء حصاد محصول إنتاج البطاطس منتصف حزيران/ يونيو وحتى بداية تموز/ يوليو، حيث لا يتحمل ارتفاع حرارة الجو، مما يدفع المنتجين لتخزينه في ثلاجات للوفاء بكميات الاستهلاك المحلي خلال الفترة من بداية تموز/ يوليو وحتى بداية إنتاج المحصول الجديد في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر.

الثلاجات تضمن استمرار توافر البطاطس

يجب أن يكون حجم المخزون كافيا لمدة أربعة أشهر ونصف، بمتوسط يومي حوالي عشرة آلاف طن يوميا. ومع انخفاض الإنتاج وزيادة الطلب على التصدير وعلى الاستهلاك الصناعى، زاد السعر ليصل للمستهلك النهائي إلى 14 جنيها للكيلوغرام الواحد، وهو رقم غير مسبوق لدى غالبية المصريين الذين تعودا على استخدام البطاطس كوجبة شعبية يتراوح عادة سعرها ما بين جنيهين ونصف إلى ثلاثة جنيهات.

وتوافقت زيادة سعر البطاطس مع زيادة أسعار الطماطم السلعة الشعبية أيضا، إلى جانب غالبية أصناف الخضر والفاكهة، وكذلك الأرز واللحوم والدواجن والأسماك، مما زاد من الشكوى، الأمر الذى دفع المسؤولين إلى الأسلوب المعتاد، وهو البحث عن كبش فداء لتحميله مسؤولية ارتفاع سعر البطاطس، فقامت الحملات الأمنية المكونة من وزارات الداخلية والتموين والزراعة وجهاز الرقابة الإدارية؛ للتفتيش على ثلاجات حفظ البطاطس، رغم أن هذا هو النشاط الطبيعي لها، حيث يحتاج السوق إلى وجود مليون طن على الأقل في تلك الثلاجات، لمواجهة الطلب المحلي طوال فترة انقطاع الإنتاج من تموز/ يوليو إلى منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر.

لكن حيازة البطاطس أصبحت جريمة، حيث يتم تخيير مالك البطاطس بين بيعها بثمن قليل أو مصادرته، فلا يجد أمامه سوى الإذعان ليتم عرض الكميات التي تم الاستيلاء عليها في منافذ حكومية بأسعار أقل. وتنشر وسائل الإعلام صور طوابير المواطنين وكأنه المشكلة قد تم حلها، رغم قلة عدد المنافذ التابعة لوزارتي الداخلية والتموين بالمقارنة بأعداد السكان في أنحاء البلاد.

عودة الأسعار القديمة في حزيران/ يونيو 2019

وتقوم وسائل الإعلام بدورها في التخفيف من آثار المشكلة، ودعوة الجمهور للتحمل حتى تبدأ بشائر الإنتاج الجديد في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر، رغم أن تلك العروة الزراعية القادمة محدودة المساحة بالمقارنة بباقي العروات، كما يتوقع انخفاض إنتاج محافظة المنيا التي تشكل حجما كبيرا في تلك العروة، بينما يرى مسؤولو وزارة الزراعة أن التهدئة لأسعار البطاطس ستظهر منتصف ديسمبر بعد دخول مناطق أخرى الإنتاج.

لكن خبراء زراعيين يرون أن العروة الأكبر إنتاجا للبطاطس هي التي يظهر إنتاجها في حزيران/ يونيو القادم، ولهذا يرون أن عودة البطاطس لأسعارها المعتادة لن يكون قبل حزيران/ يونيو 2019.

وكشفت أزمة البطاطس عن العديد من الوقائع، أبرزها مداهمة ثلاجات المنتجين والمصدرين واتهام بعضهم إعلاميا بالاحتكار وتعطيش السوق لرفع الأسعار وتشويه سمعة بعضهم، رغم أن 70 في المئة من الأصناف التي يتم تصديرها لا يتم تسويقها محليا، ويتم إنتاجها خصيصا للتصدير، ولذلك أثره على الاستثمار الزراعي.

وكان تدخل جهاز المنافسة ومنع الاحتكار لتفتيش مقر اتحاد مصدري الحاصلات الزراعية، مثار اعتراض من قبل اتحاد الغرف التجارية، حيث لم يسبق التفتيش أي تحقيق لإثبات تهمة الاحتكار، خاصة وأن كميات التصدير تمثل نسبة 15 في المئة من الكميات التي يتم إنتاجها.

ومن ناحية أخرى، طالبت نقابات الفلاحين بدخول البطاطس ضمن الزراعات التعاقدية، بحيث يضمن المنتجون حدا أدنى لسعر التسويق يضمن لهم تكلفة الإنتاج على الأقل، لكنه يتضح أن قانون الزراعة التعاقدية الذي صدر في آذار/ مارس 2015 لم تصدر لائحته التنفيذية بعد، وبالتالي لم يطبق.

4 أسواق منظمة للخضر بمصر

كذلك كشفت طريقة معالجة المشكلة باقتحام ثلاجات البطاطس رغم مشروعية نشاطها، عن عشوائية التجارة التي يتسبب تعدد حلقات التداول بها في ارتفاع أسعار السلع، خاصة الخضر والفاكهة. ففي بلد يسكنه 97 مليون شخص وفيه 27 محافظة، لا توجد سوى أربعة أسواق منظمة فقط للخضر والفاكهة: في منطقة العبور والسادس ومن أكتوبر والإسكندرية والإسماعيلية.

وكان وزير التموين السابق خالد حنفي قد وعد في شباط/ فبراير 2014؛ بإنشاء مناطق لوجستية لحفظ وفرز وتعبئة الخضر والفاكهة، لضمان استقرار أسعارها على مداد العام، لكن ذلك لم يحدث بعد، حيث وضح وزير التموين الحالي حجر أساس أول منطقة لوجستية بمحافظة البحيرة مؤخرا، في حين كانت التصريحات تبشر بمنطقة لوجستية لكل محافظة منذ سنوات، خاصة وأن بيانات جهاز الإحصاء الرسمي تشير إلى أن كميات الفاقد السنوىي من إنتاج البطاطس خلال عمليات النقل والتداول؛ قد بلغت 893 ألف طن خلال عام 2016، في حين كانت كميات التصدير بنفس العام 413 ألف طن فقط. ولم تقل كميات الفاقد من البطاطس في السنوات الخمس من 2012 وحتى 2016؛ عن 740 ألف طن سنويا، إلى جانب استمرار شراء المجمعات الاستهلاكية التابعة لوزارة التموين الخضر والفاكهة من سوق العبور، مثل أي تاجر تجزئة، رغم تكرار الوعود خلال السنوات الماضية بشراء الخضر والفاكهة من المنتجين مباشرة لتقليل حلقات التداول، وخفض هوامش الربح المتعددة لكل حلقة، وضمان حصول صغار المنتجين على نصيب عادل من سعر البيع النهائى للسلع.

وهكذا، فإن العوامل التي ساهمت في ظهور مشكلة ارتفاع أسعار البطاطس والطماطم والخضر والفاكهة ما زالت موجودة، وما زال المزارعون لا يجدون من يحميهم من عدم وفاء أسعار بيع منتجاتهم عن تكلفة إنتاجها، وما زال المستهلك البسيط يدفع فاتورة غياب السياسة الزرعية وعشوائية التجارة الداخلية، والإجراءات الاستعراضية للجهات الحكومية للتغطية على فشلها في الحد من استمرار ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
التعليقات (0)